طلال سلمان

أم مسعود، شهيدة “بلا دموع”

رفح ـ حلمي موسى

بعد ظهر أمس، في مخيم “بلا دموع” في رفح، كان المشهد اعتياديا. حتى أنه كان هناك بعض الفرح، إذ وصلت جهات عدّة توزع طعاما ومواد غذائية، وخبزا، وسلة خضروات كبيرة.

كنت أقف مع آخرين نساعد في توزيع الخضروات على النازحين، عندما نُفّذت فجأة، من دون سابق إنذار، غارة جوية.

أحسسنا أن الغارة قريبة جدا منا لشدة دوي القصف واهتزاز الأرض من تحتنا. ولكن، سرعان ما أشار أحد النازحين نحو سحابة من الدخان تتصاعد من مكان يقع الى الشمال الغربي من المخيم.

قدّرنا إن الدخان يتصاعد من مكان يبعد كيلومتر واحد منّا على الأقل. فاعتبرنا ان القصف بعيد. فنحن في العادة نعتبر ان القصف بعيد إذا نجونا من عواقب قصف يبعد عنا مسافة مائة متر، فما بالكم بكيلومتر كامل.

مرّت ثوان قليلة قبل أن يصرخ أحد النازحين “هناك شظية وقعت على إحدى الخيم، وهناك مصاب أو مصابة تنزف. أسرعوا لننقلها الى المستشفى الكويتي” وهو غير بعيد عنا.

وقبل ان نعرف من هو او هي المصابة سمعنا من يقول إنها أم مسعود، وإنها استشهدت. صرخت بغضب، يخفي خوفي، في وجه القائل “من انت لتقرر انها استشهدت. هل انت طبيب شرعي”؟

بعد دقائق قليلة، كانت أم مسعود في طريقها الى المستشفى. بقي زوجها وابنها الوحيد حولنا، يقولان إنها ماتت قبل ان تخرج من الخيمة.

قال أبو مسعود “انا زوجها وأعرف أنها ماتت لحظة سقوط الشظية على رأسها. الشظية مزقت الخيمة بسهولة، وسقطت على رأسها تماما”.

فعلا، كانت الشظية من المعدن الثقيل، بطول حوالي ٣٥ سنتم وعرض خمسة سنتيمترات، وسمك يزيد قليلا عن السنتيمتر الواحد. كانت أشبه بسيف قاطع وثقيل. لم أر أثر سقوط الشظية على رأس المسكينة أم مسعود.

بعد قليل، جاء الخبر من المستشفى. استشهدت أم مسعود، الطيبة الودودة، التي كانت تمازح من حولها وتعتبرهم أخوتها وأهلها.

في مخيمنا القائم منذ شهور عدة في رفح، ودّعنا شابة تزوجت في مخيم آخر. واستقبلنا عروسا لعريس من المخيم. وشهد المخيم حالة ولادة وينتظر ولادة أخرى قريبة. لكنها الشهيدة الأولى في مخيمنا.

هي الحياة، بكل معانيها واكتمالها. صباح اليوم خرج المخيم لوداع أم مسعود ودفنها في مكان لم تختره.

كان ابنها الوحيد يصرخ. نهره والده “لا تصرخ يا مسعود. أمك شهيدة ونحن لا نبكي الشهداء. أمّا خاله، فهمس في أذنه قائلا “لا تعذب أمك ببكائك”.

أم مسعود شهيدة. كلّ نازحي المخيم هم أم مسعود. كل من في غزة مشاريع شهداء.

Exit mobile version