طلال سلمان

ولادة الوطن..

كانت كلمة “الثورة” في منزلة الأمنية بالنسبة للبنانيين.. يعيشونها في أحلامهم، يتعاطفون معها، فكرة وتفجراً شعبياً يطيح أنظمة الظلم والظلام، يذهبون الى ميادينها متى كانت قريبة في دمشق وبغداد والقاهرة وصولاً الى الجزائر.

اصطدموا بنظامهم الطائفي بدل المرة مرات.. لكنه كان ينتصر عليهم بالفتنة: يحرض بعضهم ضد البعض الآخر بتحريك غرائزهم الطائفية: فاذا كان الهتاف ضد رئيس الجمهورية الماروني مثلاً، اتهموا بالعمل لإحداث الفتنة.. وهكذا دواليك بالنسبة لرئيس مجلس النواب الشيعي ورئيس الحكومة السني الخ..

صار “الرؤساء” محصنين بطوائفهم، وحتى الوزراء والنواب ممن تطالهم الشبهات بسرقة المال العام، كانوا يلجأون الى تحوير الموضوع الى خانة طائفة المتهم أو مذهبه ليتبدى وكأن المقصود كل من ينتمي الى تلك الطائفة مما ينذر بالفتنة.. فيصير الخوف من الفتنة مصدر براءة المذنب والمرتكب ويكتسب حصانة مزورة من خلال انتمائه الطائفي.

صار المواطن هو “المتهم” وهو “الجاني”: انه لا يفهم في القانون. انه لا يعرف شيئاً عن الأصول، ولا عن موجبات الانفاق، أين وكيف ولمن ولماذا؟


خلال هذا الشهر المضيء، وامام عيوننا جميعاً، وفي حضورنا، نشهد ولادة لبنان الوطن.. اختفى كل الذين صاروا زعماء بالإثارة الى حد تخويفنا من الفتنة.

اننا نشهد سقوط خريطة سايكس ـ بيكو التي رسمت على قاعدة تقسيم الشعب الى طوائف، وتخصيص الطوائف بالمناصب العليا، بحيث يصبح للكيان (الذي ليس وطناً) مبررات وجوده، وتصبح الوحدة الوطنية وتجاوز العصبيات الطائفية والمذهبية، تهديداً للكيان.

ها هم اللبنانيون في مختلف الجهات والأنحاء، انطلاقاً من بيروت الى طرابلس فالقبيات وحلبا، ومن صيدا الى النبطية ومرجعيون والخيام وبنت جبيل، ومن جل الديب الى جونيه وجبيل وبعبدات وفاريا، ومن عاليه الى برجا وشحيم وبعقلين ودير القمر الخ، ومن زحلة الى بعلبك والهرمل ودير الأحمر كما الى المرج وكامد اللوز ومشغرة وصولاً الى حاصبيا وراشيا الخ.

هؤلاء هم اللبنانيون الذين وزعهم النظام الطوائفي على أحزاب وهيئات طوائفية وقسم المناصب (والأرزاق)، الرئاسات والوزارات والادارة على قواعد طائفية صارمة، تتجاوز وحدة الشعب لتتعامل مع أبنائه بطوائفهم ومذاهبهم.

هؤلاء هم اللبنانيون ينتبهون، أخيراً، الى أنهم “شعب واحد” بمطامح واحدة، ومطالب واحدة، وهموم واحدة.. وان عدو مصالحهم ومطامحهم واحد، هو هذا النظام الطوائفي الذي لا يمكن ان يعيش إلا بتقسيمهم وتشتيتهم ايدي سبأ ليبقى الأعظم طائفية أو مذهبية هو الحاكم، بل وهو الوصي الذي يوزع على الرعايا الشهادة بالوطنية وحمل الهوية ذات الأرزة.

لقد انتبهوا، أخيراً، الى أن أهدافهم توحدهم، تماماً كما آمالهم وحقوقهم على دولتهم، وانهم اذا ما تلاقوا في ميادين العاصمة وطرابلس وصيدا وصور وبنت جبيل كما في ساحات بعلبك والعين ودير الأحمر وراس بعلبك، وفي مختلف مدن الجبل، بكسروان وجبيل والمتن وبعبدا.. سقط النظام في مزبلة التاريخ.

وها هم الآن في الميدان، وقد تلاقوا بعد افتراق وتباعد وتنافس وتباغض بين ركائز النظام الطائفية والمذهبية التي ترتكز اليها الزعامات السياسية الفاسدة والمفسدة، والتي تستغل النظام الطوائفي لتحطم صورة الوطن الواحد الجامع وحاضنة بنيه كافة ومن دون تمييز بينهم على قاعدة الانتماء الطائفي.

لقد ولدت الانتفاضة المجيدة التي استحدثها اللبنانيون في الساحات والميادين هويتهم الواحدة والوطن الواحد.
صار للبنان شعب واحد موحد.

صار لبنان وطناً حراً كريماً.

Exit mobile version