طلال سلمان

آن للفارس أن يترجل: العميد غسان ملحم

فارساً عاش، وفارساً قاتل حتى الرمق الأخير، وفارساً ارتحل من دون ان يلقي السلاح في الرحلة الأخيرة راضياً مرضياً، وانتهى الفصل الحزين من اسطورة العميد غسان ملحم.
ما أبعد المسافة بين نقطة البداية في بعض مجاهل الريف البعلبكي المهمَل والمتروك للريح، وبين لحظة الافتراق و»العميد« قد بلغ القمة بالجهد والعرق والإباء، وقد تحققت بعض أمانيه فلم يعد الجيش رهينة الطائفية، ولم يعد دوره الاشراف على »الفتنة المنظمة«، ولم تعد المنطقة التي جاء منها تموت في ظل النسيان، وها بكره »فوزي« يقف على منصة التخرج في الجامعة الاميركية يلقي خطاب هؤلاء الفتية الذين سيصنعون المستقبل الأفضل.
غسان ملحم »طليعة« ذلك الجيل الذي ولد في قلب العوز وافتقاد الدور… وكان عليه، كما على أقرانه، ان يحفر طريقه الى الغد في صخر الجبل بأظافره، فلم يكن متاحا له ان يكمل تحصيله العلمي الا بالتفوق، فلا »ظهر« للإسناد، ولا ملجأ للشفاعة ولا سبب للمحاباة: تنتزع المكانة بجهدك او تظل واحداً من »الازلام« في طابور »النكرات« ينتظر نعمة الوظيفة التي بالكاد تسدّ الرمق.
في التعليم كانت البداية، لكن الطموح كان معلّقاً بالمدرسة الحربية، فلما اجتاز بوابتها الى العمل العام بدأت تتكشف لعينيه الحقائق السياسية الجارحة التي تتهدد البلاد في وحدتها… ثم لم تلبث الرياح السموم والمصالح الاجنبية والمطامع الشخصية، وكلها مغلّف بالطائفية ان دفعت الناس الى وهن الحرب الاهلية.
ولقد حاول غسان ملحم مع ذلك النفر من المخلصين ان يحيّدوا الجيش، فلما عمّت الفتنة قرروا ان يدّخروا لإعادة بناء المؤسسة على قاعدة وطنية صلبة تحميها من الانحراف بحيث تهادن العدو وتخاصم الأخ الشقيق وبهذا يتأكد دورها في توحيد الوطن.
ولم تكن مصادفة ان يشرف العميد غسان ملحم على انتشار الجيش في الجنوب، بعد جلاء الاحتلال الاسرائيلي عنه، او ان يتولى قيادة اول عرض عسكري رمزي، داخل مبنى وزارة الدفاع، ايذاناً بانتهاء »التمرد«، وعودة الشرعية الى دولتها.
… في الانتخابات النيابية الاخيرة، فوجئنا بقرار العميد غسان ملحم، ان يرشح نفسه، وكان قد عاد حديثاً من رحلة علاج طويل ومضنٍ في الولايات المتحدة الاميركية. قال: انه قرار يعكس بعض ارادة الصمود.
لقد آن لهذا الفارس الذي هدّه المرض الخبيث دون ان ينال من ارادته، ان يترجّل… وها هو قد ترجّل، أخيرا، مطمئنا الى ان الجيل الجديد الذي عقد عليه آماله، سيكمل المشوار الى الهدف المرتجى، وسيقوم بدوره في بناء الغد الأفضل لمنطقته كما لوطنه.
رحم الله عميد فرسان الجيش: غسان ملحم.

Exit mobile version