طلال سلمان

ازمات <الداخل> لبناني بين <دول> موسى وكوشنير

سيكتشف وزير الخارجية الفرنسية برنار كوشنير، أو لعله قد اكتشف فعلاً، أن التعامل مع المسألة اللبنانية ، بتفرعاتها الممتدة إلى أبعد عواصم الدنيا فضلاً عن أقربها، وتعقيداتها التي تخلط الدين بالسياسة، هو أصعب بما لا يقاس من التعامل مع النظام الفريد الذي أقامه العقيد معمر القذافي في ليبيا، والذي ضمن له أن يستمر وحيداً فوق قمته منذ 38 سنة متصلة… من الحروب على مختلف الجبهات، القريبة منها جداً والبعيدة جداً بحيث وصلت ذات يوم إلى الهنود الحمر .
في صفقة واحدة، لم تتطلب أكثر من رحلة رئاسية واحدة من باريس إلى سرت وهي العاصمة الرئاسية بدلاً من طرابلس الغرب، أمكن حسم مسألة غاية في التعقيد، ظاهرها إنساني وباطنها سياسي وحلها اقتصادي، و المحلّل الشرعي قضائي، وأبعادها امتدت إلى الشراكة مع الاتحاد الأوروبي بعنوان بلغاري… أما تسديد الفاتورة فقد تولته قطر، التي انتزعت لنفسها مقعداً في النادي الدولي!
وغداً، حين يجلس برنار كوشنير إلى العالم العلاّمة في الشجون العربية عمرو موسى لمناقشة الخلاصات اللبنانية التي انتهى إليها الأمين العام لجامعة الدول العربية، سيكتشف الوزير الذي جاء إلى الخارجية من العمل الإنساني (والصحي أساساً)، أن النوايا الحسنة لا تحمي الارتجال، وأن التبسيط في اقتراح الحلول يؤدي إلى مزيد من تعقيد الأزمة، وأن العلاقات العامة بالمجاملات فيها واللياقات والمآدب، وهي إحدى مهارات اللبنانيين قد تكون سبباً لسوء التقدير وبالتالي الانشغال عن جوهر الخلافات والضياع في تفاصيلها التي لا تكف عن التوالد.
الطوائف قارات، والمذاهب مجرات، والدستور من أدوات الزينة، والشرعية يمكن انتزاعها بانتحال الصفة إذا تأمّنت لها الحراسة الدولية المناسبة.
أما الديموقراطية فيمكن أن تكون مدخلاً إلى الحرب الأهلية، حتى ضمن الطائفة الواحدة، والمناطق مسوّرة بزنار من نار، من يحاول خرقها يصطدم بخط أحمر صاعق.
التوازنات الداخلية تعبير مباشر عن توافق إقليمي دولي، فإذا ما اختل هذا التوافق انحطمت التوازنات وتحولت المؤسسات الدستورية إلى هياكل مفرغة من أهلها كما من أي مضمون.
ثم إن الحضور العربي شرط سلامة لهذا الكيان، فإذا صار هذا الحضور رمزياً، لا هو قادر على التأثير بذاته، ولا هو مستقل عن الدول البعيدة وحروبها في الجوار القريب (العراق تحت الاحتلال الأميركي أساساً)، انقلب إلى غياب مفجع وألقى بظل ثقيل من السلبية على الوضع اللبناني المأزوم أصلاً، ممّا قد يتسبّب في تفجيره بدل أن يوفر المدخل الصحي للحل.
وأخيراً وليس آخراً فإن الحروب الإسرائيلية على لبنان لم تكن جملاً معترضة ، ومخطئ من يفترض أنه يمكن توفير حل للأزمة اللبنانية في ظل مقولة أن الخطر الإسرائيلي بات شيئاً من الماضي … وليس سراً أن الخلاف الداخلي ما كان ليبلغ هذا الحد من التوتر لولا الافتراق من حول الحرب الإسرائيلية على لبنان في العام الماضي، خصوصاً بعدما استخدمت الذريعة لطمس الخطط المعدة، وبعدما تجلى التحاق العرب بالموقف الأميركي الذي تولى عملياً، وعلناً إدارة الحرب، في حين اشتطت عواصم عربية نافذة إلى حد التشهير بالمقاومة، بينما النيران الإسرائيلية تلتهم البشر وأسباب العمران في لبنان، فوصفتها ب المغامرة ، مقدمة التبرير المفتقد لأبطال الحرب!
إن العناوين اللبنانية للأزمة تتضمن كل تلك الخلافات والمواقف المتعارضة، عربياً وإقليمياً ودولياً، من قضايا أساسية تقسم العرب عربين وتجعل الإسلام الرسمي إسلامين على الأقل، بينما أنواع أخرى من الإسلام السياسي (الأصولي) تلوح كمصادر خطر جدي وتستنفر القوى المختلفة لمواجهات متباينة في الشعار وفي التحالفات وفي السلاح.
ومؤكد أن كوشنير سيفيد كثيراً من خبرات عمرو موسى، وأن عمرو موسى سيحاول الإفادة من هذه الاندفاعة الفرنسية التي يخالطها بعض الارتجال والتي يربكها النقص في الدعم الأميركي.
في هذه الأثناء، وبانتظار تبلور صيغة الحل المنشود، سيتسلى اللبنانيون ببعض حروبهم الصغيرة بين الديموقراطية الطائفية والشرعية المذهبية ونصرة الماضي على المستقبل وسحق الدستور بقوة النفوذ الأجنبي.
لا يهم. فأرخص المنتجات اللبنانية هو الإنسان.. ثم الوقت!

Exit mobile version