تبدو إسرائيل مترفة بانتصاراتها بحيث تكاد تتحوّل معركتها الانتخابية »الحاسمة« إلى ما يشبه »المباراة الرياضية«، أو مسابقة انتخاب ملكة جمال الشاطئ!
هل أنت بيريزي أم أنت نتنياهوي؟!
هل أنت مع العجوز المحنك والحكيم أم أنت مع القائد الشاب الشجاع والوسيم؟!
وبينما يسهر الخلق في انتظار مزاج الناخب الإسرائيلي وكلمته الأخيرة، مفترضين أنها قد تقرّر مصائر شعوب ومناطق عديدة، يتسلى هذا الناخب الفذ بلعبة استطلاعات الرأي، وكأنها »الآتاري«، تاركù القلقين يغوصون في قلقهم ويتصاغرون وهم يتنازلون له عن زمام حاضرهم ومستقبلهم!
المعادلة صحيحة: فإذا ما بات اطمئنان الإسرائيلي إلى يومه وغده مطلقù توجب على »العربي« أن يستوطن الكابوس.
وعلى خطورة ما قد يترتب على الانتخابات الإسرائيلية من نتائج، فإنها داخل إسرائيل تبدو »معركة شخصية« إلى حد كبير، تطغى فيها الصفات الشخصية للمتنافسين على الشعار السياسي ناهيك بالموقف الإيديولوجي!
لكأن »المجتمع الإسرائيلي« المطمئن الآن إلى تفوقه، اقتصاديù وعسكريù وسياسيù، على مجموع »أعدائه« السابقين، يقترب أكثر فأكثر من »المجتمع الأميركي« ويكاد يتطابق معه في نظرته المتعالية إلى العالم كله، ويكاد يتماثل معه في ممارسته الانتخابية (بعيدù عن ضوضاء الانقسام العقائدي..).
لكأن »الليكود« هو »الديموقراطيون« وحزب العمل »الجمهوريون«، أو بالعكس، يتوزعون الأصوات بكتلتها العظمى مناصفة، بينما الأصوات الحائرة (والحاسمة؟!) تستقطبها ابتسامة هذا المرشح ووسامته أو التسريحة المبتكرة لزوجة المرشح المنافس!
على أن الإسرائيليين المنقسمين في مواقفهم من المرشحين لقيادتهم في السنوات الأربع المقبلة، يظلون جميعù إسرائيليين وتظل إسرائيلهم واحدة.
يغيِّر الكثير من العرب مواقفهم ويبدّلون مواقعهم ويجيئون إلى التوقيع صاغرين فلا تغمد إسرائيل سيوفها ولا تسحب لغة الحرب من تداولها اليومي ولا يهدي حكامها الخناجر »لأصدقائهم« الجدد من سلاطين العرب الذين لم يذهبوا مرة إلى الحرب إلا ضد شعوبهم!
للمثال ليس إلا: كان الإسرائيليون خلال الحرب على لبنان، في الشهر الماضي، واحدù موحدù، برغم انقسامهم »العاطفي« بيريزيين ونتنياهويين!
ففي استطلاعات الرأي ذاتها قالت أكثريتهم الساحقة »نعم« للحرب، لا فرق بين المعارض والموالي، بين القاعد في دست الحكم والمتطلع للوصول إليه.
للمثال أيضù: لم يعترض الإسرائيليون بمجموعهم على محاصرة »شركائهم« الفلسطينيين وتجويعهم وتحويل »مناطقهم« الى معتقلات جماعية، ولم ينقسموا حول هذا الأمر، وإن تمايز بعضهم فلأنه طالب بمزيد من الشدة!
ومن باب المفارقة، لا المثال:
ما إن تغمز واشنطن مسؤولاً عربيù حتى يخرج من عروبته ومن أبسط التزاماته تجاه شعبه ويهرول فلا يتوقف إلا في تل أبيب،
بالمقابل، وبرغم أن الادارة الأميركية بقيادة بيل كلينتون قد أغدقت على شمعون بيريز المساعدات حتى كادت تحرجه، فإن بيريز لم يخرج من إسرائيليته ولا قفز نتنياهو مستفزù فجاهر بالعداء لواشنطن!
وبنظرة متعمقة يبدو »الخصمان« متعاونين تمامù على دمغ الادارة الأميركية بالطابع الإسرائيلي… ولا ضير في أن يمتد الانقسام إليها فيغدو بعضها »ليكوديù« ويظل بعضها الآخر »معتدلاً« وعلى إخلاصه لحزب العمل.. الاشتراكي!
المشكلة غدù، وعلى الصعيد العربي، إذا ما نجح نتنياهو!
فلقد انغمس المهرولون، بغير تحفظ، في معركة بيريز بحيث يتعذر عليهم، غدù، أن ينظروا لنتنياهو، خجلاً من انحيازهم الفاضح!
ولعل هؤلاء يمضون ليلهم في الدعاء، ويوقدون الشموع، ويدفعون النذور حتى لا يفشل رهانهم ويخرجون من المباراة الإسرائيلية بسواد الوجه وسوء العاقبة…
اللهم إلا إذا كان نتنياهو ممن يتمثلون بالقول المأثور: الكريم من عذر!