غزة ـ حلمي موسى
اليوم ٦٦ للحرب. الوضع في رفح هادئ نسبيا. نسمع دوي القصف من بعيد. بعضه من جنوبي خانيونس، وبعضه الآخر من شرقي رفح.
يتصل بعض أصدقائك الذين بقوا في خانيونس، يصفون بعبارات قاسية الوضع هناك. عبارات مثل “كارثي” و”جحيم”، ترد كثيرا في أحاديثهم. تؤكّد هذه الانطباعات تقارير المراسلين من خانيونس. تزيد المقاومة الشديدة التي تواجهها القوات الصهيونية من حدة غيظها وقصفها ووحشيتها. العدو يشعر، وللمرة الاولى في تاريخ تعامله مع غزة، إنها مسألة حياة أو موت بالنسبة له، وأن انكساره أمام غزة هو نهايته. لذلك، لا يتردّد في استخدام كل عوامل القوة المتوفرة لديه.
والأمر ليس لعبة أو ميدان اختبار. لقد تخطت الحرب في غزة ذلك الى مدى أبعد بكثير. من يسمع صراخ أمهات الجنود، ويسمع خوف الجنود يدرك بأن ما يواجهونه من مقاومة ينذر بأشد العواقب.
ومع ذلك، مازالت الولايات المتحدة وكثير من دول الغرب تساند الاحتلال في وحشيته وتتمنى منع انكساره. وهو ما يحول حتى الآن دون أي تقدم سياسي نحو هدنة جديدة او رؤية لتسوية شاملة. كل ما يقوم به الغرب حتى اليوم هو محاولة تسهيل مهمة الاحتلال في قمع المقاومة حتى لو كان الثمن الانساني كارثيا. فلا شيء يعنيهم بعد أكثر من هزيمة المقاومة من أجل الإبقاء على فكرة الخنوع في المنطقة وسيادة اسرائيل عليها.
وتتكبد “إسرائيل” خسائر كبيرة من أجل الحفاظ على مكانتها كرأس حربة للمشروع الغربي، وخصوصا الأمريكي، في المنطقة. فهي تتطلع للإبقاء على مكانتها، كوظيفة وكدور، لأنها تعلم ان انتهاء هذه المكانة يعني انتهاءها كدولة مرعية. وتستغل “إسرائيل” استمرار الدعم لتكمل مهمة حددتها لنفسها وهي القضاء على حكم “حماس” وقدراتها العسكرية. وهي تمارس من أجل ذلك حرب إبادة فعلية بحق الشعب الفلسطيني في غزة وتبذل جهدها لإنجاز المهمة في أقصر فترة زمنية ممكنة. ولكن إلّا أنّ اشتداد المقاومة يخيب آمالها في النصر السريع والحاسم. وهي لا تتحدث حاليا عن اتمام المهمة في خانيونس وحسب، وإنما عن الحاجة للمزيد من الوقت لدخول المنطقة الوسطى وربما رفح.
بالإضافة إلى ذلك، هي تقفز فوق الواقع، وتقول إنها أيضا بحاجة لوقت لمحاربة “حزب الله” الأمر الذي دفعها الى إعلان العام ٢٠٢٤ “عام حرب”. وهي بقدر ما تشعر بالخيبة، بقدر ما يتسع خيالها لتحقيق المستحيل، وبقدر ما يتبين ان القوة التي تستند البها تبدو عاجزة إذا توفرت أمامها قوة قادرة على المواجهة. والى أن تظهر النتيجة، تبقى آمالنا، وترتفع طوال الوقت، بانتصار المقاومة وهزيمة المشروع الصهيوني.
على هامش ما ينشر في الإعلام الصهيوني
أولا: كذبة حرب على لبنان:
يدور الحديث حاليا عن ضغط اسرائيلي كثيف على كل من الولايات المتحدة وفرنسا لتأدية دور في لبنان، يشمل تهديدا، لإبعاد قوات “حزب الله” الى ما بعد نهر الليطاني. وتفيد الأنباء الاسرائيلية بأن الولايات المتّحدة وفرنسا تمارسان فعلا دبلوماسيا ضاغطا على لبنان من أجل تنفيذ خطة سحب قوات “حزب الله” الى ما وراء النهر وذلك لتجنب حرب حتميّة من وجهة نظر اسرائيل.
ويطلق قادة “إسرائيل” العسكريون والسياسيون يوميا تهديدات بتحويل بيروت الى غزة أخرى. والجديد في الموضوع هو أنّ اسرائيل تنوي وضع حد زماني نهائي لما تسميه الجهود الدبلوماسية لمنع الحرب. ويشدد رئيس الأركان هرتسي هاليفي على انّه لا عودة لمستوطني الشمال قبل تأمين الجبهة هناك. ولكن الاعتقاد السائد في اسرائيل هو ان احتمالات التوصل الى تحقيق هذا الهدف بطرق دبلوماسية ضعيفة وحتى ضعيفة جدا. ما يترك المجال واسعا لتوسيع الحرب ضد لبنان ما ان تخمد نيران الحرب ضد غزة او يضعف لهيبها.
وفي هذا السياق يأتي تلميح الجيش الاسرائيلي بأنه ينظر للعام ٢٠٢٤ على أنه عام حرب. غير ان المعطيات الميدانية تظهر خلاف ما تدعيه “إسرائيل”. فالاقتصاد الاسرائيلي يكاد يقع تحت ضغط الحرب مع غزة. وهناك تقديرات تتحدث عن خسائر للاقتصاد بحدود ٩٠ مليار دولار حتى الآن. وهذا يعني ما يقرب من ٢٠ في المئة من الناتج القومي وهو ما قاد وزارة المالية الى وضع خطط لتقليص الرواتب في القطاع العام وفرض مزيد من الضرائب وتقليص ميزانية الكثير من الوزارات وإلغاء إعفاءات ضريبية للمناطق الحدودية وغيرها من التدابير.
وكل ذلك يعني استحالة القدرة على اكمال السير في هذا الطريق برغم كل الادعاءات والتهديدات بمواصلة الحرب وتوسيعها. وبالإضافة إلى ذلك، واذا كانت اسرائيل قد نالت الدعم من الولايات المتحدة والغرب، عموما باعتبار انها تعرضت ل”عدوان” من غزة، فأن الموقف لن يكون كذلك في حال اعتدائها الواسع على لبنان.
وهناك ثمة من ينظر الى عدوان اسرائيل المحتمل على لبنان بوصفه وسيلة لجر الولايات المتحدة الى حرب مع إيران.
ثانيا: أكاذيب عن المقاومة
صار المعلقون الاسرائيليون أكثر قناعة بأن الجيش الإسرائيلي يكذب عليهم وعلى الجمهور الاسرائيلي على أكثر من صعيد. وليست أعداد الجرحى والقتلى هي وحدها ما أثارت الانتباه.
وكان معلق الشؤون الأمنية في “هآرتس” قد ألمح الى ذلك عندما نشر خبر وفاة ابن شقيقة الجنرال غادي ايزنكوت قبل ان ينشر الجيش الخبر بيوم على الاقل. غير ان التشكيك في بيانات الجيش ازدادت بعد تكاثر أحاديث القادة السياسيين والعسكريين عن انهيار او بدء انهيار “حماس” في غزة. إلّا أن إطلاق الصواريخ على تل ابيب في اليوم الرابع والستين من الحرب واستمرار الاشتباكات في بيت حانون وبيت لاهيا والشجاعية وجباليا وفي غالبية أحياء شمالي غزة، يثبت أن المقاومة لم تنكسر. ويعتقد معلقون اسرائيليون أن من يقول أم “حماس” انهارت هو كاذب برغم من أنه يمكن القول انها تلقت ضربات فحسب.
بكلمات أخرى يقولون انها تضررت ولكنها لم تنكسر. ويدللون على أكاذيب الجيش والساسة بكثرة أحاديثهم عن استسلام مقاتلين في حين يؤكد الجنود انهم يصطدمون برجال يقاتلون حتى الرمق الاخير.
وقد جاء نشر صور الفلسطينيين العراة وكأنها دليل على الانكسار لتفضح الاكاذيب الصهيونية. اذ اضطر الناطقون العسكريون للعودة عن هذا الادعاء والاعتراف بأن اكثرهم مدنيون تم الافراج عنهم وان بعصهم كانوا أشخاصا قريبين من حماس.
ثالثا: أكاذيب أنفاق غزة
يحاول الجيش الاسرائيلي اظهار ان إعادة السيطرة على مئذنة جامع فلسطين وتدمير تلك المنطقة وتجريف بيوتها كان أحد إنجازات الحرب الكبيرة. ويدّعي أنّه اكتشف سلسلة من الأنفاق الهامة التي يقود أحدها الى مقر “القيادة المركزية” التي يدّعي وجودها في مستشفى الشفاء. وعلى الرغم من أن الجيش نفسه قال، بعدما جرف كثيرا من المباني في مستشفى الشفاء، أنه اكتشف نفقا بطول ٥٠ مترا، لكنه الان يدعي ان النفق الذي اكتشفه عند مسجد فلسطين والواصل لمستشفى الشفاء البعيد عنه ما لا يقل عن ١.٥ كيلومتر هو نفق استراتيجي. وحاول أن يربط هذا النفق بوجود مكتب السنوار بالقرب من ميدان جامع فلسطين.
إلا أن صور التجريف في المنطقة تظهر أن عمليات التجريف كانت تتجه من محيط مكتب السنوار الى الشرق نحو شارع الجلاء وليس الى الغرب والجنوب باتجاه مستشفى الشفاء، ما يدلل على أن بيانات الناطق بلسان الجيش حول الموضوع ليست أكثر من لغو وادعاء.
رابعا: حلفاء في اليمن؟
من متابعتي للإعلام الإسرائيلي، تم الحديث عن حليف جديد لإسرائيل في اليمن ممثلا بجماعة انفصالية في عدن تتلقى التأييد من دولة الامارات. ووفق الادعاء الإسرائيلي، هناك اتصالات مع الولايات المتحدة واسرائيل لنيل التأييد للانفصال عن اليمن ومحاربة الحوثيين. ويشكل هذا الكلام مدخلا لتعاون اسرائيلي إقليمي لمحاربة الحوثيين الذين ضيقوا الخناق باسم اليمن على اسرائيل بحرا باستهداف السفن الذاهبة الى الكيان، وعسكريا باستخدام الصواريخ بعيدة المدى والمسيرات نصرة لغزة .