طلال سلمان

أقرأ فحسب … لست مسؤولاً عن الأخبار!

ناجي العلي في جريدة "السفير" بتاريخ 28 آذار 1984

تفرض ”أصول المهنة” أن تترك عواطفك خارج الاستديو، وأن ”تقرأ” نشرة الأخبار ”بحياد” مطلق: أنت مجرد مذيع، مجرد قارئ، مجرد ناقل، مجرد أداة وصل بين صانع الخبر وبين من يستمع إليه. اهدأ، إذاً، ولا تنفعل، كائناً ما كان الخبر. الانفعال يذهب بالموضوعية. العواطف تؤذي الصدقية. لا علاقة لك بطبيعة الخبر. قد تنعى وطناً أو تنعى أمة. قد يفزعك ”التزوير” في نص الخبر، كأن يصير ”الاحتلال” تحريراً، أو يصير ”المقاوم” إرهابياً…

لا عليك! لست أنت المسؤول عن انقلاب ”العدو” إلى ”حليف” أو إلى ”شريك”، أو عن تحول ”الاستسلام” إلى ”سلام”.

اقرأ فحسب. جمّد عينيك على اللوحة الضوئية أمامك، تابع شريط الكلمات التي تجري عليها بالسرعة المناسبة. اضبط نفسك، لا تنفعل إذا مرّت بك صورة طفل مزّقه الرصاص الإسرائيلي، أو مجموعة من النساء العراقيات يلطمن الوجوه ويتمسكن بعباءاتهن السوداء بينما الجنود الأميركيون يحاولون رفعها للتثبت من أن ”الماجدات” لا ينقلن السلاح. اهدأ وأنت ترى الدبابة الإسرائيلية تجرف بيتاً عمره من عمر فلسطين. تماسك وأنت تصف موكب تشييع ”سرب” من الشهداء. الموت حق. ثم ماذا فيها إذا ما استضاف ملك عربي أرييل شارون؟! وماذا يضيرك إذا صار العراق مِزقاً يتناهبها الكرد والتركمان وعرب السنة وعرب الشيعة واليزيديون والصابئة والأشوريون والكلدان؟! هل أنت مسؤول عن هوية العراق  الدولة  والعراقيين؟ .. وحتى لو افترضنا أن هذا التقسيم يؤسس لحرب أهلية، هل ينفي الخطر حقيقة أن الأهالي في بلاد الرافدين ينتمون إلى أكثر من عرق وأكثر من دين وأكثر من طائفة؟ وأين الخطأ في أن يطالب كل طرف بقراره المستقل ولو تحت الراية الأميركية؟

لا تتفلسف فتعتبر نفسك مسؤولاً عن تصحيح التعابير حتى لا تشوّه المفاهيم. ثمة كلمات قد طوت التطورات معانيها العتيقة: الاستقلال، السيادة، الكرامة الوطنية، القرار المستقل إلخ. كذلك عليك أن تنسى تعابير من نوع: الوطن، الأمة، الشعوب، الوطن العربي، المشرق العربي، المغرب العربي، وحدة المصير العربي، وحدة الهدف العربي، وكذلك النضال القومي، الكفاح المسلح… أما ”الجهاد” فكلمة قاتلة. احذفها حتى من القرآن!

كن موضوعياً ودقق في تعابيرك ولا تغرق في الوهم أو تتسبّب في تضليل مستمعيك والتغرير بالسذج منهم. قل الحقيقة ولا تخف: أنجزت القوات الأميركية الباسلة تحرير العراقيين من هويتهم المضللة الجامعة وأعادتهم إلى أصولهم الأولى.

وأقرأ: أنجزت القوات الإسرائيلية تحرير الفلسطينيين من ثورتهم ورئيسهم وميلهم إلى العنف وهواية الانغراس في التراب الذي  لسذاجتهم  يعتبرونه مقدساً!

احتلال يعولم ”المواطنين” فيجعلهم رعايا يحملون جوازات سفر صادرة عن مختلف دول الأرض، بينما هويتهم الأصلية منكورة عليهم..

واحتلال آخر يعولم ”الوطن” فينزع عنه هويته الأصلية ويجعله مشاعا لعسكر المحتلين المستقدمين من دول فقيرة ومكسورة كان أقصى طموحهم أن تتيسر لهم فرص عمل في أرض السواد، وكذلك للشركات المقبلة من الدولة الأغنى في العالم لتسرق نفط العراق وخيره، تاركة للعراقيين الوعد برفاه الديموقراطية.

نحن بخير. طمنونا عنكم

Exit mobile version