طلال سلمان

ابعد من قمة روحية وبركاتها

لا يملك الموقرون الذين فتح لهم الرئيس ميشال سليمان أبواب القصر الجمهوري ليعقدوا فيه قمتهم الروحية إلا التبريك والدعوات الصالحات وتوجيه النداء إلى من بأيديهم <القرار> أن يجتمعوا ويتحاوروا ويتجاوزوا خلافاتهم، السياسية بداية وانتهاء حتى وإن أُعطيت أو أُلبست أثواب الصراع الطائفي أو المذهبي.
ومع التقدير لمكانة أصحاب الغبطة والسماحة والسيادة، ولدورهم المرجعي في المجتمع، فمن الظلم مطالبتهم بقرار لا يملكون الحق في حسمه، لأنه خارج عن دائرة سلطتهم الروحية، كما أنه يتجاوز نطاق تأثيرهم الفعلي.
على هذا فإن القمة الروحية قد أكدت ما هو مؤكد من إجماع وطني (عربي ـ إقليمي ـ دولي) حول شخص <الرئيس>، ثم انفضت وقد بقيت الأزمة السياسية على حالها من التعقيد. بل إن رئيس الحكومة المكلف قد خرج من الغداء المبارك ليعيد التأكيد على المواقف السابقة، مواقفه ومن معه، وبالاستطراد مواقف معارضيه ومن معهم، متجاوزاً الدلالات المعنوية للقمة الروحية إلى التشديد على فداحة الاختلاف بين القوى السياسية المعنية..
لم يتوقف المواطنون كثيراً أمام أخبار الإعداد للقمة الروحية ولا أمام المداولات التي سبقتها لتأمين انعقادها وضمان عدم تفجرها من الداخل، ثم للتوافق على بيان التبريكات والنصائح الذي صدر في ختامها.
كان المواطنون، قبل هذه القمة، وما زالوا بعدها مشغولي البال بالأخطر والأمرّ والأدهى: الأزمة السياسية التي تزداد تعقيداً كل يوم، ولا تلوح في الأفق أية بشائر بقرب انفراجها، بينما تداعياتها تعصف بالبلاد منذرة بالويل عبر التفجرات أو التفجيرات النقالة من منطقة إلى أخرى، والتي ما إن تهدأ هنا حتى تطل بنارها من هناك، في امتحان يومي لقدرة الجيش ليس على إطفاء حرائقها النقالة فحسب، بل أساساً على حماية دوره الوحدوي وتماسكه الوطني كركيزة أساسية لاستمرارية الدولة ومؤسساتها الواحدة الموحِّدة.
الآن يمكن القول بغير خوف من الشطط أو الزلل إن المبادرة العربية التي تولتها قطر قد أنجزت بنداً واحداً من بنود سلة متكاملة تشكل ـ مجتمعة ـ الحل المنشود. والبند الواحد ليس حلاً، بل قد يغدو، إذا لم يتم تنفيذ البنود الأخرى <مشكلة> إضافية تزيد من تعقيد الأزمة ومن خطورة تفجرها.
ثم إن هذا البند كان مطروحاً قبل الدوحة، ولم يؤخذ به لأن المعنيين جميعاً قد أدركوا أن إقراره هو مدخل إلى حل شامل للأزمة، لكنه بذاته ليس الحل.
إن نصف الحقيقة نقيضها، والحل المجتزأ أقصر طريق إلى التفجير.
وواضح الآن أننا قد عدنا إلى المربع الأول، برغم ابتسامات التفاؤل وقبلات التهاني التي عاد بها المختلفون من الدوحة، وبرغم التعهدات التي مهّدت لانعقاده ومنعت تفجره في اللحظة الأخيرة.
عاد التساؤل عن أدوار <الدول> القريبة والبعيدة التي لم تتبدل مواقفها المبنية على قراءاتها المختلفة لمصالحها في لبنان ومن حوله… فالمتخاصمون ما زالوا على خصامهم، وعادوا إلى مواقعهم المتواجهة وكأن انتخاب الرئيس <جملة معترضة> لا تؤثر في السياق، لأن المشكلة الفعلية هي في وجهة الحكم (مجتمعاً) في اللحظة الراهنة كما بعد الانتخابات النيابية المقبلة ـ بعد سنة ـ والمؤهلة لأن تعطي <العهد الجديد> ملامحه الفعلية، أي وجهته بل هويته السياسية الكاملة.
وتأكد ما لم يكن اللبنانيون بحاجة إلى من يقنعهم بأنه مؤكد، من أن الأزمة في وطنهم الصغير هي في جوهرها الفعلي تتصل بما يخطط أو يدبر أو يعد لهذا المشرق العربي، إن لم يكن للعرب جميعاً، في غياب أهله أو عبر قصورهم أو غفلتهم أو عجزهم عن حماية الذات.
إننا بصدد <الحكومة الدولية> في لبنان..
ومثل هذه <الحكومة> التي لا تستولدها الأدعية والتبريكات تنتظر توافقاً بالحرب، سياسياً كما نشهد حالياً مع فواصل أمنية موجعة تحمل إنذارات بالأمرّ والأدهى إن لم يفهم المعنيون دلالاتها الواضحة.
ولعل بركات القمة الروحية تمنع مثل هذه الحرب التي يمتلئ الأفق بنذرها.
<بارك يا سيد>… و<اللهم إننا لا نسألك رد القضاء بل اللطف فيه>، و<على الله فليتوكل المتوكلون>. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

Exit mobile version