تستمر المقتلة خصوصا حول مراكز المساعدات الامريكية التي تحولت الى مصائد موت مضمونة، وكذلك قرب محاور نقل المساعدات الغذائية. وتتباهى اسرائيل بأنها تغرق قطاع غزة بالمعونات الغذائية عبر الانزالات الجوية التي تخدم العلاقات الامنية الاسرائيلية مع دول العالم عموما ومع دول عربية واسلامية محيطة او بعيدة. تجدر الإشارة إلى أن مستوى الركون الاسرائيلي خصوصا في مجال الامن لا حدود له، ولذلك الغالبية الساحقة من الانزالات الجوية تتم بعد تدقيق أمنى أردني يجري في مطارات اردنية.
على أن الانزالات الجوية لا توفر الكثير من المواد ولا يمكن لها ان تغطي حاجة ٢,٤ مليون نسمة. والبعض يفيد بأن حمولة اغلب الطائرات لا تزيد كثيرا عن حمولة شاحنة. لكن اسرائيل لجأت الى محاولة اغراق السوق الغزي ببضائع عبر التجار، تحديدا السكر والزيت وبعض مشتقات الدقيق. ولإسرائيل عدة اهداف من ذلك. فهي تريد أن توحي أن المجاعة قد انتهت، وحتى أنها لم تكن اصلا موجودة. وهي تعتمد على التجار لأن لهم مصلحة مباشرة مع اسرائيل خصوصا ان التنسيقات تتم مع عدد قليل من التجار لا يتجاوز عددهم عدد اصابع اليد الواحدة.
وباتت أسعار البضائع التي تدخل غزة تبلغ اضعاف ما كانت عليه قبل الحرب. على سبيل المثال، يتراوح سعر كيلو السكر اليوم في القطاع بين ١٧و ٣٠ شيكل فيما كان سعر الكيلو قبل الحرب ٢,٥ شيكل. أما زيت الطبخ لا يقل سعره عن ٢٠ شيكل لليتر فيما كان سعره لا يتجاوز ٦ شيكل، بينما علبة لحمة اكسترا التي كانت قبل الحرب بـ ٦ أو ٧ شيكل باتت تباع بما لا يقل عن ٣٠ شيكل، وجبنة فيتا العبور المصرية التي كانت بحوالي ٢ شيكل صار سعرها ١٠أو ١٢ شيكل، واوقية الزعتر التي كانت في أفضل الاحوال بـ٧ شيكل صارت بـ٤٠ شيكل، وهكذا دواليك.
عموما البضائع التي تصل وان سدت جزء من حاجة الناس الا انها اظهرت مدى افتقار اغلبية الناس للسيولة النقدية. وهكذا فإن كثيرا جدا من العائلات لا تستطيع شراء هذه البضائع. وفيما تفتح اسرائيل الباب ولو بشكل محدود أمام بضائع التجار، إلا أنها لا تزال تغلقه بشكل كبير أمام المساعدات الانسانية ولا تسمح حتى للأمم المتحدة بإدخال سوى ما يوحي بأن الباب مفتوح. وعلى سبيل المثال فإن الاونروا لم يسمح لها بإدخال ولو شاحنة واحدة. وليس صدفة ان ١٠٠ منظمة اغاثة دولية وعربية اصدرت بيانا اكدت فيه ان اسرائيل ترفض الغالبية الساحقة من طلبات ادخال مساعدات الى غزة.
وبديهي ان اسرائيل بسماحها المحدود للتجار بإدخال بضائع تعرف انها تبقى المتحكمة في الامر في كل وقت. كما انها بمنعها المساعدات الدولية تحدد من الان مقدار تدخل الاسرة الدولية في معالجة ازمة المجاعة في غزة. بمعنى آخر فإن اسرائيل تدير فعلا سياسة ادخال المساعدات بشكل مهندس لخدمة اغراضها المحددة التي لم تتخل عنها، فهي لا زالت تحسب السعرات الحرارية وفق كمية البضائع التي تدخلها، وهي بذلك تواصل سياسة الأمن الغذائي انتهجتها تجاه غزة قبل بضع سنوات.
يبقى السؤال الأهم حول قرار احتلال مدينة غزة. ومن يسمع الكلام الاسرائيلي عن الخطط العسكرية وقرب عرضها على الكابينت لمصادقاتها يشعر أن الحرب لم تكن قائمة منذ ما يقارب العامين. كما ان الخطط التي يتحدثون عنها توحي بأنهم لم يكونوا متواجدين في غزة من قبل ولا خلال هذه الحرب تحديدا. كل ما يسعون اليه هو الايحاء بأن ما ينتظر غزة هو الدمار على نمط ما جرى لرفح وشرقي خانيونس. وهم يعتقدون ان مثل هذا التهديد سوف يدفع حماس للتراجع. ولذلك يعلنون طوال الوقت جهوزية اسرائيل للقبول بصفقة جزئية شرط ان تلبى الشروط الاسرائيلية. وهذا حتى بعد اعلان نتنياهو انه لن يقبل سوى بصفقة تعيد كل الاسرى الاسرائيليين دفعة واحدة. وواضح ان اسرائيل تحاول ان تقول انه لمنع تدمير غزة مطلوب من الفلسطينيين الاستسلام وذلك من دون اي حساب للعالم وللقانون الدولي.
بالمناسبة غزة ليست مجرد مدينة. غزة واحدة من أقدم المدن في العالم واسرائيل تتصرف فيها وكأنها تعاقب التاريخ.
إسرائيل تعاقب التاريخ في غزة
