طلال سلمان

ارهاب انتخاب

تعيش المنطقة العربية حالة فريدة في بابها يمكن أن يطلق عليها، تجاوزù، »حرب الانتخابات« أو »الانتخابات الحربية«،
لقد انتبه »الخلفاء« أخيرù إلى أن »البيعة« ضرورة للشرعية،
انتهى زمن »الحق الإلهي«، سواء أكان مستمدù من النسب، أم من التغيير بالسلاح والتحصن ب»الشرعية الثورية«.
صار الثوار حكامù، وغادروا »الثورة« بلا وداع، ثم خافوا من أن تظل في الشارع أو يظل الشارع نابضù براياتها وأفكارها وشعاراتها، فأغلقوا الشارع وفرضوا عليها الإقامة الجبرية وصنموها في المقابر والمتاحف، يذهبون إليها مرة في العام لوضع إكليل من الزهر على ضريحها المزار الفارغ، إلا من مخاوفهم من احتمالات تجددها وعودة الروح إليها أو عودتها إلى روح الناس.
في الجزائر، يأخذون الناس إلى انتخاب المقررة رئاسته باعتباره الخيار الوحيد المفتوح كبديل من الحرب الأهلية،
ويكون التصويت ب»نعم« للرئيس الفائز سلفù بمثابة الوجه الآخر للقول »لا« للاقتتال وحمام الدم المفتوح الذي يمكن أن يودي بالبلاد والعباد جميعù.
وفي مصر، تعتقل الشرطة المرشحين للانتخابات ويقدمون إلى محاكم عسكرية، مضمونة الولاء للحاكم، فتدينهم على أفكارهم وتسجنهم لتفتح طريق الفوز »ديموقراطيù« لمرشحي حزب الحاكم،
أما في فلسطين المحتلة، بعد، فيصبح الانتخاب بديلاً من »الوطن«، و»الدولة«، ويحل محل الهوية، فمن غاب عنه شطب كفلسطيني ومن حضر كان عليه أن يتنازل عن اعتراضاته ورفضه للاتفاق الذي ألغى الوطن وأضعف فكرة الدولة من غير أن يحقق موجبات الهوية الوطنية،
أما في العراق فالصورة أكثر كاريكاتورية، إذ إن الانتخاب قد سُخِّر فقط للقول إنه ليس بين الثمانية عشر مليون عراقي مَن هو مؤهل للعمل العام إلا شخص صدام حسين، ومَن قال لا فهو »خائن« و»كافر« و»أعمى البصيرة والبصر«،
أي انتخاب هو هذا؟!
إنه الإرهاب بالانتخاب، أو الانتخاب بالإرهاب،
ولعلها المنطقة الوحيدة في العالم التي يحقَّر فيها الانتخاب بحيث ينقلب ويسخَّر ضد معناه، كما نشهد حاليù في أكثر من قطر عربي.
كيف يكون انتخاب حيث لا اعتراف بالشعب، بالناس، بالمواطنين، بالناخبين؟!
الأصوات من دون أصحابها،
الأوراق هي المطلوبة لا الأفكار ولا المطامح، لا الأحلام ولا البرامج، لا الأحزاب ولا المؤسسات.
الأوراق. الأوراق. الأوراق.
الناس، الشعب، المواطنون ليسوا أكثر من أوراق تُعبأ في الصناديق بأي طريقة، ثم يقال: هذه هي إرادة الشعب التي هي من إرادة ا”!
والإرادتان خارج الصناديق،
مع ذلك تفرض »الواقعية« أن تعتبر ما يجري خطوة أولى على الطريق الطويل جدù نحو الديموقراطية،
ولنأمل أن تنجب الأوراق ناسù، بعدما قطَّعوا الناس إلى أوراق عليها رسوم تجريدية تختلط فيها الحيوانات بالجماد ويغيب عنها فقط… الناس!
يعيش الرئيس الورق، يا…

Exit mobile version