طلال سلمان

إسرائيل “الرسمية” تتنصل من كلام وزيريها عن التهجير

غزة ـ حلمي موسى

تسعون يوما، والأمل يكبر بأن النصر قريب وبأن شعبنا الصامد سينال حقوقه وبأن الظلم زائل.

ما إن شنّت إسرائيل حربها الهمجية ضد قطاع غزة، حتى تبيّن أن أحد أهم أهدافها هو تهجير الفلسطينيين إلى سيناء. ودفعة واحدة، انطلق قادة إسرائيل يعلنون عن سعيهم تارة لإقامة مدن للفلسطينيين في سيناء، وطورا لتوزيع الفلسطينيين في أنحاء مختلفة من مصر، من دون الأخذ بالاعتبار مواقف مصر والفلسطينيين من الموضوع. وسايرتهم واشنطن في ذلك، وصارت تناقش الأمر مع مصر ودول أخرى. ومع استمرار الحرب، وصمود الفلسطينيين، والرفض المصري القاطع، تناثرت أشلاء هذه الفكرة، بشكل لا هو دائم ولا هو مؤقت.

وما دفع الأميركيين إلى التراجع عن تأييد الفكرة، هو ما تردد في أوساط العديد من الجهات الإقليمية عن التخوف من أثر هذه الخطوة على استقرار الدول المعنية، والاستقرار الإقليمي عموما. وبدا وكأن مخطط التهجير يخبو، وصارت إسرائيل أقرب إلى تقبل هذا الواقع حرصا على العلاقات مع مصر من جهة، وعدم استعداء دول عربية معينة بما يضرّ بمساعي التطبيع من جهة أخرى، خصوصا بعد تراجع واشنطن عن تأييد الفكرة.

لكن الفكرة لم تتراجع في نفوس وزراء التطرف المسيحاني في حكومة نتنياهو، خصوصا أنهم يمسكون برقبة نتنياهو المستميت للبقاء في الحكم لأطول فترة ممكنة، والذي لا يريد لهذه الحرب أن تقضي عليه سياسيا وتصنفه بأنه زعيم فاشل.

وفي مقدمة هؤلاء الوزراء هناك كل من بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير. ويقول سموتريتش: “لقد حان الوقت لتجربة شيء مختلف، وهو التمكن، من خلال جهود المجتمع الدولي بأكمله، من التوصل إلى حل إنساني لسكان قطاع غزة في بلدان أخرى من العالم”، مضيفا “بالمناسبة، لقد حدث هذا لملايين اللاجئين في السنوات الأخيرة في مناطق الصراع والصراع العالمي – في الحرب في سوريا، والآن في أوكرانيا وأماكن أخرى. لن تعود غزة لتكون مرتعا لمليوني شخص محتجزين كرهائن في محنة، يكبرون وطموحهم تدمير دولة إسرائيل، لأن هذه كانت طريقة تربيتهم لمدة ثمانية أجيال، معتقدين أن الحل للفقر والاكتظاظ والمصاعب يمر عبر دولة إسرائيل ويكمن في العودة إلى يافا وحيفا وطبرية. وغزة لن تعود إلى تلك العقلية”.

ويشرح سموتريتش رؤيته المستقبلية المتعلّقة بغزة أنه “بالإضافة إلى تشجيع الهجرة، ستسيطر إسرائيل بشكل دائم على أراضي القطاع لضمان الأمن. بالإضافة إلى أنّه حان الوقت لكي نفهم بعد كل تلك السنوات الطويلة، أنه لا مكان لجيش وأمن لفترة طويلة من دون وجود مدني واستيطان. فحيثما لا نتواجد مدنيا، من المستحيل الحفاظ على جيش لفترة طويلة وضمان الأمن. وآمل بصدق أنه بعد 7 أكتوبر، سيعود الناس ليكونوا أكثر انفتاحا على طريقة تفكير مختلفة لصالح دولة إسرائيل”.

من جانبه، قال الوزير بن غفير: “يتعين علينا تعزيز حل تشجيع هجرة سكان غزة. إنه حل صحيح وعادل وأخلاقي وإنساني. وأدعو رئيس الوزراء ووزير الخارجية الجديد قائلا: هذه هي الفرصة لتنسيق مشروع الهجرة الآن، مشروع لتشجيع هجرة السكان من غزة إلى دول العالم، بغض النظر، لدينا شركاء حول العالم يمكنهم مساعدتنا، يمكننا الترويج لهذه الفكرة. إن تشجيع هجرة سكان غزة سيسمح لنا بإعادة سكان الغلاف وسكان غوش قطيف إلى وطنهم”.

وبشكل لافت، ردت الإدارة الأميركية بحدة على كلام سموتريتش. وأعلن بيان نشره المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية، ماثيو ميللر، أن “هذا الخطاب تحريضي وغير مسؤول. لقد أبلغتنا الحكومة الإسرائيلية مراراً وتكراراً، بما في ذلك رئيس الوزراء، أن تصريحات من هذا النوع لا تعكس سياسة الحكومة الإسرائيلية وعليهما (بن غفير وسموتريتش) أن يتوقفا فوراً عن مثل هذا الكلام. لقد كنا واضحين وثابتين ولا لبس في ما قلناه من أن غزة هي أرض فلسطينية، وستظل أرضا فلسطينية حتى عندما تفقد “حماس” السيطرة عليها. هذا هو المستقبل الذي نتطلع إليه لصالح الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة المحيطة والعالم”.

ويبدو أن إدارة بايدن حثّت عددا من أتباعها في العالم على ترديد الموقف ذاته. فسارعت الحكومات الألمانية والبريطانية والفرنسية إلى إطلاق تصريحات مشابهة حول رفض تهجير سكان القطاع طوعا أو قسرا. كما أطلقت دول أخرى مواقف مشابهة.

لكن، في خطوة بالغة الأهمية، سارع مصدر سياسي إسرائيلي إلى إعلان موقف جديد. ويدلّ تعبير “مصدر سياسي” في وسائل الإعلام الإسرائيلية غالبا إما على رئيس الحكومة شخصيا أو على ديوان رئاسة الحكومة.

واعتبر هذا المصدر، في إشارة لتصريحات سموتريتش، أن “هناك في إسرائيل من يعتقد أن غزة ستكون مستعدة للهجرة الطوعية، في رأيي هذه أوهام لا أساس لها من الصحة. لن تستقبل أي دولة مليوني شخص، ولا مليون، ولا 100 ألف ولا خمسة آلاف. لا أعرف من أين جاء هذا الأمر.”

يضيف كلام المصدر الذي عُمّم على وسائل الإعلام الإسرائيلية كلّها، “نحن لسنا ضمن هذا الأمر لأننا لا نستطيع القيام بذلك. لنفترض أن سموتريتش أراد أن يفعل ذلك، ماذا يمكنه أن يفعل؟ إنه ليس صاحب علاقات. نحن لا نعرف كيفية القيام بذلك، ودفع الناس من هنا إلى بلدان أخرى”.

وأشار إلى نفي رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير وجود أي دور له في هذا الأمر. واعتبر إن إثارة هذا الموضوع هو أمر مثير للسخرية. ” وخلص الى أنه: “يمكن إسقاط قضية الهجرة، فنحن لسنا في هذه الحلقة”.

إلى ذلك، شدد المراسل السياسي لموقع “والا” الإخباري، باراك رافيد على أن تصريحات المصدر السياسي الإسرائيلي ترمي إلى امتصاص غضب الأمريكيين وحلفاء إسرائيل الأوروبيين الذين أعربوا عن قلقهم إزاء تصريحات الوزيرين سموتريتش وبن غفير حول موضوع تهجير سكان غزة، وطمأنتهم بأن هذه التصريحات لا تمثل موقف الحكومة الإسرائيلية. وكان “المصدر السياسي” قد نفى أيضا الأنباء التي أشارت إلى أن حكومة نتنياهو تجري اتصالات مع دول كثيرة، وخصوصا في أفريقيا، لقبول لاجئين فلسطينيين. وقال إن إسرائيل لا تجري أي حوار أو مفاوضات مع أي دولة بشأن هجرة الفلسطينيين من غزة.

ومن المنطقي الافتراض أن جانبا من رد المصدر السياسي الإسرائيلي على تصريحات سموتريتش وبن غفير حول التهجير الطوعي تتصل أيضا ببدء المحكمة الدولية النظر في طلب جنوب أفريقيا مناقشة جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. وقد أثار هذا الطلب مخاوف جدية في إسرائيل إن لم يكن من الناحية القضائية، فعلى الأقل من الناحية الإعلامية وأثرها على الرأي العام العالمي.

وأدان وزير خارجية الإتحاد الأوروبي جوزيف بوريل تصريحات سموتريتش وبن غفير واعتبر أن تهجير الفلسطينيين يخالف القانون الدولي. وقال “أدين بشدة التصريحات التحريضية وغير المسؤولة للوزيرين الإسرائيليين بن غفير وسموتريتش اللذين هاجما السكان الفلسطينيين في غزة داعيين إلى خطة تؤدي إلى هجرتهم”، مضيفا “إن التهجير القسري للسكان هو عمل محظور بشدة ويُعرف بأنه انتهاك خطير للقانون الدولي. الكلمات لها معنى”.

Exit mobile version