طلال سلمان

ازمة ونصائح واشنطن

ليس الرئيس إميل لحود بحاجة الى »النصائح« الأميركية »لاتباع الإجراءات الدستورية خلال تشكيل الحكومة الجديدة«.
فرئيس الجمهورية المؤتمن على الدستور لا يمكن أن يتصرف من خارج الدستور وخلافا لروحه أو لنصوصه المعبرة عن التوافق الوطني،… ثم انه غير مضطر الى مثل هذا التصرف غير المنطقي: إذ لا أحد ينازعه صلاحياته، كما أنه خارج دائرة الخصومات والمكايدات الشخصية، من دون أن يلغي هذا احتمال الاختلاف أو التعارض في وجهات النظر بينه وبين هذا السياسي أو ذاك..
إنه رئيس البلاد. لا هو رئيس حزب، أو زعيم تيار، أو قائد فريق. وبالتالي فهو ليس طرفاً لا بالخصومة ولا بالتحالف.
ومن حيث المبدأ فإن أحداً لا يسعى ولا يريد مخاصمة »الرئيس«، أو يسعى لتسجيل انتصار عليه، إلا إذا كان »مغامراً انتحارياً« وليس سياسياً محترفاً.
لقد وصل إميل لحود إلى الرئاسة بالإجماع، ومن تحفظ على انتخابه كان كمن يسجل موقفاً مبدئياً من »عسكرة السياسة« أكثر مما يعترض عليه كشخص، وعلى حقه »كمواطن« في أن يتسنّم سدة السلطة وفقاً للأصول الدستورية التي تجسد وتحمي النظام الديموقراطي.
على أن الحكم »محرقة«، لا سيما في بلد »استثنائي« المواصفات كلبنان، هذا في أحوال طبيعية، فكيف إذا كانت الأحوال استثنائية جدا، بكل المعايير وعلى مختلف الصعد: فالأزمة الاقتصادية خانقة، والضائقة المعيشية تعكس نفسها بحدة على الأوضاع الاجتماعية مستولدة ردود فعل عصبية وتوتراً شديداً وضيقاً يدفع بالكثيرين الى »الاستقالة من الوطن« والخروج من دائرة الفعل والهرب الى الخارج طلباً لفرصة عمل وبعض الهواء… للتنفس!
من هنا فإن الأزمة المعقدة والمتعددة الوجوه التي تعصف بالبلاد تفترض تكاتفاً وتضامناً وتجميعاً للصفوف على قاعدة العمل معاً والتعاون وتوظيف كل العقول والطاقات والأفكار والاجتهادات من أجل »خطة إنقاذ« وطنية شاملة.
لقد باتت الأزمة أخطر من أن يستطيع »معارض« توظيفها لمصلحته.
ومن باب أولى انها أكثر جدية من أن يستخدمها »حاكم« ضد من يصوِّر له أصحاب الغرض انهم »معارضون« له شخصياً، أو أن يستخدمها »معارض« أو »معارضون« يصوّر لهم الغرض ان علاجها لا يكون إلا من خلف ظهر »الحاكم« أو على »حسابه«.
ولا شك في أن »الانتخابات النظيفة«، وبرغم أنها ليست الحل، تساعد على العودة إلى لغة العقل والحسابات الباردة واعتراف الكل بالكل، وفتح الباب للتعاون من أجل حل الأزمة التي تهدد الوضع بمجمله، بكل مسؤوليه وقياداته في الحكم والمعارضة على حد سواء.
لا ينفع، هنا، توزيع المسؤوليات، وتحديد النسبة التي تعود إلى كل طرف، من الصح والغلط.. فالكل في نظر الناس خطاة، وليس بين من شارك في المسؤولية أمس واليوم، بريء.
المهم الإقرار بأن الإنقاذ يحتاج إلى الجميع، خصوصا أن تجربة الحكومة الأولى للعهد لم تحقق نجاحات باهرة، بل لعلها زادت بالنتيجة من تعقيد الأزمة، وذلك بشهادة معظم وزرائها… ناهيك بشبه الإجماع السياسي والشعبي على وصف تجربتها بأنها كانت مخيبة للآمال.
وإذا وضعنا المكابرة جانباً فإن »العهد« هو المتضرر الأول من بؤس هذه التجربة الحكومية التي لا ينفعها استخدام ما فعلته سابقاتها كعذر دائم لتبرير فشلها الصاعق.
حتى لو افترضنا، تجاوزاً، ان الكل متساو في التقصير وعدم النجاح، تبقى النتيجة هي هي: ان الأزمة أخطر من أن نتصدى لمواجهتها بانقسام ليس له ما يبرره إلا.. المزاج الشخصي!
والنصائح الأميركية غالية جدا، ولكن يستحسن أن نتصرف بما يجنّبنا تحمّل الضرر الناتج عنها، وأبسطه أن يصوّر أي حل مقبل وكأنه »صناعة أميركية«، واننا لولا واشنطن ما كنا لنهتدي!!

Exit mobile version