(من مال الناس ـ الفصل 2): وينيّه الدولة؟
“الناس على دين سرّاقيها”
نصري الصايغ (كاتب وصحافي)
هلّا نراجع معًا مشروع الموازنة العامة لعام 2020 بتسليط الضوء (ضوء الشمعة) على ما ورد فيها من معلومات مفصّلة في 14 بند في اعتراف صريح وصادق (على ما نفهم) على مساحة 36 صفحة من وزير المال، وباختصار شديد يقول:
توالت موازنات سنوات منذ أوائل التسعينات، ومعها الإجراءات المالية والتنموية… وقد أثبتت… فشلها الكبير في:
ـ تصحيح الوضع اللبناني المتأزّم
ـ وفي إعادة البلاد الى النمو المستدام والعدالة الإجتماعية… (ثمّ يضيف) على الحكومة القيام بانعطافة كبيرة في… بشكل مختلف يترجم في أرقام الموازنة وفي الخيارات الأساسية وفي طريقة التعاطي مع المال العام (ثلاثة ركائز). (نعيمًا يا عبّاس!).
ثمّ نقرأ في البنود (وفقًا لتسلسل أرقامها):
1 ـ العودة الى القانون والدستور …
4 ـ إسترداد كلّ ما أُخِذَ من الدولة بشكل يخالف الأصول (الأصول فقط؟ وماذا عن القانون والدستور؟)
5 ـ إعادة تحديد حصّة الدولة… وإلغاء التخصيص… وعدم إعطاء أطراف خاصّة حقّ الإستفادة من المال العام
8 ـ تحفيز الإنتاج بالسياسات الضريبية المناسبة …
9 ـ البيئة …
10 ـ الأملاك العامة …
11 ـ لقد تمّت إستباحة جهاز الدولة بشكل صارخ منذ عقود وحتى اليوم … (طبعًا، تعالوا نستمع معًا الى صراخ المُسْتَباحة أموالهم؟).
13 ـ الموازنة الأولى التي تسعى مجدّدًا الى بناء إدارة عامة قادرة وفعالة بعد سنوات طويلة من التهشيم (وهلّا تقولون لنا من كان يتحكّم بزمام الحكم في هذه السنوات الطويلة، بل عقود، التهشيم؟).
ثمّ يقول: لا بدّ من إجراء التوصيف والتصنيف الوظيفي ومراجعة ملاكات الإدارات والمؤسّسات العامة… (بعدنا هون؟).
وننتقل الى الصفحة 6 لنقرأ: أمّا من جهة أخرى فلا بدّ من ضبط الإنفاق غير المجدي وكذلك الإنفاق الذي جرى التوسّع به على مدى السنوات دون رقابة ومتابعة والذي تتعرّض السلطة أحيانًا الى مواجهة ورفض عند محاولتها إعادته الى مساره. فهناك ملفات… (أوف.. أوف.. أوف..؟ يعني أنا وأصحابي هم الذين وقفوا ويقفون في وجه الدولة!).
وفي الصفحة 7: يتم دائمًا التطرّق إليها والى الهدر فيها أو غياب العدالة نتيجتها، غير أنه لا يتم معالجتها ولا يترجم النقاش المطول بها الى إجراءات تنفيذية (مراسيم، قرارات، مشاريع قوانين…) (والتسطير هنا هو من قبل الشاهد من أهله)… ولا يُحترم. (فعلًا، المواطن مذنب بإحجامه عن المشاركة في النقاش المطوّل).
والى الصفحة 8: لا تملك أيّ جهة فكرة شاملة عن حجم المتأخّرات المترتبة على الدولة اللبنانية (لذلك، طالما لا فكرة لنا عن ديوننا فلا موجب من تسديدها!). وبعدها: الوزارة لا تملك صورة واضحة عن عدد … في موضوع التعاقد.
الصفحة 11: مشروع UNDP بات إدارة رديفة وتوظيفًا مبطنًا برواتب عالية.
الصفحة 15: قرارات للمؤسّسات العامة تكبّد الخزينة العامة من دون أخذ رأي وزارة المال.
الصفحة 16: إن الإفتقار للمعلومات في أي مجال يحدّ من إمكانية التطوير (إكتشاف بكر بالغ الأهمية). ولا يجوز ألّا تملك الدولة اللبنانية (بل جاز) بالرغم من إنفاقها آلاف المليارات على الموضوع أي صورة واضحة وشاملة لكافة المشاريع المنفذة لصالحها (طبعًا هذه المشاريع تنفذ في أدغال الأمازون و مجاهل القطب الجنوبي. وبعد ذلك نسأل عن التخطيط، الهدر، “سيدر”، ونحتاج الى ماكينزي كي يفك لنا الحرف).
ثمّ تأتيك الأرقام على مئات الصفحات. وفي أقلّها أهمية، يظهر للإنتباه تكرار البنود: إعلانات مطبوعات وعلاقات عامة، ثمّ أعياد وتمثيل، ثمّ إستئجار سيارات وآليات، ثمّ مساهمات الى هيئات لا تتوخى الربح (؟؟؟) “عطاءات” تتكرّر في كلّ وزارة وإدارة ومؤسّسة عامة الخ…
ويُعرّج السرد على: فواتير كهرباء وإتصالات (33,8 مليار ليرة إتصالات فقط) غير مسدّدة … وفيها أيضًا: فتح مراكز لمؤسّسات عامة بشكل عشوائي ومن دون علم وزارة المال…
في الخلاصة، النفقات الإستثمارية (التنموية) تشكل 5,82%، أي 1,57% من الناتج المحلي، فيما النفقات الجارية تستحوذ على 94,18% من الموازنة.
أما في دستورية تقديم الموازنة وقانونيتها فنحيلكم الى (2) أدناه مُذيّلة بالتعليق:
خرجت الدولة… ولم تَعُدْ! (من باب أنه خرج قطع الحساب… ولم يَعُدْ).
وفي أولى جلسات مناقشة الموازنة (في 25 أيلول 2019) غاب النقاش عن الإنعطافة الكبيرة، ببنودها الثلاثة، التي طلبتها الموازنة؟
ليته يساعدنا أحد رجال القانون إذ لم نعد نفهم أو نعلم أو نفرّق. هل أن المداخلة المذكورة أعلاه هي لائحة إتّهامية مقدمة من طرف الإدعاء… أو أنها دفوع شكلية مقدمة من قبل المتهم؟ أو أنها دموع شكلية قُدِّمت قبل أن تُوضَع النقاط على ميمها؟؟
فعلًا… هذه موازنة “إذا كنت لا تدري الى أين تذهب.. فكلّ الطرق تؤدّي الى هناك!”.
وفي الختام، نعبّر عن إستيائنا باستعادة الشطر الثاني للبيت: “فنَجهلَ فوق جَهْلِ الجاهلينا”
والى فصل آخر لا بد آتٍ..
(1) ـ من معلقة عمرو بن كلثوم
(2) ـ نصت المادة 65 من قانون موازنة العام 2017 على أن “على الحكومة إنجاز عملية إنتاج جميع الحسابات المالية المدققة منذ سنة 1993 وحتى سنة 2015 ضمنا خلال فترة لا تتعدى السنة إعتبارّا من تاريخ نفاذ هذا القانون (نشر في الجريدة الرسمية في 20 تشرين األول 2017 ). وبحجة هذه المادة، أقِرت موازنة 2017 من دون تصديق قطع حساب العام 2015، وبحجتها أقرّت موازنة 2018 في نيسان 2018، أي قبل انتهاء المهلة، من دون قطع الحساب.
تتحمّل الحكومة مسؤولياتها بإرسال مشروع قانون يتعلق بقطوعات الحسابات، يسبق إقرار الموازنة التي يشكل إقرارها موجبا.