طلال سلمان

أمسيحي .. وتكتب عن مُحمد؟

كما لو أني ارتكبت إثماً. مراراً سُئلت: كيف لمسيحي أن يكتب سيرة محمد؟ فماذا أقول؟

أأقول، لست لا مسيحياً ولا مسلماً إلا قليلا؟ أم اقول نسفت كل الاسوار بين أمتي وبيني، فكان كل ما فيها ملكي؟ دياناتها تخصني وتثير في عجباً وتساؤلاً وارتواءً، وأدبها ارتشف منه الشعر والنثر، وفلسفتها تغنيني عقلاً ونقداً وتطلعاً… ماذا أقول؟ هل اتهرب من السؤال وألجأ إلى كذب التعايش و”كلنا أخوة”، فلماذا الاستغراب؟ أم أعلن أن الاسلام يخصني كالمسيحية، وعلاقتي بالديانات علاقة معرفة واكتشاف، وفي الدينين ما يتوفر من عميق المعارف والقضايا؟ أم أصمت وأقول: لن اكون مثلهم: مسلمون يعرفون عن الاسلام القليل ولا يعرفون اليسير من المسيحية، او، مسيحيون لا يعرفون الا القليل من دينهم ولا يعترفون او يعرفون عن الاسلام الا ما تفرزه ثقافة الاستبعاد والأذى والاندهاش والتعجب؟ أن في الدينين من الثروات، ما يغني الروح والقلب والعقل، وما يثير الاعجاب، لارتباطهما بإنشاء حضارات ارست التاريخ على العقائد، قبل أن يصبح الدين والسياسة نقيضين.

كما لو أني ارتكبت خيانة. مجرد السؤال يدل على الفسطاطين، وعلى التكاذب بينهما. ماذا لو يعرف المسلم المسيحية كما هي، لا كما يتعلمها؟ وماذا لو يعرف المسيحي الاسلام من منابعه. ليس المطلوب أن تكون هذه المعرفة فعل هداية، بل لتكون فعل عقل ومعرفة وتبادل وتعارف.

جوابا عن السؤال لماذا كتبت السيرة السياسية لمحمد، اقول: كعلماني بحت، شعرت أن من واجبي العقلي، أن اعرف واتعرف وأعرِّف القارئ العربي، النهج السياسي الذي ابتكره محمد، ابان نشره دعوته إلى الاسلام … لم يكن الأمر صعباً عليَّ. متجرداً من كل انحياز، عصمتني علما نيتي من التعصب والافكار المسبقة. لم اشعر مرة أني اكتب كمسيحي، او كطارئ على الاسلام. كانت مهمتي أن ادرس وأبحث واكتشف، اعتماداً على مراجع عقلانية فقط، المسارات السياسية التي ابتدعها محمد، بعدما اقفلت مكة بوجهه ابواب انتشار الدعوة بالقوة والترغيب والترهيب والفتنة وكل ما يهين الانسان والرسالة.

حاولت، أن أظهر اتصال النبوة بالسياسة وان أبيّن ايضا انفصالها عن النبوة. محمد في مكة، كان نبيا، وفي يثرب (المدينة) كان نبيا وقائد سياسياً. خاض المعارك، أقام الأحلاف، أنشأ المواثيق، مارس الشدة والعنف، ألَّف بين قلوب من معه ومن آمن به رسولاً، وظل اميناً على ما أوحي اليه، وحريصاً على ما يتوجب عليه وحده. استطاع أن ينتصر على مكة التي عادته وناوأته وعذبته وفتنت اتباعه. ما ارتكبته مكة بحق الدعوة وبحق محمد، اوصل الرسول إلى قناعة: الآية وحدها لا تكفي، ولا بد من أن ينصر دينه بالقوة. ولقد أفلح ونجح، في زمن اعجازي حقاً.

لماذا كتبت هذا الكتاب؟

كان يمكن أن أتغاضى عن ذلك. أن أؤجل. أن اكتبه بأسلوب أكاديمي. لا. الكتاب هو جواب عن سؤال: أي محمد؟ هذا النبي الذي إعتنقت دينه مئات الملايين، هل هو محمد السني ام الشيعي ام الاصولي او السلفي او الإخواني ام الداعشي أم…

ما أنشأه محمد في حياته سياسياً، لا يمكن تقليده. العودة اليه نبويا، الزامية. العودة اليه سياسياً، محفوفة بسوء النقل وسوء الاقتداء. لقد كانت سياسته منتقاة ومبنية على الظروف والوقائع والامكانيات. الهدف، كان النجاح، والسياسة لا تقاس بمبادئها، بل بوسائل نجاحها او طرق فشلها. كان محمداً قائداً، لا يترك صغيرة بلا عناية، ولا يترك افقاً بعيداً الا ويرتاده.

فالعودة إلى الاصول، ليست واجباً دينياً. وحده القرآن يشكل المرجع الاكيد. اما في السياسة، فالخيارات كثيرة، وسيرته تشهد على ذلك. وهذا ما يؤكد عبقريته.

ثم، هل الاسلام دين ودولة؟ هل الاسلام دين وسياسة؟ هل الاسلام نص على الخلافة؟

الاجابة عن هذه الاسئلة في الكتاب، تجد اصولها في السيرة السياسية للرسول، وفي ما بعد وفاته، واحتجاج الانصار والمهاجرين في السقيفة، التي بها اندلع النزاع على الخلافة، فانشق الدين بعد ذلك، ولا يزال الانشقاق الكبير يشطر عالم الاسلام بين السنة واخواتها، والشيعة وشقيقاتها.

أخيراً لم أكن مسيحيا ولا كنت مسلماً أثناء كتابتي. مشاعري لم تكن حاضرة. عقلي هو الذي أملي عليّ قراءة التراث. ما انحزت ولا مالأت. وإذا كنت قد ابديت اعجابا بمحمد، فلأنه يستحق ذلك بجدارة الانجاز.

 

 

Exit mobile version