طلال سلمان

إسرائيل والحرب على لبنان: تهديد أم تهويل؟

غزة ـ حلمي موسى

اليوم الثالث بعد المئة، والأمل يحدونا كل يوم، ويقوى يوما بعد يوم، بقرب انفراج الغمّة، وبتحقيق النصر لشعبنا وحقوقه الأساسيّة.

**

أعلن وزير الحرب الإسرائيلي يؤآف غالانت، أمس الأول، انتهاء العملية البريّة في شمالي غزة، وقرب انتهائها في المنطقة الجنوبية.

وأوحى هذا الإعلان بأن القيادة العسكرية الإسرائيلية قد أنجزت مهمتها في غزّة، أو تكاد. غير أنّ إطلاق رشقة صواريخ، تقدر بخمسين صاروخا، نحو غلاف غزة من المنطقة الوسطى التي مازال الجيش الإسرائيلي يعمل فيها، فاجأ عددا كبيرا من المعلقين العسكريين، وجعل إعلان غالانت موضع سخرية.

فإخراج الفرقة 36، التي تضم خمسة ألوية عسكرية متخصصة، من القطاع، لم يؤشّر أبدا إلى “انجاز المهمة” بقدر ما بدا أنّه يلبي احتياجات داخلية إسرائيلية، وأخرى سياسية دولية. وبرغم محاولات كثيرة للإيحاء بأن سحب هذه الفرقة يهدف لإحيائها وتأهيلها لخوض معركة أخرى لاحقا، في لبنان ربما، إلا أن الخطوة لم تعجب كثيرين، رأوا فيها دليل ضعف وتخبط.

وقد حاول المعلق العسكري لصحيفة “يديعوت أحرونونت”، رون بن يشاي، ربط الخيوط بين الادعاء بأن سحب الفرقة 36 يشكل نوعا من إشهار بطاقة حمراء في وجه “حزب الله” والوسطاء الأميركيين والفرنسيين الساعين لتسوية سياسية عند الحدود اللبنانية، وبين ما نشرته وسائل الإعلام الإسرائيلية عن رسائل تهديد إسرائيلية للبنان أرسلتها عبر الوسيط الأميركي هوكشتاين مفادها أن صبر إسرائيل يوشك على النفاذ.

وكانت الملاحظة الأولى لبن يشاي هي أن رشقة الصواريخ التي انطلقت من غزة الى نتيفوت تستدعي بحدّ ذاتها إعادة النظر في سحب الفرقة 36 من القطاع.

وكتب أن وابل الصواريخ الذي أطلق أمس الثلاثاء على كل من نتيفوت وأوفاكيم، “يتطلب إعادة النظر في قرار الجيش الإسرائيلي بسحب الفرقة 36 من معسكرات المنطقة الوسطى في قطاع غزة، وإنهاء العملية البرية على المنطقة بشكل أو بآخر. إن إطلاق حوالي 50 صاروخاً، برغم أنها قصيرة المدى نسبياً، يتطلب ثلاث أو أربع منصات إطلاق على الأقل، ويجب أن يتم بطريقة منسقة من موقع قيادة وسيطرة مركزية من قبل قادة كبار على المستوى المحلي. وعادة ما تنتج إشارات أولية على استخبارات الجيش الإسرائيلي أن تلتقطها بعد تواجدها في الميدان، وقامت بنشاط مكثف هناك”.

يضيف بن يشاي أنه “وطالما أن مواقع الإطلاق والقيادة والسيطرة هذه مازالت موجودة ونشطة، فإن ذلك يعني أن السيطرة العملياتية على القطاع وتفكيك البنية التحتية لحماس، التي تمكن سكان غلاف غزة من العيش بأسلوب حياة آمن نسبيًا، لم تكتمل بعد.. كما لن يتمكن سكان النقب الغربي من العودة إلى منازلهم ما دامت هذه الإمكانيات موجودة. يجب علينا أن ندرس على الأقل إمكانية أن يكون تفكيك البنية التحتية للإنتاج الذي تم تنفيذه بالفعل في منطقة معسكرات البريج والنصيرات والمغازي، لم يكتمل تماما، وهناك حاجة إلى تعميق الإنجاز العملياتي”.

وقد أثار الأمر ردود فعل شديدة داخل الكابينت السياسي الأمني الموسع، ودفع وزيران عضوان في هذه الهيئة على الاقل لانتقاد الجيش علنا. والوزيران هما جدعون ساعر من “المعسكر الرسمي”، وبن غفير من “القوة اليهودية”. وقد حمل الاثنان على الجيش وأوحى عسكريون بأن قرار سحب الفرقة 36 هو في الأصل قرار سياسي.

ويشهد هذا الانتقاد مجددا على التخبط والخلاف داخل الجيش وداخل القيادة السياسية.

في جميع الأحوال، من الجلي أن هناك نوعا من الربط بين سحب الفرقة 36 من غزة وبين التهديدات للبنان.

واعتبر المحلل العسكري لصحيفة “معاريف” تال ليف رام أنّه “حتى عندما لا تكون إسرائيل مهتمة بحرب مع حزب الله، فمن المتوقع أن تزيد كثافة العمليات ضده، وربما أيضاً إلى مناطق لا تقع في جنوب لبنان فقط. وتعتقد إسرائيل أن انسحاب جزء كبير من القوات من غزة بغية التدريب بات يوفر للجيش مرونة أكبر في القرار الذي ربما يؤدي إلى صراع أكثر كثافة، ربما يصل إلى حد الحرب أيضا، على الحدود الشمالية.”

وتحدث بن يشاي في مقالته عن عودة المستوطنين إلى شمالي فلسطين المحتلة، موضحا أنّ “العودة إلى المستوطنات، على وجه التحديد، كلها أو جزء منها، لن يكون ممكناً إلا عندما يتم إبعاد حزب الله عن السياج. عندها سيكون من الممكن الحفاظ على روتين الحياة والعمل الزراعي بأمان من دون الخوف من الصواريخ المضادة للدبابات، أو الصواريخ، أو قذائف الهاون أو الخلايا التي ستحاول التسلل”.

وبحسب كلامه، فإن هذا ما يعد بتحقيقه كل من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ووزير الحرب غالانت. لكنهما، في نظره، “في الوقت الحالي، يعطيان فرصة للجهود الدبلوماسية التي يمارسها الأميركيون من خلال آاموس هوكشتاين، مبعوث الرئيس جو بايدن، للتوصل إلى تسوية سياسية في جنوبي لبنان.”

 وكان هوكشتاين قد زار بيروت في نهاية الأسبوع الماضي. ونقل الكاتب عن “صحيفة “الأخبار” المقربة من حزب الله”، أن الموفد أبلغ مضيفيه أن عليهم “سحب قوات حزب الله إلى مسافة سبعة كيلومترات على الأقل شمالي الخط الأزرق – وهو خط الحدود الحالي – والا سيتعين على الجيش الإسرائيلي أن يدخل إلى المنطقة وتشكيل منطقة عازلة شمالي المستوطنات الإسرائيلية وإجبار وحدات الرضوان وغيرها من القوات التابعة لحزب الله على التراجع. وبحسب الصحيفة، هدد هوكشتاين مضيفيه اللبنانيين بأنهم إذا لم يوافقوا، فإن إسرائيل ستخوض الحرب التي ستبدأ في جنوب لبنان، ولكن يمكن أيضًا أن تطال مناطق شمالية منه.”

وكان هوكشتاين، في زيارات سابقة للبنان، قد أخبر مضيفيه أن الولايات المتحدة تعارض الهجوم الإسرائيلي، واستنتجوا من ذلك أن إسرائيل أسقطت خيار التحرك بسبب خوف البيت الأبيض من أن تتحول الحرب إلى حملة إقليمية. ولكن، يبدو أنه في هذ المرّة، وبعد طلب غالانت الصريح، رسم هوكشتاين  صورة مختلفة للبنانيين، مفادها أن إسرائيل لن تتردد في  استخدام الجيش في حرب محدودة، برية وجوية وبحرية، على الرغم من معارضة الولايات المتحدة.

وأوضح لهم أن ذلك سيحدث إذا استمر نصر الله في المطالبة بوقف الحرب في غزة كشرط لإجراء محادثات حول المقترحات التي تشمل تعديلات على خط الحدود ونقاط الخلاف الـ 13 في منطقة مزارع شبعا. أي أن الرسالة التي نقلها هوكشتاين هي أن إسرائيل قد لا تتصرف وفق أجندة حزب الله وشروطه.

واعتبر بن يشاي بأنه يمكن تقدير أن هذا ليس تهديدا فارغا. فقائد المنطقة الشمالية، أوري غوردين، تابع عن كثب، بالأمس، مناورة تحضيرية للواء احتياطي للمناورة في جنوب لبنان، وقد خصص لها ترويجا واسعا وبارزا. ولم تكن تلك إشارة فارغة.

وتقوم إسرائيل بسحب قواتها من القطاع بوتيرة متزايدة، بما في ذلك الوحدات الهجومية والفرق الأمامية والجنود النظاميين والاحتياط، استعداداً لأي سيناريو، بما في ذلك حملة في جنوب لبنان، إذا لم تثمر جهود هوكشتاين والوسطاء الفرنسيين. وتحاول الحكومة الإسرائيلية ومجلس الوزراء الحربي إقناع اللبنانيين بأن هذه ليست لعبة تخويف بل بطاقة حمراء لامعة تسبق تحول الأمر إلى واقع.

إلا أن بن بشاي يشدد في الوقت عينه على أن ذلك ينبغي ألا يأتي على حساب تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس في غزة، والضغط العسكري على يحيى السنوار وزملائه من القادة للتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح الرهائن. “لقد كان الجيش الإسرائيلي حتى يومنا هذا مستعداً ومجهزاً للعمل على أكثر من جبهة، والآن من الضروري أن يتم ذلك دون التضحية بجودة الإنجاز في أي منها”.

Exit mobile version