طلال سلمان

وطن لشعوب كثيرة

نشر هذا المقال في جريدة “السفير” بتاريخ 29 أيار 2013

منذ شهور وأقطاب الطبقة السياسية يتناوبون على توجيه الإهانات الجارحة إلى «الرعايا» الذين يفترض أن يكونوا «ناخبين» ومصدر شرعية المجلس النيابي الجديد ـ القديم. يتلاعبون بالقانون. يجرّدونه من مضمونه. يحوّلونه إلى محطة لضخ أسباب الفرقة والتمييز بين «الرعايا» على قاعدة طائفية، معززة بدعامات مذهبية ودائماً تحت عنوان السعي إلى «الديموقراطية» التي لا يمكن الطعن في ملاءمتها التراث العريق «للشعوب اللبنانية» في طلب الحرية.
تنقسم الطبقة السياسية إلى فريقين، ويختارون من بينهم حَكَماً، وينزلون إلى ملعب «الديموقراطية بالطائفية». يمرّرون مشاريع القوانين، وكلها كفيل بحرمان «الرعايا» من الحد الأدنى من حقوقهم كمواطنين. يستنفرون طائفيتهم ومذهبيتهم. يدمّرون ما تبقى من ركائز وحدتهم ومن مصالحهم المشتركة. لا يعود اللبنانيون مسيحيين ومسلمين. يشقهم القانون ـ بالديموقراطية ـ إلى موارنة وأرثوذكس وكاثوليك، ثم إلى أرمن وأقليات… ويشقهم في الجهة الأخرى من الملعب إلى سنة وشيعة ودروز وعلويين.
ينزل رجال الدين إلى الحلبة باعتبارهم من حماة الديموقراطية الطوائفية. يشتد الجدل الجارح حول حقوق كل طائفة باختيار نوابها، مباشرة ووحدها، يعتبرون أية مناقشة اعتداء على كرامة الطائفة. لا تُبنى الديموقراطية على كرامات الطوائف بل بها. الشعب قطعان، ولكل قطيع «مرجعيته» الخاصة، وأي نقاش حول الديموقراطية تهديد للوحدة الوطنية.
كل يوم تستنزف هذه الوحدة الوطنية في قيمتها ومعناها ودلالاتها.
تصبح الوحدة الوطنية شبحاً مخيفاً لحقوق الطوائف.
يصبح «الرعايا» الذين غادروا طوائفهم ـ سياسياً ـ مجاميع من الخوارج لا بد من إلقاء الحجر عليهم حتى يرجعوا عن غيّهم و«غربتهم» إلى أحضان مرجعياتهم الطائفية ـ السياسية، حرصاً على كرامة الطائفة ووحدتها… وكلتاهما أعز ألف مرة من وحدة الوطن وشعبه.
هكذا ننتهي إلى عظمة لبنان القادر، على صغر مساحته وضآلة عديد الرعايا فيه، على أن يكون «وطناً» لشعوب كثيرة.
وهكذا يثبت بالدليل الحسي أن هذه الطبقة السياسية المتحكّمة بمصائر رعاياها، بما في ذلك الوظيفة والرزق، قادرة ومؤهلة لإشعال نيران الحرب الأهلية بين هذه «الشعوب» التي لا يجمعها جامع من أرض ومصلحة وقيم تجسّدها الدولة، والجاهزة دائماً للاندفاع إلى المواجهة حماية لمقدساتها المزعومة.
الجديد أن هذه الطبقة السياسية باتت توظف مخاوف الرعايا اللبنانيين من تداعيات الأحداث الدموية التي تشهدها الدول المجاورة، وأولها وأخطرها سوريا، من أجل التمديد للمجلس النيابي وبذريعة أن الديموقراطية التي تعرفها خير من الديموقراطية التي في الغيب.
تتوغل الطبقة السياسية في دماء الجيش وقد حوّلته إلى قوة فصل بين الطوائف والمذاهب في بعض المدن والجهات، وتشكّك في وطنيته وفي جهوده المضنية لوقف إطلاق النار بين الطوائف فيدفع الثمن من هيبته وكرامته وحياة ضباطه وجنوده.
مبروك: لقد انتصرت «ديموقراطية» الطبقة السياسية بإرجاء موعد الانتخابات، وبالتعمية على قانونها العتيد، ووجهت إلى وحدة البلاد وضماناتها ضربة موجعة جديدة، واستمر رموزها «نواباً» إلى أجل غير مسمى… وبقي أن ينجحوا في زيادة مرتباتهم والمخصصات والسيارات التي لا تدفع جمارك، وكذلك أعداد المرافقين في هذه الظروف المضطربة.
عاشت الطبقة السياسية وإلى جهنم لبنان والديموقراطية، وبئس المصير!

Exit mobile version