طلال سلمان

احتلال عراق هدف اميركي اول لحرب اسرائيلية

مع الطلقات الأخيرة على »تكريت« المعلنة انتصار العدوان الأميركي على العراق بهزيمة ساحقة ومفجعة لنظام صدام حسين، كشفت الإدارة الأميركية أن »جولة أولى« فحسب على وشك أن تنتهي، محددة هدفاً جديداً لحرب مفتوحة تتبلور شيئاً فشيئاً طبيعتها الإسرائيلية، ويتأكد بالملموس أن العرب كلهم في موقع »العدو« فيها.
لقد تناوب أركان الإدارة الأميركية، أمس، على إطلاق حملة شعواء من التهديدات المباشرة ضد سوريا، مستخدمين فيها الكثير من المفردات التي حاولوا أن يبرّروا بها عدوانهم على العراق، وحرائقه لمّا تزل تلتهم المؤسسات المدنية والمتاحف، وضحاياه يتساقطون بعد على امتداد أرض الرافدين.
ليست هي المرة الأولى، ولكن لائحة الاتهام، أمس، كانت الأكثف والأعنف والأشمل ضد سوريا بحيث امتدت من »إيواء الهاربين من أركان النظام العراقي« إلى »السماح للمتطوعين بعبور حدودها إلى العراق«، إلى »إيواء إرهابيين« أي المنظمات الفلسطينية القائلة بالكفاح المسلح في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي إلى دعم »حزب الله« وصولاً إلى »احتلال لبنان«…
على أن أكثر ما يلفت هو تركيز الرئيس الأميركي جورج و. بوش شخصياً، بعد وزير حربه دونالد رامسفيلد، على »امتلاك سوريا أسلحة كيماوية«، وسعيها إلى »تطوير أسلحة دمار شامل«، ومثل هذه التهم كانت بين التبريرات التي أفادت منها الإدارة الأميركية في استقطاب تأييد دولي ضد نظام صدام حسين بحجة »قانونية« سرعان ما حوّلها مجلس الأمن إلى قرارات بحصار التجويع والتفتيش المستمر، في انتظار جهوز القوات العسكرية لمباشرة هجومها المدمر تدميراً شاملاً.
وباعتبار أنه لم يعد سراً أن وزارة الحرب الأميركية تكاد تكون »غرفة عمليات« إسرائيلية، في خططها وتكتيكاتها لتدمير ما تبقى من أسباب القوة لدى العرب، كل العرب،
وباعتبار أن هذه الإدارة الأميركية لم تعد معنية بتأكيد التمايز، أو اختلاف الهدف، بينها وبين حكومة السفاح أرييل شارون،
… فمن السهل الاستنتاج أن العراق لم يكن الهدف الأوحد، بل لعله كان الهدف الأول، خصوصاً أن نظام صدام حسين كان »نموذجياً« في استعدائه الشقيق قبل الخصم، وفي استهانته بالعدو وعدم احترامه الصديق، ممّا يمكّن من بناء تحالف واسع ضده، و»يبرّر« لكثير من المسؤولين العرب مطالبته بالتنحي وإلا فخلعه بالقوة، تسديداً لحسابات سابقة، مع إمكان تسويق هذه المطالبة بأنها »تحقق مطلب الشعب العراقي في التخلص من نظامه الدكتاتوري الظالم«!
أما وقد سقط هذا النظام بالضربة القاضية، وبكلفة محدودة، سياسيا واقتصاديا وعسكريا، فيمكن الانتقال مباشرة وبغير تأخير الى الهدف الأصلي: تدمير آخر ما تبقى من أسباب القوة العربية، تمهيدا لفرض الاستسلام الكامل على العرب وضرب آخر قلاع صمودهم في مواجهة المشروع الإسرائيلي المتماهي الآن كليا مع مشروع الهيمنة الأميركية المطلقة على الإرادة العربية والأرض العربية وثرواتها الوفيرة.
في هذا السياق، يمكن فهم هذا التركيز المكثف في التهديدات الأميركية على سوريا.
إن إسرائيل تحتفل »بانتصارها« في العراق. وهي لا تخفي أنها كانت »شريكة« ميدانيا، ولا أنها ستحصد الكثير من »الجوائز« الباهرة، ليس أقلها ما جرت به بعض ألسنة بعض »قادة المعارضة العراقية« العائدين على ظهور الدبابات الأميركية، من أنهم إذا ما تولوا الحكم فلسوف يكون الاعتراف بإسرائيل وعقد الصلح معها بين قراراتهم »التاريخية« الأولى.
***
إذاً، فهي حرب على العرب جميعا، وليست عدوانا على العراق باسم الديموقراطية ولإسقاط نظام صدام حسين الدكتاتوري.
لقد سقطت ذرائع العدوان مع احتلاله لكامل الأرض العراقية، ولم يكن صدام حسين بنظامه المهزوم من داخله إلا ذريعة، كما أن أسلحة الدمار الشامل لم تكن أكثر من »فزاعة« تفيد في استقطاب تأييد دولي ضد النظام صاحب السوابق، الخارج على الإرادة الدولية، مستعدي جيرانه عربا وعجما بحروب متواصلة أنهكت هذه الدولة العربية القوية، واستهلكت طاقة هذا الشعب العظيم ومقدراته، حتى قهرته بهزيمة بشعة لا تتسق مع تضحياته الهائلة لبناء »عراق قوي« يكون قلعة للصمود العربي.
إذاً، فهي حرب من طبيعة إسرائيلية على العرب جميعا، من توهم من مسؤوليهم أنه »حليف« أو أنه »صديق«، ومن افترض أنه قد اشترى أمنه أو سلامته بالتواطؤ على أخيه، فقدم الأرض قاعدة ومنطلقا للعدوان، وقدم المال مددا، وكاد يقوم بدور الدليل (فضلا عن المحرض)…
إنها حرب إسرائيلية بعنوان أميركي، التهمت نيرانها أو تكاد أسباب الاستقرار والاطمئنان في المملكة العربية السعودية، فضلا عن أنها قد استنزفتها في اقتصادها وفي سمعتها وشطبت دورها العربي والإسلامي بعدما شغلتها بنفسها ووُضعت في قفص الاتهام بأنها »حاضنة الإرهاب الدولي«.
ثم إنها حرب على مصر التي شُطبت تماما وعوملت بكثير من الامتهان!
وهي حرب إسرائيلية بعنوان أميركي ليس فيها لأقطار الخليج إلا موقع قواعد انطلاق الجيوش والقلاع الطائرة لضرب »أهلهم«، بما يؤسس لمزيد من الأحقاد وأسباب الكراهية التي توسع المساحة للاحتلال وتبرره.
ليس من عربي »منتصر« أو يستطيع الادعاء أنه »شريك« في النصر ولو بمرتبة التابع.
ان العرب جميعاً مهزومون، يستوى في ذلك من كانوا يرون في صدام حسين »بطلهم القومي« ثم عادوا فرأوا فيه »الغازي« و»المحتل« ومهدد كياناتهم، فضلاً عن كونه »الدكتاتور الدموي سفاح العراق«، أو من كانوا يتعاملون بكثير من الريبة والشك مع مغامراته المتوالية، بغير ان يعاقبوا شعب العراق بمقاطعته لأنه لا يخلع »الطاغية«!
إن العرب جميعاً مهزومون.
والحرب الأميركية الإسرائيلية في بداياتها بعد، لم تنته مع سقوط صدام حسين، ولا يلخص صدام حسين أهدافها، وان كان وفر »الذريعة«، بداية، ثم »الزهو بالانجاز« السهل: احتلال العراق العظيم بمئة قتيل أميركي وعشرين قتيلا بريطانيا، وبضع مئات من الجرحى… ما ارخص هذه الهزيمة!
ان لائحة الاتهام الأميركية (الإسرائيلية) تركز على سوريا ليس فقط لأنها الأقرب، بل لأنها اتخذت الموقف الطبيعي فجهرت بمعارضتها للعدوان، وبوقوفها الى جانب شعب العراق… وكان في طليعة الأسباب لهذا الموقف فضلاً عن موجبات الأخوة والتضامن ومعها: الدفاع عن الذات… فاحتلال العراق كأنه احتلال الأرض العربية جميعاً، ولن يعوض المبتهجون الآن بنصر ليس لهم خسارة العرب عراقهم العظيم!
ملاحظة: يقول المرشح الأميركي لأن يكون حاكم العراق، وهو صهيوني معروف وصديق حميم لأبشع العنصريين من الصهاينة، الجنرال غاردنر: »لا أدري كم من الأجيال سيستغرق اقامة حكومة حرة في العراق«!
ان الاحتلال قد جاء ليبقى، وليس لتحرير العراق من نظامه الظالم، ولاقامة ديموقراطية يستحقها شعب العراق العظيم.
ملاحظة ثانية: مع بسط الاحتلال قواته فوق وجه العراق، سقطت سهواً خريطة الطريق الى الدولة الفلسطينية، وبات بوسع أرييل شارون ان يلغيها ليس فقط بممارساته على الأرض بل أيضاً بتماهي خططه مع خطط الاحتلال الأميركي.
(على الهامش: خفضت إسرائيل مستوى الاستنفار في جيشها، وصرفت قوات الاحتياط، فقد بات لها على بعد ذراع جيش إضافي من ثلاثمئة ألف مقاتل هو الأقوى والأعظم تجهيزاً وقوة نيران، على مستوى الكون!!).
وباختصار، فإن التهديدات الرئاسية الأميركية الموجهة الى سوريا لا تفعل إلا توكيد الهوية الإسرائيلية لمشروع الهيمنة الأميركية على المنطقة، والتي شكل العراق المنطلق ونقطة الوثوب المناسبة ليس إلا…

Exit mobile version