طلال سلمان

» ازمة دائرون في فراغ

لبنان مأزوم، لكن لا أحد من مسؤوليه أو قياداته يملك حلاً جديù.
والأزمات تبدأ بالسياسة وتعبر في الاقتصاد وتبلغ ذروتها على الصعيد الاجتماعي ثم ترتد سياسية، أو أنها تستعيد صورتها الكاملة سياسيù… وتغرق بالتالي في الفراغ!
لا الاقتصاد يعالج من خارج السياسة، ولا بالطبع الوضع الاجتماعي.
وعندما حاول العقل الاقتصادي للحكومة أن يعالج، بطريقته، اصطدم بالسياسة،
بالمقابل تتلاشى حملات المعارضات السياسية على الحكومة ورئيسها عندما ترتطم بالوضع الاقتصادي وبالمسألة الاجتماعية،
وفي ظل البطالة السياسية شبه المطلقة تلجأ الحكومة إلى »التشبيح« على المعارضات باسم قدراتها الاقتصادية الخارقة، التي عنوانها تثبيت سعر العملة الوطنية (؟)، واستقطاب ثقة المقرضين بدليل الاقبال على شراء سندات الخزينة بالدولار (؟!)..
وفي ظل غياب »البرنامج« المتكامل للمعارضات يجيء طعنها السياسي بالاجراءات الاقتصادية للحكومة بما في ذلك فرض المزيد من الضرائب والرسوم، صحيحù بالمبدأ ولكنه قاصر في طرحه لوسائل العلاج.
وهكذا تدور الأزمة بالمواطنين في الفراغ:
لا الحكومة تملك حلاً، ولا هي قادرة على اجتراح المعجزات التي كانت وعدت بها ذات يوم،
ولا المعارضات معنية بطرح مشاريع حلولها، ليس لمساعدة الحكومة، وإنما لإثبات عجزها كما لطمأنة الناس الى أن البديل جاهز ومؤهل وقادر.
وهكذا لا يبقى في الميدان إلا… الاتحاد العمالي العام،
لكن المسألة ليست نقابية، ولا يجوز بأي حال أن تُلقى على الكاهل الضعيف لهذه المؤسسة التي أفقدها تهاوي الأحزاب ذات البرامج، الكثير من تمثيليتها وقدرتها على التأثير بوصفها الناطق باسم الكتلة الكبرى من صغار الكسبة عمالاً وموظفين وأجراء وحرفيين.
ولا تكافؤ في القدرات بين الاتحاد العمالي العام، المحروم إلى حد كبير من الغطاء السياسي الضروري، برغم وجاهة مطالبه الحيوية وبين الحكومة المحصنة سياسيù والتي تملك منطقù اقتصاديù شكليù من الصعب رفضه: تريدون زيادة في الرواتب، وفِّروا لي زيادة في الواردات، ولا سبيل إلى إعطاء زيادة من دون توفير مورد يغطيها!
الحل خارج هذا الجدل العقيم،
والأزمة الاجتماعية أخطر من أن تعالج بالأسئلة المفحمة أو بالأجوبة التي يغطي النقص فيها حشد من رجال مكافحة الشغب؟!
الأزمة أكبر من الحكومة ومعارضيها على السواء،
والعجز ليس عذرù. كذلك فلا يتعلق الأمر بمباراة رياضية المهم فيها مَن يغلب مَن وبكم هدف.
الأزمة تلامس حدود مستقبل اللبنانيين: هل يستطيعون أن يعيشوا في بلادهم أم لا؟!
بصيغة أخرى: هل توفّر لهم بلادهم الحد الأدنى من حقوقهم في التعليم والاستشفاء والسكن وفرص العمل وبالتالي الدخل الحافظ للكرامة أم لا؟!
من السهل ادانة الحكومة بالتقصير،
وابسط من ذلك التشهير بسياساتها النقدية والمالية واجراءاتها الاقتصادية وغياب روح العدالة عن منطقها في فرض الضرائب والرسوم، بحيث »تساوي« بين غير المتساوين في دخولهم فإذا هي تظلم الاكثرية الساحقة مرتين: مرة بأنها تأخذ من الفقير اكثر مما تأخذ من الغني، ومرة اخرى بأنها لا تأخذ من الغني حقوق بلده عليه.
كذلك فليس اسهل من ادانة هذا الاندفاع الحكومي الاهوج في تشجيع الاستثمار، اي استثمار، وبصورة خاصة ذلك الذي يؤذي الناس والبلاد اذ يجيء بالقروش ليأخذ مقابلها الدولارات، مخلفù مزيدù من الاعباء على المواطن، لا سيما في مجال السكن… فمعظم الاستثمارات التي أُغري اصحابها حتى تكرموا بتوظيف النزر اليسير منها في لبنان تركزت في العقار، ما رفع اسعار الاراضي والشقق على اللبنانيين عمومù، وبالذات من متوسطي الدخل فما دون اي الاكثرية الساحقة.
لكن ذلك كله لا ينهي الازمة ولا يساعد في ايجاد الحلول لها،
لا بد من تحرك او تصرف او قرار في مستوى الازمة: لا بد من مبادرة استثنائية، قد تتخذ شكل المؤتمر الوطني، او ما شابه، من اجل حوار صريح يتجاوز الاشخاص والمناصب، ويتجاوز الاحقاد والنكايات ولعبة الكراسي، ليشخص الازمة بدقة ويضع برنامجù طويل الامد لعلاجها.
فالازمة، مرة اخرى، اكبر من الحكومة ومن معارضيها، واكبر من قدرات الاتحاد العمالي العام، واكبر بطبيعة الحال من الشرطة!
ولا بد من الاعداد لحل بحجم الازمة، وليس بحجم الاطراف السياسية المتصارعة على ارض تهتز وتكاد تميد بمن وما عليها.
اللهم الا اذا كان تضخيم الازمة خطة، مدروسة جيدù لتوظيفها في خدمة الاغراض الشخصية لهذا أو ذاك من المسؤولين، في سياق المعركة الرئاسية في تشرين الذي لناظره قريب،
عندها نكون امام أزمتين وليس ازمة واحدة: واحدة تحت والاخرى فوق، ويعلم ا” وحده ايهما الاخطر!

Exit mobile version