طلال سلمان

اسئلة عن احتلال ديموقراطية دين مقاومة طائف وموتمر حوار

يشهد القصر الجمهوري، اليوم، تلاقي »الإخوة الأعداء« من حول طاولة »الحوار الوطني« في جلسة جديدة ستنتهي بالإرجاء، المقرر سلفاً، إلى موعد مفتوح على موعد يتلوه موعد آخر بحيث لا تنقطع اللقاءات، ويستمر التلاقي في ظل غياب التفاهم على البديل… المستحيل!أبسط دليل على الاستحالة أن المؤتمرين سيستمعون، اليوم، إلى »أفكار« عن خطة دفاعية خارقة تستمد أصولها من التجربة السويسرية الفريدة في بابها، و»تتلاءم مع قدرات لبنان المالية والاقتصادية، خصوصاً أنه بعد اتفاق الطائف لم يعد هناك شيء اسمه المقاومة..«.يوحي هذا »الطرح« بأن ثمة أخطاء فادحة في التقويم الرسمي، إذ إن لبنان يحتفل كل عام ـ ولو من دون تعطيل الدوائر ـ بعيد التحرير، تكريماً للشهداء والمقاومين والصامدين والصابرين، الذين دفعوا من حياتهم وأرزاقهم ومستقبل أبنائهم ثمن طرد الاحتلال الإسرائيلي في 25 أيار ،2000 بقوة السلاح ووحدة الشعب وتكاتف أهل الحكم… وكان قد سبقه إنجاز تاريخي حين أجبرت المقاومة المجاهدة، ومن خلفها تضامن أهل الحكم والدعم المفتوح الذي وفرته القيادة السورية وبعض الأصدقاء الدوليين، مثل فرنسا، هو »تفاهم نيسان« 1996 الذي أقر فيه العالم كله، ممثلاً بالإدارة الأميركية والرئاسة الفرنسية، بحق المقاومة في لبنان في التصدي للاحتلال الإسرائيلي، وبالرد على اعتداءاته اليومية وقصفه المدنيين وتدمير بيوتهم، بقصف مستعمراته ووحوش المستعمرين فيها..رحم الله الرئيس الشهيد رفيق الحريري… وبالتأكيد فإنه ما كان ليسمح بمثل هذه الإساءة إلى تاريخ لبنان الوطني، وإلى شرف المقاومة، ممن يستثمرون جريمة اغتياله على مدار الساعة، وقد كان بيته محرماً عليهم.[ [ [يقودنا هذا الافتراء على المقاومة في لبنان ومحاولة النيل من صدق وطنيتها أو من شرف رسالتها، إلى استعراض فنون الحملات المحلية والعربية التي يتعرض لها أي جهد مقاوم في مختلف أرجاء الدنيا العربية، سواء أكان ضد الاحتلال الإسرائيلي، في فلسطين، أو ضد الاحتلال الأميركي، في العراق، على سبيل التحديد…. هل من الضروري التذكير بأنه لولا المقاومة لما كان في لبنان دولة، ولما كان ثمة حكم يتخذ طابع التوافق الوطني، ولما كان بالتالي »مؤتمر الحوار«؟!نفهم أن يكون حكام الظلام، عموماً، ضد المقاومة بأشكالها كافة… فهي تحمل الدليل ليس على إفلاسهم وتخاذلهم أمام قوى الاحتلال والهيمنة فحسب، بل على اضطهادهم لمن يحكمون من »الرعايا«.فالمبدأ أن المقاومة حق مطلق، ومشروع بطبيعة الحال، للاحتلال ومن يتعاون معه ويغطيه بمشروعية مزورة.ثم إن المقاومة تفضح الطبقة السياسية بأصنافها المختلفة:? من استظلوا شعار الديموقراطية لتبرير الاحتلال، ولتسفيه المقاومين الذين يقدمون دماءهم فداء للحرية، حرية الوطن والمواطن..? ومن حملوا الشعار الديني وذهبوا إلى المحتل ليبرروا احتلاله بدلا من أن يذهبوا إلى الجهاد ضده.? ومن حملوا الشعار الطائفي وذهبوا إلى الفتنة، بينما الاحتلال يمد ظله على الشعب جميعاً.? كذلك فالمقاومة تفضح من سخروا ثقافتهم ونهجهم الليبرالي وإيمانهم العظيم بالغرب، ولو محتلاً، وإعجابهم غير المحدود بالديموقراطية الإسرائيلية، مع إسقاط هويتها العنصرية ودمويتها تجاه شعب فلسطين، صاحب الأرض والحق بدولته عليها..ولعل »النقاش« الديموقراطي الذي انفتح بعد إقدام الصحافي العراقي الشاب منتظر الزيدي على رشق الرئيس الأميركي جورج بوش بحذائه، على دفعتين متتاليتين، يصلح نموذجاً على الضياع والتزوير والتجني والافتراء على الحق والحقيقة… وبالتالي على مبدأ المقاومة وفكرتها الأصلية.لقد رد كثير من الكتبة على هذه الفعلة بالاستنكار والاستفظاع، وجرّموا كل من نظر إليها كحركة اعتراض شخصية قام بها مواطن مقهور بالاحتلال وفظائعه التي لا تقع تحت حصر، على القائد الذي أمر باحتلال بلاده وتدمير حاضرها ومستقبلها.الحكم بالإعدام على منتظر الزيدي جاهز، والأحكام بالتحقير والتسخيف وامتهان كرامة الملايين ممن رأوا في هذا الاعتراض الفردي، ولو بالحذاء، ما يعبّر عن رفض الاحتلال ورئيس دولة الاحتلال.لم يتوقف أحد ليسأل: ماذا جاء يفعل جورج بوش في بغداد؟! هل جاء محاضراً عن حقوق الإنسان في »المنطقة الخضراء« المحرّمة على العراقيين والتي يعتصم فيها أهل السلطة ممن نصبهم الاحتلال حكاماً بأمره؟! هل جاء بقافلة مساعدات للشعب الذي جوّعه الاحتلال، والذي يملك أغنى أرض في الكون، ومع ذلك يعيش نصفه مشرداً في الداخل، وربعه مشرداً في الخارج، ويعيش من تبقى من خوف الموت في ظلال الموت؟هل جاء جورج بوش في بعثة تعليمية؟ هل جاءت به النخوة لمعالجة جراح عشرات الآلاف من ضحايا قذائف الاحتلال أو التفجيرات العشوائية التي توجه ـ برعاية الاحتلال ـ ضد المختلفين ديناً أو مذهباً أو توجهاً سياسياً؟!هل جاء لافتتاح المتحف الوطني بعد إعادة المنهوبات إليه؟هل جاء للاعتذار عن احتلال العراق بالمليون شهيد فيه وملايين المشردين وملايين الذين يموتون في قلب الرعب داخل مدنهم وقراهم؟هل جاء لتوطيد الوحدة الوطنية بين العرب والكرد وقد مزقها بتحريضه الكرد على الانفصال فاندفعوا يتخلصون من كل مختلف معهم وعنهم، فكانت المذابح ضد المسيحيين، أثوريين وكلداناً وسرياناً، وتحريض السنة ضد الشيعة لأنهم »إيرانيون«، والشيعة ضد السنة لأنهم »استقلاليون«؟أي منطق هذا الذي يبرّر محاربة الطغيان بالاحتلال، مع الوعي بأن الطغيان في النموذج العراقي كان من فتح الباب للاحتلال وتواطأ معه على شعبه وجيران بلاده الأقربين؟![ [ [من له حق محاسبة منتظر الزيدي؟!الساكت بل المتواطئ مع »الديموقراطية الإسرائيلية« على شعب فلسطين؟ أم المتواطئ مع المفرّط الفلسطيني، على الوطنية عموماً مع المحتل بذريعة الخوف من التطرف الديني، بينما هو ينفي عن إسرائيل طابعها كدولة عنصرية لليهود، بحيث يحاكم المقاتل من أجل وطنه بدينه، بينما يبرر الاحتلال بدين المحتل؟!كل أنواع المقاومة ملعونة، مشهّر بها، مطعون في وطنيتها، في ديموقراطيتها، في صلاحيتها للعصر… وكل أنواع الاحتلال لها ما يبررها: الطغيان، الدكتاتورية، اضهاد الإنسان في كرامته وحقوقه كإنسان؟!وصولاً إلى مطالبة العراقي بالتسليم بالاحتلال… ومطالبة الفلسطيني بأن يكون هو الأسير، المقتول، المنسوف بيته، الملغي تاريخه، المدمر حاضره، المضيّع مستقبله، وبأن يكون »حضارياً« في مواجهة المحتل فيتقبل الذبح والنسف واغتيال أبنائه أمام عينيه بغير أن يرفع صوته احتجاجاً، أو يرفع حذاءه ـ سلاحه الوحيد ـ ليرشق به الطاغية المحتل؟!هذا ينتهي بنا إلى تحريم الوطنية، والاعتراض على الاحتلال، ورفض مقاومة ظلم الحاكم المحلي المتواطئ على شعبه مع المحتل! وتبرير هيمنة المحتل الأميركي برموز محلية لا علاقة لها بنضالات شعبها من أجل الحرية والاستقلال.[ [ [مَن له الحق بمحاكمة منتظر الزيدي على »فعلته«؟!لقد تركز النقاش على الأسلوب لتمويه الهدف وتزويره. إذا أدين الأسلوب فإن الهدف المقصود خطأ! أي أن مقاومة الاحتلال خطأ لأنها من خارج الديموقراطية التي ـ في هذه الحالة ـ لا يمكن أن تكون إلا منحة من المحتل (في الضفة الغربية كما في العراق..).لو أن مواطناً أميركياً هو الذي رشق جورج بوش بحذائه لاعتبرنا أن الفعل ورد الفعل من ركائز الديموقراطية وحق الإنسان في أن يعبّر عن رأيه..أن يرشق عسكر جورج بوش العراقيين (أو يرشق أولمرت أو باراك أو ليفني الفلسطينيين، واللبنانيين من قبلهم) في قراهم ومدنهم بالصواريخ والقذائف، فهذا بين ركائز الديموقراطية في العالم الحر وبين أسس الليبرالية الجديدة.أما الجهاد باسم الدين فتطرف، وأما النضال باسم الوطن فشوفينية!وأن يأخذنا التعصب الطائفي إلى تنظيم اشتباك بين المسلمين لإدامة الاحتلال وإدانة المقاومة وتبرير الانحراف والتفريط، فهذا من الديموقراطية.إنهم يزعمون أن القومية خروج على الدين، أو أنها دعوة عفا عليها الزمن… وحين يلجأ الناس إلى الدين كسلاح يفصلون بين الدين والأرض فتذهب الأرض فدية لحوار الأديان، أما القومية فتصبح تمويهاً ذكياً لدبابات الاحتلال![ [ [جيد أن يتبرع بعض الذين كانوا حلفاء ميدانيين للاحتلال الإسرائيلي بوضع استراتيجية دفاعية، تزعم أن اتفاق الطائف الذي عقد في أواخر تشرين الأول 1989 قد أنجز التحرير، »ولم يعد هناك شيء اسمه المقاومة«!!… ومنتظر الزيدي لم يكن بطلاً، ولا هو أراد أن يكون رمزاً، ولكنه أصر ـ لعفويته ـ أن يكون حاضراً حفلة تتويج جورج بوش في بغداد بطلاً للديموقراطية ورمزاً لحقوق الإنسان.والحمد لله أن »الشيء الذي اسمه المقاومة« لم ينتظر طروحات بعض المشاركين في مؤتمر الحوار، وإن كانت »المقاومة« ذات فضل واضح وصريح على اتفاق الطائف بما هو ركيزة للتوافق الوطني بين »الشركاء« في الداخل، وعلى تحديد قاطع يميز بين العدو الذي تتوجب مقاومته، والصديق الذي لا بد من التفاهم والتعاون معه، والمشاركة معه في مؤتمر الحوار، ولو غضب كل الذين استفزهم منتظر الزيدي بهمجيته البعيدة عن التحضّر!

Exit mobile version