طلال سلمان

أديب علام ولد ليكون قاضياً.. ومات قاضياً

وُلد أديب علام ليكون قاضياً، وقد عاش كل حياته قاضياً، وحين جاءته المنية تصرف وكأن »القضاء« قد التقى مع القدر في اصدار الحكم المبرم، ولأنه مؤمن فقد صدع لإرادة الله ورجعت نفسه المؤمنة إليه راضية مرضية،
قاضياً عاش، صارماً في ابتعاده عن النافذين لإبعاد شبهة التأثير على احكامه، ومترفعاً في اقامة حواجز الصد مع المترفين والأغنياء الذين يتصورون انهم قادرون على شراء كل شيء: الضمائر والذمم والحقوق والرجال والنساء والأراضي والانعام..
ربما لهذا كله لم يكن أصدقاؤه كثرة، مع انه ودود، ولم تكن علاقاته واسعة مع انه يحب الناس، وبشكل خاص أبناء البيئة الأصلية التي خرج منها كاستثناء.
ولأن أسرته، التي تحمل تراثاً عشائرياً، موزعة بين »بلاد جبيل« وبين »بلاد بعلبك« وصولاً إلى ضواحي الهرمل، فقد اختار لسكنه »نيحا« التي تقع نقطة وسطاً بين بعلبك وزحله، وان ظل على صلة بجميع تلك المناطق، ومرجعاً من خارج السياسة لأهاليها،
ولأنه ولد ليكون قاضياً فقد حرص أديب علام على ان ينأى بنفسه عن السياسة والسياسيين، من دون ان يهمل قضايا الناس… ومثلما كان على القوس كذلك في اصراره على مصالح المواطنين: يطلب حقاً ولا يبذل شفاعة من أجل غرض لبعض »محازبيه« أو أنصاره.
ولأنه ولد ليكون قاضياً، والقضاء نفي للشك بالدليل القاطع، وابتعاد عن عوامل التأثر بصلة القربى أو الصداقة أو المصلحة، فقد كان ينتقي أصدقاء وهم قلة بميزان الماس، ولذا فهم في الغالب الأعم من خارج نطاق محترفي السياسة،
على ان الكتاب كان صديقه الحميم، وهو قد قرأ كثيراً، ليس فقط في القانون وبأكثر من لغة بل كذلك في الأدب والثقافة عموماً، وكان كلما استوقفه اسم جديد على اذنه أو ذاكرته رجع إلى »لسان العرب« أو إلى الأغاني فلا يترتاح حتى يكتشف له أصلاً.
ولقد تزوج أديب علام بحكم من أحكامه، أي بعد تفكير وتمحيص ودراسة »ملف القضية« بكل حيثياته… وعلى هذا فقد جاء القرار غير قابل لأي وجه من وجوه المراجعة أو النقض، وان كان قد أعطى ثماراً طيبة،
أديب علام واحد من خريجي مدرسة الصمت، كقاض… وقد ظل على انتمائه لهذه المدرسة وهو يتدرج صعوداً، حتى المجلس الدستوري، لكأنه كان يزن كلماته بذلك الميزان الشهير الذي يعتبر رمزاً للعدل.
أديب علام صفحة مشرقة في تاريخ القضاء في لبنان، وبرحيله انطوى واحد من اعلام النزاهة. رحمه الله وعوض لبنان به قضاة يحكمون بالعدل وليس إلا بالعدل.

Exit mobile version