طلال سلمان

استثمار سياسي داخلي لتحرير المختطفين من رفح

غزة ـ حلمي موسى

في اليوم الثلاثين بعد المئة، مازال الأمل يكبر في كل يوم بقرب انفراج الغمة وانكسار العدوان وزوال الاحتلال. فالحرية والاستقلال في وطننا هي حقوق أصيلة لشعبنا لا نتخلى عنها.

***

شعرت حكومة نتنياهو بالانتشاء من نجاح القوات الإسرائيلية في “تحرير” أسيرين إسرائيليين من منزل في رفح بعد محاولات فاشلة عدة لتنفيذ عمليّة من هذا النوع. إلّا أنّ هذا “الانتشاء” بقي محصورا في دوائر الحكم ولم يتجاوزها إلى المستوى الجماهيري ولا حتّى إلى المستوى الإعلامي. ولم تنجح العملية في تحقيق صورة “الانتصار” المطلوبة لاسيّما مع استمرار عمليات المقاومة، وسقوط جنود إسرائيليين، كان آخرهم قائد كتيبة في خانيونس.

ومن الواضح أن نجاح عملية تحرير المختطفين الإسرائيليين جاء في ظروف غير معروفة تماما إلا عبر المنظار الإسرائيلي. وتحاول إسرائيل الإيحاء بأن العملية تمت في ظروف بطولية وأنه جرى التخطيط لها منذ أسابيع في انتظار اللحظة المناسبة للتنفيذ.

كما يسعى العدو إلى إظهار العملية وكأنها اختراق لقوات حماس، حتّى أنه أُعلن أن القوات الاحتلال “تخطت خطوط دفاع ثلاث كتائب لحماس”.

غير أن ما ظهر من معطيات، أشار إلى أن المختطفين المسنين كانا في عهدة عائلة مدنية وليس في عهدة حماس أو أي فصيل فلسطيني آخر، ما يشير ربما إلى أنه تم إخراج “الاقتحام” بشكل درامي وسط ما لا يقل عن خمسين غارة جوية استهدفت بيوتا ومساجد، من أجل التغطية على العملية.

وبحسب ما نشرت وسائل الإعلام الإسرائيلية، سبقت العملية استعدادات محمومة ومحاكاة نماذج عدة، تعرّف خلالها المقاتلون على البنية والمعلومات الاستخبارية، وأعدوا خططا عملياتية مفصلة بالحالات والردود على كل سيناريو محتمل.

وكانت المعلومات الاستخباراتية المتعلقة بموقع المختطفين في أيدي الشاباك منذ فترة، لكن أصحاب القرار كانوا ينتظرون الظروف المثالية من الناحية الاستخباراتية والعملياتية، والتي من شأنها أن تزيد من فرص نجاح العملية في منطقة الشابورة في رفح.

وبحسب الإسرائيليين، فإنه منذ بداية الحرب، يحاول الجيش والمؤسسة الأمنية باستمرار توفير فرص لتحرير المختطفين بقوة السلاح، وقد جرت أكثر من محاولة للقيام بذلك، ولكن، وبالنظر إلى أن الأسرى موزعون في أماكن كثيرة، فوق الأرض وتحتها، ويخضعون لحراسة مشددة ومحاطين بأماكن مفخخة، فإن النجاحات الإسرائيلية كانت شبه معدومة.

وتزعم قوات الاحتلال أنه في عدد لا بأس به من الحالات، خلال الأشهر الأربعة الماضية، كان لدى المؤسسة الأمنية معلومات حول مواقع المخطوفين في الوقت الفعلي، لكن لم يتم إنقاذهم لأن فرص إنقاذهم الآمن لم يكن عالية.

إلّا أن الإسرائيليين يعتبرون أن الظروف كانت مواتية هذه المرة. ولوحظ أنه للمرة الأولى طوال الحرب، يتم إشراك وحدة مكافحة الإرهاب الخاصة بالشرطة والمعروفة باسم “يمام”. وربما تنطوي هذه المشاركة على أبعاد سياسية وحزبية، خصوصا وأن الشرطة تخضع لإمرة وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير.

هكذا، وبرغم إيحاءات إعلامية بأنه لم يتم إطلاع بن غفير على قرار تنفيذ العملية، إلا أنه تبيّن أن بن غفير نفسه كان في استقبال مرؤوسيه عند عودتهم من العملية.

وبات بإمكان بن غفير الإفادة من العملية وتجييرها لمصلحة حزبه اليمني المتطرف، خصوصا وأنه كثيرا ما يوصف بأنه لا يفقه شيئا في الأمور العسكرية أو في الإستراتيجيات السياسية.

ومن الواضح أن نتنياهو أراد منح بن غفير ورقة تفيده في المستقبل، لاسيما وأن بن غفير بات يزعم أنه أفلح حيث أخفق الجيش.

ويتم إظهار العملية على أنها ليست تعبيرا عن شجاعة المقاتلين فحسب، وإنما أيضا عن شجاعة القادة السياسيين الذين اتخذوا القرار بتنفيذ العملية.

ويبدو أن نتنياهو هو المستفيد الأكبر من إظهار هذه الصورة. ومع ذلك، هناك من يعتقد أن الخيط الفاصل بين النجاح والفشل في مثل هذه العمليات بالغ الدقة. وتشير تقديرات في الكيان إلى أنه برغم النشوة البادية على قادة الحكم والأمن جراء نجاح العملية، إلا أن تكرار حصول مثلها أمر غير مضمون. فالمقاومة في غزة تتعلم بسرعة ويمكنها أن تسد الثغرات بما يجعل الركون إلى العمل العسكري لتحرير باقي الأسرى أمرا غير مضمون النتائج. وهو ما يقود بالضرورة إلى الاضطرار إلى خط التفاوض للإفراج عن باقي المختطفين، الأحياء منهم والأموات.

ومع ذلك، أتاح نجاح العملية لوزير الحرب يؤآف غالانت وأنصار خط الضغط العسكري، الإعلان أنه “سيكون هناك المزيد من العمليات. وهذا أعطى الجمهور في إسرائيل نفسا من الهواء النقي. لدينا مختطفون ونحتاج إلى الوصول إليهم”.

وشدد غالانت على أن “وجودنا هنا يعتمد على الردع. يجب أن يكون رمز هذا الحدث هو غزة مدمرة، وخان يونس مدمرة، وإرهابيون قتلى تحت الأرض، وفوقها، هذا هو الرمز”.

أضاف غالانت في حديثه مع المشاركين في العملية أنه “انطلاقا من هذا الإجراء بالذات، حدث انقلاب في تفكيرنا وفي تفكير حماس. فمن الممكن الذهاب إلى أي مكان والقيام بأي شيء ويتم ذلك بطريقة واضحة وحادة للغاية، والجمهور اليوم يدرك أن هناك من يمكنه الوثوق به”.

اجتماع القاهرة

على صعيد آخر، تكتسب هذه العملية أهمية إضافية في نظر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لأنها تسبق اجتماعا مقررا للممثلين عن دول “مقترح باريس” في القاهرة للبحث في تحريك مفاوضات تبادل الأسرى. فالعملية تعزز نظرية إسرائيل بأن الضغط العسكري وحده يحقق نتائج، كما أن نجاح العملية، بنظر نتنياهو، يجبر “حماس” على تليين موقفها من صفقة التبادل.

وعلى الرغم من أن نتنياهو كان يردد بأنه لن يرسل وفدا إلى اجتماع القاهرة، إلا أنه عاد، بعد مكالمته الهاتفية مع الرئيس الأميركي جو بايدن، وأعطى الضوء الأخضر لمشاركة وفد يرأسه رئيس الموساد ديفيد بارنيع المسؤول عن مفاوضات عودة المختطفين مع كل من رئيس المخابرات المركزية الأميركية ورئيس المخابرات العامة المصرية ورئيس الوزراء القطري.

ويشارك الوفد الإسرائيلي، كما نقلت صحيفة “يديعوت أحرونوت” عن مصدر إسرائيلي، “للاستماع بشكل أساسي”.

وترى وسائل إعلام إسرائيلية أن الطريق إلى صفقة تبادل ما زال طويلاً، بالرغم من الجهود التي تُبذل من وراء الكواليس لتضييق الفجوات “وتليين مطالب حماس” للتوصل إلى اتفاق على الخطوط العريضة المحتملة.

ويعتبر مسؤولون إسرائيليون كبار أن الفجوات في الصفقة لا تزال كبيرة، وهناك في الجانب الإسرائيلي إجماع كامل على أن الشروط التي طرحتها حماس غير قابلة للتفاوض.

Exit mobile version