طلال سلمان

اسئلة لا تفسد»عرس واشنطن«اللبناني

أين موقع »مؤتمر أصدقاء لبنان«، بنتائجه المعلنة، على خريطة المصالح السياسية المتباينة دائماً، والمتناقضة الى حد التضارب غالباً، بين القوى المؤثرة في دوره وفي موقعه داخل »العملية السلمية« خاصة وداخل الصراع العربي الإسرائيلي، بمجمل تطوراته، على وجه العموم؟!
هل يمكن قراءة تلك النتائج السخية بمعزل عما جرى ويجري في لبنان ومن حوله، وبالتحديد بعد اكتساح التطرف الإسرائيلي بقيادة بنيامين نتنياهو ليس الانتخابات والحكومة في تل أبيب فحسب، بل و»العملية السلمية« برمتها، ما تمّ من الخطوات على طريقها ولو خارج إطار مدريد (اتفاق أوسلو)، وما كان مقدراً له أن يستكمل لو فاز شيمون بيريز مما كان ما بدأه إسحق رابين الذي جاءت به »الرعاية الأميركية« لمؤتمر مدريد؟!
هل نحن أمام مشروع »لبنان أولاً«، أميركي هذه المرة، بديلاً من ورداً على »لبنان أولاً« الذي جاء ترجمة أولية لمنطق التطرف الإسرائيلي الرافض للعملية السلمية، في لحظة من لحظات التمايز في المصالح وبالتالي في المواقف بين واشنطن وتل أبيب؟!
هل تعذر على واشنطن أن تباشر »هجومها المضاد«، إذا ما سلمنا جدلاً بأنها رافضة لمنطق نتنياهو، من حيث كان يجب أن تباشره فعلاً، من داخل فلسطين المحتلة، فاختارت جبهة لبنان؟ أم أنها تستكمل هنا ما توحي بأنها كانت باشرته في الأرض المحتلة بهدوء يتناسب مع الضرورات الانتخابية وأنها ستستأنفه الآن وقد استقرت الأمور لكلينتون الثاني؟!
أم أنه مجرد اختلاف في الأسلوب في ظل اتفاق على الهدف؟!
أم أنه استثمار أميركي ناجح وهادئ للنفور الغربي العام، بل والعالمي، من المنهج الحربي بل والإرهابي الذي يواجه به نتنياهو الجهد الأميركي لاستكمال »عملية التسوية في الشرق الأوسط« بما يحفظ المصالح الأميركية ومن ضمنها المصالح الإسرائيلية الحيوية من دون إحراج العرب فإخراجهم؟! ولا سيما مع تزايد التعاطف الغربي، خاصة والعالمي عموماً مع لبنان الضحية في نيسان بيريز ثم مع نتنياهو الأعنف.
المال متطرف أيضاً، وقد يلعب دور »الإرهابي بامتياز«، لكن ميزته أنه يجري إلى غايته بصمت، ويجرح من دون أن يسيل الدماء.
وهو طالما كان سلاحاً اسرائيلياً متفوقاً وحاسماً، منبعه في الولايات المتحدة وروافده في اربع رياح الارض.
فهل يستخدم، الآن، هذا السلاح ضد اربابه، ولو لغرض محدود وفي مكان محدود، وبمنطق »مواجهة اسرائيل لإنقاذها من ذاتها« وليس حباً بلبنان واللبنانيين او بالعرب مجتمعين؟!
هل تدعم واشنطن نموذج الحكم في لبنان، لتؤكد اعتراضها على نموذج بنيامين نتنياهو، بمنطق ان »مجندي السلام« او »العرب الجدد من الاثرياء والمستثمرين والمقاولين« يشكلون »الشركاء الجدد في السعي الى السلام وليس فئة المثقفين او الطبقة الوسطى التي اصبحت هامشية بسبب الازمة الاقتصادية« كما يقول اهود اماري في صحيفة »معاريف« الاسرائيلية؟!
فإذا كان هذا صحيحاً فلماذا تجاهل الاعلام الاميركي (والصحافة خصوصاً) مؤتمر اصدقاء لبنان فلم يحظ انعقاده بأكثر من خبر صغير في بعض الصفحات الداخلية،. وكان مما يفجع، ويهز الثقة بالنتائج المعلنة، ان صحيفة كبرى ودولية مثل »هيرالد تريبيون« اكتفت بنشر صورة لوزير خارجية فرنسا هيرفيه دو شاريت يصافح فيها وزير الخارجية الاميركي وارن كريستوفر، وقد ظهر معهما الرئيس رفيق الحريري والوزير فارس بويز، من دون ان تذكر الصحيفة اسميهما، بل اكتفت تحت الصورة بتحليل عن العلاقات الفرنسية الاميركية التي ناقشها الوزيران خلال مؤتمر لبنان في واشنطن؟!
ثم لماذا هذه العودة الاميركية الى الإلحاح على طرح موضوع »الارهاب في ظل الوجود السوري في لبنان«، كما تبدّى عبر الاسئلة الكثيرة التي وُجهت الى الرئيس الحريري عنه في مقابلته مع شبكة »سي. ان. ان« الاميركية، ثم في إجابات الناطق باسم البيت الابيض، امس، على اسئلة الصحافيين وقد جاء فيها ما نصه:
»ان الحكومة اللبنانية تعرف تماماً رأينا حول القوات الارهابية في البقاع، وكذلك الحكومة السورية«.
»نحن قلقون من دعم الحكومة السورية للمجموعات الارهابية هذه المقيمة في دمشق او المجموعات التي تعمل من مواقع في لبنان تقع تحت سيطرة الجيش السوري«.
»لقد اعلنا عن هذا القلق مراراً، وكثيراً جداً..«
وإذا كان »تقليدياً« ان يعرب بيرنز عن التمني الاميركي بانسحاب »كل القوات الاجنبية من لبنان«، فهو قد عاد امس ليؤكد تمنيه ان يشهد قريباً »يوم توقيع لبنان اتفاق سلام مع اسرائيل«.
هل من الضروري التذكير هنا بما كانت كشفته صحيفة »هآرتس« الاسرائيلية قبل شهر واحد (في 15/11/96) عن تعزيز الجهاز الامني الخاص لبنيامين نتنياهو برئيس هيئة مكافحة الارهاب اللواء المسرح مئير دغان، الذي له نظريته الخاصة حول لبنان وسبل العمل فيه؟!
خلاصة نظرية مئير دغان، التي يبدو من شواهد محددة انها بدأت تأخذ طريقها الى التنفيذ، تقوم على المنطق التالي:
»لقد كان لبنان حلبة الاغتيالات والتفجيرات من كل جانب، وفي كل صوب. وهناك في اسرائيل من يؤمنون بأن في الامكان ان تعود لتدوي فيه الصليات والعبوات في اتجاه السوريين المكروهين.. ويمكن صياغة ايجابية هذه المقاومة عن طريق نفيها: من دون طرد سوريا من لبنان لا يمكن اقتلاع تهديد »حزب الله«، ولن يحل الهدوء على الحدود الشمالية، ولن تخرج سوريا من لبنان من دون عنف، وفي ذلك منطق عملاني. اذاً، فلا بد من البحث عن مركز الثقل الذي سيقود تقويضه (في طهران، في دمشق، في بيروت) الى الحسم في الجبهة.. وهو اكثر من سياسي، وحتى اذا تبين ان دغان شريك لهذه المدرسة فإن ظهره، الذي يؤلمه، بحاجة الى ما لا يتوفر في القدس: اسناد صلب من رئيس الحكومة«!
* * *
لا احد يريد إفساد العرس بالاسئلة المقلقة..
لكن ما حدث في واشنطن »اجمل من ان يكون حقيقة«، لذا فلا من التدقيق في اسبابه وظروفه واستهدافاته.
والأمين العام لجامعة الدول العربية الدكتور عصمت عبد المجيد يؤكد »وجود اختلاف« بين ادارة كلينتون وبين نهج نتنياهو، تسبب بإلغاء زيارة رئيس الحكومة الاسرائيلية التي كانت مقررة الى واشنطن، قبل اسابيع قليلة.. وفي معلوماته ان ثمة شقاقاً او رهاناً على انشقاق في »اللوبي اليهودي الاميركي« حول نتنياهو وسياساته، وان هذا مما يساعد لبنان خاصة والعرب عموماً، و»لعل لبنان قد افاد من هذه الفرصة«.
لكن الامين العام يطرح بدوره الكثير من الاسئلة، ودائماً من باب »ليطمئن قلبي«، فالحدث كبير ونافر حتى ليكاد يبدو وكأنه يأتي »من خارج السياق«.
مع ذلك، فكل اللبنانيين يصلون ان يكون ما سمعوه من أرقام ومن أقوال حقيقياً، وأن يشهدوا ترجمة على الارض، وإن كان وضعهم الداخلي يجعلهم يترددون في الإيمان بكل هذه الحماسة الخارجية.

Exit mobile version