طلال سلمان

ارنون سلام اميركي للاحتلال الاسرائيلي

القضية الواحدة تصير قضايا عدة، ثم تتحوّل القضايا إلى أزمات والأزمات إلى مشكلات، وفي لحظة ما تغدو التفاصيل أهم من الأصل وتبتلع الجزئيات الصورة الكلية لأساس القضية التي يطويها النسيان!
الآن: أرنون!
كأنما لم يعد الاحتلال الإسرائيلي لعُشر مساحة لبنان قضية مطروحة على جدول أعمال أي طرف، الاحتلال بذاته كعدوان مباشر، كجريمة دولية، كاغتيال لوحدة التراب الوطني..
وإذا كانت استعادة أرنون من أسر الاحتلال باتت تستدعي التدخل المباشر، والمنفرد من قبل القطب الكوني الأعظم الولايات المتحدة الأميركية، فمَن ومتى وبأية شروط وضمن أية ظروف »مؤاتية« يمكن طرح أو إعادة طرح القضية الأصلية، أي الاحتلال الإسرائيلي لأكثر من ألف كيلومتر مربع من الأراضي اللبنانية، ولكامل السماء التي تظلّل لبنان ولمياهه الإقليمية جميعاً، إذا ما قرَّر أن يمنع حركة الأمواج فيها؟!
ومع التقدير للهمّة العالية للسفير الأميركي في بيروت، دايفيد ساترفيلد، وتبرّعه مشكوراً بالتوسط للبنان لدى إدارته في واشنطن، فإن هذا التحرك يزيد من الشكوك بدلاً من أن يسقطها، ويؤجج نار القلق بدلاً من أن يطفئها!
فهل المشكلة بين أهالي أرنون، برجالها المعتمرين الكوفية والعقال، ونسائها المتلفعات بالثياب الطويلة والمناديل البيضاء تغطي رؤوسهن، وأطفالها الذين لم يتعرّفوا على »باربي« الجميلة بعد، وبين الولايات المتحدة الأميركية بكل هيبتها وجبروتها وسيادتها على الكون؟!
هل يعقل أن تكون لأرنون كل هذه الخطورة، حتى تسقط أمام الأسلاك الإسرائيلية الشائكة التي تطوِّقها الآن، لجنة تفاهم نيسان، التي ما قامت أصلاً إلا لتمنع مثل هذه الاعتداءات الإسرائيلية على المدنيين في الأراضي اللبنانية المحررة، (وأرنون منها) مقابل ألا تتعرض المقاومة الباسلة للمنشآت المدنية داخل فلسطين المحتلة؟!
وهل يستطيع دايفيد ساترفيلد منفرداً أن ينجز ما عجزت عنه هذه اللجنة الخطيرة التي تضم إلى الولايات المتحدة الأميركية فرنسا وسوريا إضافة إلى الطرفين المباشرين: الضحية لبنان والمحتل الإسرائيلي؟!
لا مجال للخيال، ومن ثم للافتراض، أن توسيع الاحتلال يعني »التحرش« لمباشرة التفاوض حول الانسحاب الإسرائيلي من الأرض اللبنانية المحتلة!
لا اللحظة السياسية، إسرائيلياً، تسمح بمثل هذا الافتراض الساذج أو المفخّخ،
ولا طبيعة حكومة التطرف الإسرائيلي، وقد تعززت الآن بموشي أرينز، تتناسب مع حديث الانسحاب أصلاً،
ولا الإدارة الأميركية التي تعجز عن إلزام حكومة نتنياهو بتنفيذ الحد الأدنى من الأدنى من اتفاق »واي ريفر« الذي رعاه بيل كلينتون شخصياً، وسهر، وفرَض على الآخرين السهر حتى إنجازه، ليالي طويلة، يمكن أن تكون أقوى على إسرائيل في لبنان منها في فلسطين وسلطتها »المحمية« بالبيت الأبيض شخصياً..
مع ذلك لا نملك غير انتظار المستر ساترفيلد.
أما الأمل الحقيقي فينبع من هذا الأداء الرفيع المستوى، سياسياً وقتالياً، للمقاومة ولمجاهديها البواسل..
وأما لبنان، بشعبه وحكومته، المحاصر بالضغوط الأميركية من أجل »سلام إسرائيلي«، أو بالأحرى من أجل »السلام لإسرائيل« فيمكنه الصمود ومنع العدو من إحراز أي مكسب سياسي من توسيعه نطاق احتلاله، والاستمرار في »إحراج« الأشقاء العرب والأصدقاء في العالم، وبالاتكاء دائماً على وحدة المسار والمصير مع سوريا، التي عزَّز الصمود مكانتها ودورها، ومكَّنها من أن تكون طرفاً فاعلاً داخل لجنة تفاهم نيسان وخارجها.
وأرنون هي لبنان كله الآن،
والمهم ألا ننسى ما خلفها من أرض محتلة، ولا نتسامح مع احتلالها مجدداً بذريعة: وماذا لو »ضمَّت« إسرائيل قرية جديدة إلى نعيم احتلالها في الجنوب؟! هو الاحتلال، ولا تهم المساحة!! بل تهم، وتهم جداً!
إنها معركة لا يجوز أن نخسرها.
والمسؤولية أميركية، أولاً، بشهادة حركة ساترفيلد النشطة في بيروت ثم في واشنطن، وهي حركة أثارت من الريب والمخاوف أكثر ممّا وفّرت من أسباب الطمأنينة للبنان وعهده الجديد.

Exit mobile version