كلما أردت إغراق نفسي في مزيد من الشقاء قصدت مكتبة أو دار نشر كبرى أو معرضا للكتاب ووقفت أتأمل الحجم الهائل لجهلي.
لطالما سافرت بلا أجنحة في الكتب المتهرئة الجوانب والتي تكاد حروفها تنطق باسم منضدها الذي بذل من الجهد فيها بقدر ما بذل المؤلف.
ولطالما تأكلتني الحسرة، حين يدفعني الفضول لدخول مكتبة في القاهرة أو في باريس أو في لندن، لشراء كتب جديدة قرأت أو سمعت عنها.
ما أقل ما قرأت. ما أضيق الوقت المتبقي والذي لا تتسع حتى دقائقه لكل هذا العدد من الكتب القيمة التي لم أقرأ ولن يتسنى لي بعد أن أمخر في عبابها ”لأفهم”.
.. وألمح الكتب تستعرضني بطرف عيونها وتكاد تعرض عليَّ ذاتها: هيا إلى داخلي فتدفأ. هيا أيها الجاهل: اقرأ!
لو أن الذين كتبوا عرفوا كم عدد الذين سيقرأون لما أمسكوا قلما. ولولا متعة الاكتشاف والرغبة في الإمساك بالهنيهة، والتشوق لأن يعرف العالم قصة الحب التي يراها صاحبها خالدة، لما كتب أحد حرفا.
ما أصعب أن تقف أمام حائط الغلاف، تقرعه بعينك ولا تفتحه يدك، فتتصاغر وتتحسر لضآلة ما تعرف ولخيانتك جهد أولئك العظماء الذين منحونا عقولهم فلم نستفد منها.
هدايا صديقي المستوطن الكتب المنسية، يوسف صقر، تأخذني بعيدا في الماضي فأستشرف المستقبل وأكاد أراه بوضوح.
لقد كتبوا لنا، بلّغونا، لكننا لم نقرأ.
إلى متى سنظل مصلوبين على دفة كتاب لم نفتحه فندخل العصر؟!