طلال سلمان

ارسال وفد إلى باريس لا يعني أن نتنياهو يريد صفقة

غزة – حلمي موسى

في اليوم الحادي والأربعين بعد المئة على العدوان، وكما في كل يوم، يحدونا أمل كبير بقرب انكسار العدوان وزوال الاحتلال.

***

بالرغم من التشكيك الواسع في نوايا رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو تجاه الهدنة وصفقة التبادل، إلا أن معلّقين إسرائيليين يعتقدون أن مجرد إرساله لوفد إلى باريس يُعد فرصة للتقدم في المفاوضات. وربما أن ذلك هو ما قاد كثيرين إلى المسارعة في إبداء قدر كبير من التفاؤل الحذر، خصوصا وأن الضغط الأميركي من أجل تمرير المرحلة الأولى من “مقترح باريس” كان واضحا.

ولكن استئناف المفاوضات يتزامن مع نشر وثيقة نتنياهو لـ “اليوم التالي” في غزة والتي “تبّشر” بإعادة احتلال القطاع إلى ما لا نهاية، في حين أن المقاومة الفلسطينية تتمسك بوقف إطلاق النار وانسحاب قوات الاحتلال من غزة كقاعدة ثابتة لأي تسوية.

إلى ذلك، يأمل الأميركيون في أنّ يؤثر التوصل إلى اتفاق في غزّة على حزب الله في لبنان، بما يدفعه يوقف إطلاق النار على الحدود اللبنانية الفلسطينية. وفي سيناريو متفائل، تفترض واشنطن أن يتم صياغة اتفاق يبعد رجال “قوة الرضوان” عن الحدود، ويعيد سكان مستوطنات الشمال الى بيوتهم. ولكن حزب الله يعلن دوما بأنه غير معني بأي ترتيبات جديدة قبل وقف إطلاق النار في قطاع غزة.

بالإضافة إلى ذلك، لا تثق إسرائيل بالوعود الأميركية بأنه سيكون من الممكن إبعاد “قوة الرضوان” عن الحدود من دون استخدام القوة.

والتوصل الى صفقة تبادل في الفترة القريبة هو واحد احتمالات ثلاثة بالنسبة لنتنياهو، أولها مبني على موافقة “حماس” على “تليين” عدد من طلباتها، علما أن أيّ اتفاق سيكون مرفقا بتنازلات غير بسيطة من جانب لإسرائيل، منها اطلاق سراح مئات المعتقلين الفلسطينيين “الذين لهم وزن ثقيل”، حتى بدءً من المرحلة الأولى على ما يبدو.

ويمكن لقرار مماثل أن يواجه بمعارضة من داخل الحكومة، كما دلّ إعلان وزير المالية بتسلئيل سموتريتش هذا الأسبوع في مقابلة إذاعية على أن “المخطوفين ليسوا الأولوية” (ثم عاد وحاول كالعادة القول بأنه تم اخراج أقواله عن السياق).

و الاحتمال الثاني هو استمرار إسرائيل القتال في شهر رمضان، الأمر الذي يمكن أن يشمل اجتياح جيش العدو لرفح، تعود إسرائيل بعدها الى طاولة المفاوضات، “جاهزة” لمناقشة “عقيدة بايدن”، وهي العملية الأميركية الشاملة وعنوانها “نظام إقليمي جديد”.

ولكن في هذا الاحتمال مقامرة كبرى، لا تأخذ في الحسبان تدهور كبير في الوضع الإقليمي بسبب احتلال رفح، الذي سيؤثر بالأساس على السكان المدنيين في القطاع.

أما السيناريو الثالث فيرسّخ أن ما كان هو ما سيكون: يستمر نتنياهو في تحدي الإدارة الأميركية، وإطلاق وعد النصر المطلق والتملّص من الدفع قدما بصفقة تبادل، وربما يُجبر قائمة “المعسكر الرسمي” على الانسحاب نهائيا من الائتلاف الحاكم، بما يبقيه مع الشركاء الحريديين وأحزاب اليمين المتطرف.

ومع ذلك، تقترح مصادر في الحكومة عدم استبعاد إمكانية أن يقرر نتنياهو في اللحظة الأخيرة إحداث مفاجأة، ويقوم بالانحراف يسارا. فالولايات المتحدة والسعودية تبذلان جهودا كبيرة للدفاع قدما بصفقة إقليمية، حيث يكون بالإمكان طرحها كدرة التاج للسياسة الخارجية لإدارة بايدن قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني المقبل.

في أي حال، وبحسب موقع “والا”، أبلغ نتنياهو أبلغ المجلس الوزاري المصغر قراره بإرسال وفد إلى باريس يهدف إلى “إعطاء فرصة للمفاوضات” بشأن إطلاق سراح الأسرى. وجاء ذلك بعدما أبدى الوزير اليمين المتطرف إيتمار بن غفير، خلال الاجتماع، معارضته لإرسال الوفد إلى باريس. كما أعرب الوزير المتطرف أيضا، بتسلئيل سموتريش عن “خشيته” من أن تكون نتيجة المفاوضات هي إبرام صفقة تقود إلى إنهاء الحرب والحيلولة دون القضاء على “حماس”.

وكان كابينت الحرب قد وافق على مغادرة وفد التفاوض الإسرائيلي الذي يضم كل من رئيس الموساد ديدي بارنيع، ورئيس الشاباك رونان بار، والجنرال نيتسان ألون، للمشاركة في مفاوضات باريس، وذلك بعدما أكّد بريت ماكغورك، كبير مستشاري الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارته الأخيرة للكيان، إنه تم إحراز تقدم في المفاوضات بين الوسطاء القطريين والمصريين وحماس بشأن صفقة رهائن محتملة، معتبرا أنه ينبغي بالتالي أن ترسل إسرائيل وفدها إلى محادثات باريس.

وأشار موقع “والا” إلى أن كابينت الحرب اتخذ قرار إرسال الوفد تحت ضغط أمريكي شديد، بالإضافة إلى ضغط داخلي من الوزراء يؤآف غالانت وبيني غانتس وغادي آيزنكوت، الذين يعتبرون أنه يجب إرسال فريق التفاوض إلى المحادثات، ومنحه تفويضًا لإجراء مفاوضات جادة، وليس للاستماع فحسب.

من جهة أخرى، ذكرت صحيفة “يديعوت أحرونوت” أن الوفد الإسرائيلي بدأ محادثاته في باريس، وأن أهالي الأسرى ينتظرون النتائج، مشيرة إلى كلام في إسرائيل عن «تفاؤل حذر» بنجاح المفاوضات هذه المرة، بما أن نتنياهو وافق على توسيع صلاحيات الوفد – بحيث يمكنه مناقشة تفاصيل صفقة إطلاق سراح الأسرى، وفق مقترح باريس الأصلي.

وأشارت الصحيفة إلى أنه على هامش الاجتماع، التقى رئيس الموساد ديدي بارنيع، بشكل منفصل، مع كل من رئيس وكالة المخابرات المركزية وليام بيرنز، ورئيس وزراء قطر محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، ورئيس المخابرات المصرية عباس كمال.

بالإضافة إلى ذلك، يفترض عقد لقاءات موسعة بمشاركة أعضاء الوفد الإسرائيلي الثلاثة مع ممثلي الدول الوسيطة الثلاث للاتفاق على الخطوط العريضة لأرضية المفاوضات، قبل الإعلان عن قاعدة إعادة إطلاقها وتوجيه نداء إلى “حماس” لاستئناف المفاوضات بين الطرفين.

وقال مصدر مطلع على التفاصيل لوكالة “رويترز” للأنباء أن “هناك مؤشرات أولية على التفاؤل بشأن القدرة على المضي قدما نحو بدء مفاوضات جادة”. ومعروف أن “حماس” أعادت التأكيد على مطلبها بأن يتضمن الاتفاق وقف الحرب وانسحاب القوات الإسرائيلية من القطاع- وهو الأمر الذي يرفضه العدو.

ومن غير الواضح حاليًا إلى متى ستستمر المفاوضات، والتي من الممكن أن تستمر أياما ولمجة أسبوعين. ويريد الأميركيون التوصل إلى اتفاق قبل شهر رمضان الذي يبدأ بعد أسبوعين. ويضغط الوسطاء من أجل التوصل إلى اتفاق لأنهم يدركون أنه يمكن أن ينعكس فوراً على التصعيد مع حزب الله.

ونقلت “يديعوت أحرونوت” عن مسؤولين إسرائيليين قولهم إنه “برغم التفاؤل، فإن العائلات التي مازال أبناؤها في غزة منذ 140 يوما، يجب ألا يتأملوا بأنه سيتم تنفيذ الصفقة صباح الغد”. وشدد المسؤولون على أن “إسرائيل تدخل في مفاوضات معقدة وصعبة، ويعتمد تقدمها كثيرًا على حماس” التي يتهمونها بأنها “تستمتع بخلق المعاناة والفوضى”.

وكان المراسل العسكري لصحيفة “هآرتس” عاموس هارئيل، قد كتب أن “اللقاء المخطط له هذه المرة مرفق بتوقعات أكثر تفاؤلا من اللقاءات السابقة. ولكن حتى الآن، من غير الواضح كم من هذا التفاؤل جاء من تقدم حقيقي نابع عن إغلاق الفجوة بين مواقف الطرفين، وكم منه ينبع من الادراك اليائس بأنه من دون تحقيق اختراق، فان مصير الأسرى الإسرائيليين في خطر (ربما أيضا مصير رفح، مع الفلسطينيين المليون وثلاثمئة ألف الذين تم حشرهم فيها).

واعتبر هارئيل أن الشخصية الرئيسية في المبادرة الجديدة هو رئيس الـمخابرات المركزية وليام بيرنز، “فالأميركيون يضغطون على مصر، وبشكل خاص على قطر، على أمل أن توجّه الدولتان تحذيرات متشددة لقيادة حماس في القطاع وفي قطر، من أجل تحقيق مرونة في مواقف الحركة”، معتبرا أن “الوسطاء يجدون صعوبة في هذه المرحلة في التوفيق بين الأصوات المختلفة داخل قيادة حماس”.

ولاحظ هارئيل أنه “في هذه الاثناء، تتحدث الإدارة الاميركية عن رئيس الحكومة نتنياهو بنبرة لم تُسمع في واشنطن حتى عندما صمم نتنياهو على القاء خطاب في الكونغرس في 2015 ضد الاتفاق النووي مع إيران، رغم أنف باراك أوباما الذي كان رئيسا وقتها”. مضيفا أن “بايدن، الذي كان حينها نائب أوباما، هو أكثر تعاطفا مع إسرائيل من سلفه الديموقراطي. ولكن يبدو بوضوح أن واشنطن قد فقدت آخر ما تبقى لها من صبر على مواقف نتنياهو وتصريحاته وألاعيبه. يبدو أيضا أن درجة الدعم لإسرائيل التي كان مستعدا لتوفيرها أمام المجتمع الدولي لفترة طويلة، غدت هذه المرة مشكوك فيها.”

وفي نظر هارئيل فان “الخطة التي تتم مناقشتها الآن تشبه، بمعان كثيرة، ما وافقت عليه إسرائيل (ثم تراجعت عنه) في باريس في منتصف شهر كانون الثاني الماضي. في المرحلة الأولى، يدور الحديث عن إطلاق سراح حوالي 35 مخطوف لأسباب “إنسانية” من نساء، ومسنين، ومرضى وجرحى، وربما أيضا المجندات، مقابل وقف إطلاق النار مدة 45 يوما، تضمن الهدوء في شهر رمضان.”

وفي المرحلة الثانية، يتم إطلاق سراح المخطوفين الآخرين، أي الجنود والرجال فوق الخمسين من العمر، وإعادة جثامين المخطوفين. وحتى الآن، أعلن الجيش الإسرائيلي بأن 32 من المخطوفين المحتجزين في القطاع وعددهم 134 مخطوفا، قد ماتوا؛ وهناك مخاوف على حياة عدد آخر منهم، بعضهم لأنه لم تصدر أي إشارة تدل على بقائهم على قيد الحياة منذ 7 أكتوبر؛ وآخرون بسبب تردي أوضاعهم الصحية.

ويمكن أن تشهد المرحلة الثانية، كما يبدو، انهاء القتال والانسحاب الكامل لقوات الجيش الإسرائيلي من قطاع غزة.

إلا أن سلوك نتنياهو منذ بداية الحرب، وأداء وزراء حكومته المتطرفين، تدفع إلى التشاؤم في إمكانية التوصل إلى أي اتفاق مجد وطويل الأمد.

Exit mobile version