طلال سلمان

إسرائيل تفتح جبهات داخلية وخارجية بالجملة

غزة ـ حلمي موسى

يوم جديد، والأمل كبير بأن تكون نهاية الأيام المئة الأولى من الحرب هي نهاية للحرب بأسرها، وبأن ينال شعبنا حقوقه كاملة في الاستقلال والحرية وتحرير أرضه.

**

يبدو أن إسرائيل، في اليوم المئة لحربها، قد جن جنونها. صحيح أن كثير من المعلقين كانوا يهمسون بذلك. لكن الهمس علا وبات صراخا.

يكفي أن نعلم عن مستوى الخلاف داخل الليكود وداخل كابينت الحرب. وعلى وجه الخصوص بين نتنياهو وبين وزير حربه. وبرغم أن الخلاف في جانبه جوهري يتعلق بمواقف فعلية، إلا إنه شخصي أيضا، ويرتبط بالمستقبل السياسي لكل منهما.

وليلة أمس، ذكرت وسائل الإعلام الصهيونية أنه في بداية المناقشة في كابينت الحرب، غادر وزير الحرب غالانت المكان، بعدما رفضوا السماح لكبير مساعديه بالدخول إلى غرفة الاجتماع.

وبحسب مكتب رئيس الوزراء، أصر المكتب في بداية الجلسة على أن تعقد الجلسة من دون حضور مساعدين، وعندما لم يسمح لغالانت بإحضار كبير مساعديه، لاسيما وأنه رأى أن آخرين قد أحضروا مساعديهم، قرر مغادرة المكان وعدم المشاركة في النقاش.

ويأتي الحادث على خلفية تزايد التوتر بين رئيس الوزراء ووزير الحرب منذ بداية الحرب. ومن بين أمور أخرى، يرفض مكتب نتنياهو في بعض الأحيان الموافقة على تصاريح دخول لكبير مساعدي غالانت، الأمر الذي يسبب صراعات دورية.

وواجهت العلاقة بين غالانت ونتنياهو عقبة في شهر آذار الماضي، عندما أقال رئيس الوزراء وزير الحرب بعد تحذير الأخير من المخاطر الأمنية للإصلاح القضائي. وبعد الاحتجاج الكبير الذي اندلع ليلة الإقالة، جمّد نتنياهو القرار ثم أعلن لاحقا تراجعه عنه.

منذ ذلك الحين، أظهر الاثنان علاقة عمل طبيعية، ولكن خلف الكواليس ظهرت خلافات خطيرة، خاصة حول الترويج للإصلاح القضائي والأزمة في القوات الجوية والاحتياطيات.

ويوم أمس، اضطر نتنياهو لعقد مؤتمر صحافي منفرد بعيدا عن كل من وزير الحرب ورئيس الأركان أو حتى عن شريكيه في كابينت الحرب غانتس وآيزنكوت. ويدلّ تكرار هذا المشهد على حجم الخلافات داخل كابينت الحرب، وهي في جوهرها خلافات موضوعية على القضايا المطروحة، بالإضافة إلى خلافا شخصيّة. فالكل يطمح الى تجيير دوره في كابينت الحرب لمصالحه المستقبلية، على الصعيدين الشخصي والحزبي.

وبات نتنياهو في نظر الكثيرين قطة سوداء يهربون منها. تدل على ذلك استطلاعات الرأي ونتائجها على صعيد مقاعد الكنيست. ويبدو أن ذلك قد أثّر أيضا على الصحافيين، الذين اعتبروا ما يحدث “لدغة” و”عاصفة”.

وفي المؤتمر الصحافي المنفرد الذي عقده نتنياهو لإظهار إمساكه بخيوط السياسة والحرب، وحديثه عن انتقال الجيش للمرحلة الثالثة من الحرب، وما وصلت إليه مفاوضات تبادل الاسرى، تمكن أحد الصحافيين من إخراج نتنياهو عن طوره عندما سأله: كيف يمكن منع مثل هذا الوضع الذي تستطيع فيه الوزارات غير الضرورية توفير النفقات الحكومية بسبب وضعك وضعفك السياسي؟ والسؤال الثاني…”، وهنا أوقف نتنياهو المراسل وقاطعه، ووبّخه بحيث أثار جلبة في المكان. وتشهد هذه الجلبة على تضعضع مكانة نتنياهو شخصيا حتى في أوساط الصحافيين.

ولكن جنون نتنياهو لم يكن حكرا على الصحافيين. ففي المؤتمر الصحافي الذي عقد بمناسبة مرور مئة يوم على الحرب، صبّ جام غضبه على محكمة العدل الدولية، معلنا أنه “سنواصل الحرب حتى النهاية ولن يوقفنا أحد ولا حتى لاهاي”.

أضاف: “سنواصل الحرب حتى النصر الكامل، حتى نحقق أهدافنا بأكملها – القضاء على حماس وإعادة جميع المختطفين لدينا والوعد بأن غزة لن تشكل أبدًا تهديدًا لإسرائيل”.

وأكد أنه “لن يوقفنا أحد، لا لاهاي ولا محور الشر ولا غيره، مثل الادعاء المنافق في لاهاي بشأن الدولة اليهودية الذي أثارته هذه البعثات التي جاءت لارتكاب محرقة أخرى. وقد عثرت قواتنا على نسخ منها”.

وحمل على “حماس” معتبرا أنها حركة نازية تروج لكتاب هتلر “كفاحي”، معتبرا أنه ليس من قبيل الصدفة أن يقول المستشار الألماني: “حماس هي النازية الجديدة”.

وتابع: “إن أنصار النازيين الجدد يجرؤون على اتهامنا بالإبادة الجماعية – من يدعمون؟ القتلة والمغتصبين وقطع الرؤوس وحرق الأطفال؟ يا لها من وقاحة وعار. دولة إسرائيل والجيش الإسرائيلي وقواته الأمنية يقاتلون حربا أخلاقية وعادلة لا مثيل لها ضد وحوش حماس، النازيين الجدد”.

أضاف “لن نرخي أيدينا ونضعف تصميمنا على القتال حتى النهاية. معاداة السامية هي نفسها معاداة السامية، لكن وضع الشعب اليهودي تغير من النقيض الى النقيض لأنه لدينا اليوم دولة، وشعبا… والجيش والجنود الأبطال الذين يحمون شعبنا. ما حدث في 7 أكتوبر لن يتكرر مرة أخرى، هذه هي مهمتنا والتزامنا”.

وهاجم نتنياهو في مؤتمره الصحافي “حزب الله” والحوثيين وإيران، والمعلقين في وسائل الإعلام الاسرائيلية ممن يروّجون لعجز إسرائيل عن تحقيق أهداف الحرب.

إلى ذلك، انتقد وزير الدفاع الأسبق موشي يعلون حكومة نتنياهو في تظاهرة نُظّمت أمس في حيفا، قائلا إن الحكومة هذه لم تحدد أهداف الحرب وإنها حكومة “مسيحانية واهمة”، محملا نتنياهو مسؤولية الفشل.

أضاف “إن مسؤولية قادة الجيش الإسرائيلي والشاباك عن حقيقة أننا فوجئنا صباح سمحات توراة (7 أكتوبر) – واضحة، وقد اعترفوا بذلك وتحملوا المسؤولية. إنهم يقاتلون بشجاعة ومهنية، ويحققون العديد من الإنجازات في الميدان، وسندعمهم كل الدعم.”

وتابع قائلا إن “من لديه عينان في رأسه، يدرك أن المسؤول عن الفشل، يستمر في شغل منصب رئيس الوزراء – ويرفض تحمل المسؤولية. لقد تم تحذيره مرات لا تحصى من أن قيادته للإصلاح القضائي يمكن أن تؤدي إلى الهجوم علينا، لكنه اختار تجاهل ذلك. وقد حذره وزير الدفاع من أن الإصلاح القضائي يخلق تهديدًا حقيقيًا وواضحًا وفوريًا لأمن البلاد.”

أضاف يعلون أنه “علاوة على ذلك، طلب رئيس الأركان أن يعرض على مجلس الوزراء عواقب الإصلاح القضائي على مجال الأمن – لكن نتنياهو رفض ذلك، ولم يستمع مجلس الوزراء إلى كلام رئيس الأركان حتى اليوم. كما طلب رئيس الأركان من أعضاء الكنيست والوزراء الاستماع إلى عواقب تشريع المعقولية على الأمن، من جنرالين انتظرا في الكنيست قبل التصويت وانتظرا دون أن يتم الاستماع اليهما”.

من جهته، لا يحمل رئيس الأركان هرتسي هاليفي أي “بشائر”. فقد وزّع بدوره بيانا صحافيا بمناسبة مرور مئة يوم على العدوان قال فيه أن “الوقت يضغط من أجل عودة المختطفين. وافقنا على خطط لزيادة الضغط على غزة. إننا نعمل بكل الوسائل، وأغلبها سرية، من أجل إعادة المختطفين”.

وعن قيادة حماس، قال هاليفي “إنها مقتنعة بأن نهاية الحرب تقترب”. واعتبر أن حزب الله “قد يحول الدولة اللبنانية بأكملها إلى منطقة حرب”. أمّا عن التحقيق فقال “هذا قرار داخلي وضرورة عملياتية”.

وأشار الى أن الجيش الإسرائيلي وافق على خطط للقيادة الجنوبية لمواصلة القتال وزيادة الضغط العسكري، وهو ما سيؤدي، على حد قوله، إلى ” تفكيك حماس”. وبرغم عدم إعادة أي مختطفين منذ استئناف الحرب في تشرين الثاني، قال “إن هذا الضغط وحده هو القادر على إعادة المختطفين”.

وفي المحصّلة، يبدو من الواضح أن قيادة الجيش الإسرائيلي لم تعد تتحدث عن القضاء على المقاومة في غزة وإنما عن تقليص قدراتها، ولم تعد تتحدث عن فرض الأمن وتوفير الحماية لجمهورها، وإنما عن تقليل الأضرار. والأهم هو أنها لا تحمل بشارة هدوء بقدر ما تحمل وعودا لجمهورها بحرب طويلة، وهو ما لن تقدر عليه، وما لن يكون مسموحا به عالميا. الوقت ينفذ واسرائيل تتخبط مع أهدافها.

Exit mobile version