حُلُّوا عن الطبقة السياسية. تخلُّوا عن الشكوى. كل ما سيقال قد قيل مراراً وتكراراً. لا جديد في لغة اللبنانيين ابداً. كل ذلك لم يكن نافعاً ولن يُجدي ابداً. الطبقة السياسية هذه، باقية، باقية، باقية، بانتخابات او من دونها. هي قدر اللبنانيين وقد شاءها اللبنانيون كذلك. هذه الطبقة من هذا الشعب، او من هذه الشعوب اللبنانية. فليتواضع اللبنانيون كثيراً ليكتشفوا ما صنعته اياديهم. وحدهم الطُفَّار والهامشيون والحالمون أبرياء من تنصيب هذه الطبقة الدائمة.
غدا، يُسرع اللبنانيون إلى صناديق المبايعة. اللبناني يبايع ولا يقترع.
غداً، سيوقع لهذه الطبقة “المباركة” لأربعة اعوام، قابلة للتجديد. وفي هذه الاثناء ستعود مهزلة الحكم بالتوافق، واليكم الدليل:
ـ القانون الانتخابي حفظ حقوق الطوائف كما جرت العادة الديموقراطية سيئة الذكر في لبنان.
ـ القانون الانتخابي سينقي التمثيل الطائفي من شوائب الاختلاط الطائفي. والصوت التفضيلي هو لتنقية الطائفية. فلتنتخب كل طائفة ممثليها على الطريقة الأرثوذكسية.
ـ سيحافظ القانون المفصل على حصص القيادات الطائفية، مع تعديلات طفيفة في موازين العدد الصافي لكل طائفة وزعيم.
ـ سيتدافع الطائفيون إلى مراكز الاقتراع، لوضع اللوائح المختلطة في الصناديق، تاركين امر الجمع والمحاسبة، لعملية النسبية الكاذبة. لقد سرقت الطائفية النسبية وجيرتها لحسابها.
ـ بعدها، ستعلن النتائج وستأتي بأكثرية مارونية ـ مسيحية للتيار الوطني وحلفائه التوابع، وتكون “للقوات” حصة وازنة، تماماُ كما هي اليوم، مع زيادة ضئيلة. وهكذا يستقيم التمثيل المسيحي ويصبح شبيها بالتمثيل الشيعي والتمثيل السني والتمثيل الدرزي. البقية من اللواحق.
ـ سيتسنى لبعض المدنيين الفوز ومن يحافظ على استقلاليته في الندوة سيعامل كاليتيم. لا أب طائفياً له.
ثم، ما الذي سيتغير؟ الأقوى في طائفته يمثلها في المواقع المحسوبة له. الجنرال في بعبدا، الاستاذ في مجلس النواب، الشيخ في رئاسة الحكومة، والوليد في مكان وليد جنبلاط … فما الذي تغير؟ كيف ستؤلف الحكومة وممن وكم تحتاج من الوقت؟
لن تتغير إلا أسماء قليلة في الطوائف المبرمة. سيعود الاختلاف الى نصابه الطائفي. لا مكانة للدستور، هو شكل ينتظر التوافق ليلبس الحالة المتفق عليها. لا مكانة للقوانين. هذه في خدمة الطوائف. فالإدارة هي حزب الأحزاب الطائفية. ومن ليس طائفياً لا حماية له ولا ترقية ولا شكراً له.
سيناقش مجلس الوزراء الجديد ـ القديم جداً، ملفات الزبالة وسينفق من الوقت ما يجعل النفايات معضلة بلا حل. ملف الكهرباء، حدث ولا حرج، من يتجرأ على مغارة الطاقة؟ مجلس الإنماء والإعمار، دولة مستقلة فوق الدولة. الاتصالات، نفط لبنان السائب. التعليم الرسمي، رجس فاجتنبوه. التعليم الخاص يوضع في صدارة الاهتمام، لا يمس، خوفاً على مدارس الطوائف والمذاهب والإرساليات. الجامعة اللبنانية، حدث ولا حرج. لقد تم توزيعها من زمان على المناطق وفق التقسيم الطائفي. الجامعات الخاصة، وأي جامعات هذه التي نبتت بحماية وزراء ووزارات ورئاسات. جامعات فطرية ترضي أبجدية صناديق المال. الزراعة، مكانك راوح. الصحة، بحاجة الى علاجات مفقودة. البيئة اهتراء فاهتراء. باختصار. لن يبقى شيء كما كان، بل سيزداد سوءاً.
فليخرس اللبناني عن سب الفساد والمفسدين، فهو شريك يومي فيه. وهو مستفيد منه، وهو مقاد به، وهو ماض الى الانتخابات بسبب ما يدر عليه الفساد الطائفي. اللبنانيون التبعيون لا تجرهم الطوائف فقط، بل تسحبهم الطوائف الى نعيم فسادها إلحاقاً وتكافئهم بالفتات.
أما الطيبون من اللبنانيين، فلا حظ لهم، غير حظ خوض المعركة بنقاء وصفاء، بشرط أن يقطعوا مع هذه الطبقة وأتباعها وأعمدتها. وهذا صعب المنال.
فليخرس اللبنانيون. مصيبتهم من صنع أيديهم وليس من صنع قادتهم فقط.