طلال سلمان

يا حكام لبنان تعلموا القراءة

كتب نصري الصايغ:

عليك أن تتعلم القراءة جيداً. لغتك القديمة لا تنطق بالجديد. اعتدت على مشاهد مذلة. “ابطال” السياسة يملكون ادوارهم، ويتُفونَها في اسماع الاتباع. والاتباع. اوفياء جداً، يصغون ويطيعون ويتحركون كالدمى. كل طائفة مسرح، واللاعبون يداومون على سخف سياسي، يثير غرائز من لاعقل لهم ولا قيم.

ولكن لبنان هذا تغير. انفجر الشارع بناسه القادمين من المستقبل. تاركين السلطة عارية بالتمام، مفضوحة بشتى انواع الاتهام، ولا تتجرأ على براءة ذمتها. تعوِّض عن عارها، باستعادة اقامتها على رؤوس الرماح في طائفتها.

انما الفضيحة المستشرية لم تعد تخجل من السفور. لقد مزَّق سكان الساحات والشوارع اروية الزعامات الفخمة. عروها من ورقة التوت. بانت عوراتها السياسية: سرقة، نهب، فجور، اغتصاب، انتهاز، كذب، بيع وشراء، إفراغ الدولة من معانيها، تحنيط النظام الطائفي السافل. ارتكاب مد اليد للخارج. استقبال الهبات كالسرقات. الاصغاء لكملة السر، ريادة السفارات والحج إلى منابع المال، افراغ المؤسسات ومصادرتها، وضع اليد على الممتلكات العمومية، التهرب الضريبي علانية، الاستهتار بصحة الناس وتكاثر الأوبئة بسبب فساد البيئة، ال… أل… انتهاء بالفجور وحضور حفلات التكريم وتقبيل اياديهم من عبيدهم المدربين على عض المظلومين والطيبين والمنبوذين. ولذلك، تيسَّر لهم، لهم كلهم، لهم بالجملة، أن يأخذوا كل لبنان، ويتقاسمونه كغنيمة، استناداً إلى شريعة الغاب الطائفية، المتأصلة في النفوس والمعفاة من النصوص.

ولكن هذا قد انتهى. الشارع، قدس اقداس الناس، امتلأ بحناجر تنبض بالحياة. صار الشارع بلحظات مليونية، اقوى من السلطة ورموزها وقادتها وطوائفها وأجهزتها وجلاوزتها. لبنانهم على حافة الهاوية. لبنان الناس قيد الولادة. لذلك، عليكم، أن تتعلموا القراءة جيداً، وان تصغوا إلى ما يصدره الشارع من اوامر. وحسنا فعلتم انكم نفذتم بسرعة استقالة حكومة، كانت تتحكم ولا تحكم.

اقرأوا جيداً. لبنانكم لن يعود اليكم كما كنتم. لم يعد ملعباً لطموحاتكم الوضيعة، وألاعيبكم الحصصية، وموازينكم المغشوشة والغاشة. وما تحاولونه اليوم، في فترة ما قبل التكليف، وما ستقومون به من بهلوانات تحاصصية في مرحلة التأليف، مرفوض، إذا قرر الشارع ذلك. الساحات، اخذت حق الأمرة. تقول: الأمر لي. باسم المليونية الشعبية.

وإلى من اعتاد الركون إلى نظرية المؤامرة نقول: هذه تهمة قديمة، تلجأ اليها الانظمة والطبقات السلطوية الحاكمة. يسهل عليها أن تدس تهمة العمالة، وتهمة الامبريالية، وتهمة المخابرات، وتهمة التمويل. هذا أمر مكرر ومعروف ومفضوح، ولا برهان عليه البتة. ولوكان هناك برهان، لقلنا لكم هاتوه، لنهتك عرض من يبيع الحراك بثلاثين من الفضة. تهمة المؤامرة جاهزة لحماية السلطة والفاسدين فيها. علماً، أن الاجهزة والمخابرات والسفارات، تجهد وتنجح في استجلاب عملاء من ميول واتجاهات متعددة. هذا دورها التاريخي. صناعة الجواسيس والعملاء، شغالة دائماً. وهي مندسة ومنتشرة في كثير من مركز القرارات السياسية والسلطوية، أكثر بكثير من ساحات الجماهير الشعبية… قرأنا لـ”مناضلين” سابقين، سخفاً مخابراتياً معيباً لأصحابها. خلص. “طق شرش الحياء”. هؤلاء مع السلطة بكل ارتكاباتها، ومع النظام، بكل آثامه. لقد اسقطت الساحات المنتشرة في كل القارة اللبنانية، من الشمال إلى الجنوب إلى الجبل، إلى المدن، إلى البلدان، إلى القرى، عابرة الطوائف والمذاهب والاحزاب والتيارات كل المنافقين.

هذا لا يعني أن العدو قد رمى سلاحه واستسلم. هذا العدو، ذو الولاءات الخارجية المعلنة جداً، يستعد لخوض معارك طائفية انطلاقاً من تحشيد زمرة من طائفته، للتظاهر واقفال الطرقات. ولا يخشى ابداً، أن يكون هناك، شارع سني في مواجهة شارع ماروني، في مواجهة شارع شيعي في مواجهة شارع درزي… ليس عند السلطة غير هذا المنطق لاستعادة مواقعها. مستعدة لتشعل لبنان، ولسنوات، لتحفظ مكانتها في السلطة. الطائفية تصبح اقوى عندما تخوض عمليات السفك. انها ترتوي بالدم.

أ ب. وهذا، معصوم منه الحراك. سلميته اقوى من عنف السلطة وطوائفها. تعلموا القراءة. البناء لبنان الجديد: اللاطائفية والذهاب إلى الدولة المدنية. طموح صعب؟ لم لا. عشنا مئة عام في طاعون الطائفية. الجيل اللبناني يسخر منا. من طائفيتنا، من تخلفنا. انه جيل واع جداً، تربى على شرعة حقوق الانسان والمرأة والطفل. جيل مؤمن بقيمة العدالة واهمية المساواة. جيل متمسك بالديموقراطية والتي تبرهن على جدواها، من خلال اعلاء شأن الدستور والقوانين والالتزام بتطبيقها، مكافأة او محاسبة. جيل يستهول حجم المذلة، فائض الديون، وصولاً إلى تفاوت طبقي مشين، بين قلة تصل إلى الواحد بالمئة من الاثرياء، و99 بالمئة من الغلابى.

لبنانكم هذا، اللعنة. خذوه معكم إلى مدافنكم سريعاً، لأن وطناً آخر سيولد، بصعوبة كبيرة، انما، بعزيمة أكبر.

لن يهزم الحراك، ولو تحركت الشوارع الطائفية. وإذا، هزم هذا الحراك، فاستعدوا أيها اللبنانيون المتبقون، للعيش بمذلة.

لن تسيروا بعدها على اقدامكم، بل على جباهكم.

فليختر المعركة ما زالت في البداية. فيختر كل لبناني موقعه. انما، أرقى المواقع وأفضلها، هذه الساحات الممتلئة بأهلنا الذين كانوا قد فقدوا الأمل، وعاقروا اليأس، واضطروا إلى التبعية.

غدا حراك… بعده حراك… ما بعده أكثر من ذلك. قريباً جداً، سيظهر لنا في الافق، وطن صغير، بمواصفات تشبه شبابه المنتشر في الساحات.

اخيراً… تعلموا القراءة… والكتابة كذلك. وأفضل ما تكتبونه غدا، الاستقالة من السياسة مع الاعتذار.

هل هذه أحلام؟

يحق لنا أن نحلم. وجدير بنا أن نحقق بعضها. والى اللقاء دائما. في الساحات التي فتحت صدورها لإيقاعات ونبض اراداتنا. ينقصنا الكثير. ولكن ما لدينا الآن، يكفينا، كي نملي على الطغمة الحاكمة ارادة التغيير. الغضب ما زال في اوله. فخافوا عن جد.

Exit mobile version