طلال سلمان

أبو شوقي

مع غياب أبي شوقي ستنتهي حقبة من حقب السياسة المحلية في لبنان، وستختفي بعض أواخر ملامح النظام الذي كان ثم أخلى مكانه لنظام آخر في جو محلي مختلف ضمن أفق عربي مختلف في ظل مناخ دولي غير مسبوق.
ذلك ان محمد صفي الدين الذي بدأ حياته محامياً فقاضياً، قد ولد سياسياً وعاش حياته سياسياً حتى آخر نفس ورحل عن الدنيا والسياسة، كما عرفها فأتقن لعبتها التي كانت ممتعة على وشك الرحيل أيضاً.
ولقد استطاع السيد الذي اطل على السياسة أسعدياً ان يكون في الوقت نفسه شهابياً ، وأن يكون قريباً من الإمام موسى الصدر، وأن يكون جسر تفاهم مع الرئيس سليمان فرنجية، وأن يتولى محاورة بشير الجميل، وهو ركن من أركان جبهة المحافظة على الجنوب ، بل يمكن القول ان أبا شوقي لم يصنف في أي يوم خصماً لأي جهة وإن كان له موقفه الخاص… فلما صارت الكلمة للسلاح توارى السيد عن المسرح، من دون ان يغادره، وظل على نشاطه الاجتماعي ذي المضمون السياسي بطبيعة الحال، ورفيقه الدائم زميلنا الكبير زهير عسيران، أمد الله في عمره.
ولطالما التقيت، عند قدومي إلى مكتبي صباحاً، أو عند مغادرتي ظهراً بجاري العزيز أبي شوقي وهو يتأبط ذراع مرافقه قادماً إلى مكتبه في بناية مكي أو عائداً منه، سيراً على قدميه، صيفاً وشتاءً.
أما عن ذاكرة محمد صفي الدين فحدث ولا حرج.. انه لا يكاد ينسى أحداً عرفه أو موضوعاً قرأ فيه وعنه.. وكان بعض أصدقائه يطلق عليه لقب الكومبيوتر . فهو يستذكر حتى التفاصيل، أما الوقائع فإنها منقوشة بتفاصيلها، بالساعة واليوم والشهر لا بالسنوات فحسب.
رحم الله أبا شوقي الذي ظل بعد النيابة والوزارة وجهاً من وجوه الحياة السياسية، أيام كانت السياسة لأصحاب العقول والفتاوى والاجتهادات والحلول الوسط والتسويات المريحة والتفتيش عما يقرب بين الناس لا عما يباعد بينهم.

Exit mobile version