طلال سلمان

وداعاً للسلاح.. بل وداعاً للسلام

الثالث عشر من نيسان ما عاد يوماً لبنانياً.
الثالث عشر من نيسان، هو كل يوم في سوريا. هو على مدار الايام في العراق. هو على مدار الازمنة في اليمن. هو على مدار القبائل في ليبيا، وهو يطرق ابواب مصر، فيصيب في القلب والاطراف والمعتقدات.
الثالث عشر من نيسان استوطن بلاد العرب.
لعنة العنف “تبارك” القتل. تحرض طائفياً ومذهبياً واثنياً. تستدعي التوحش. لعنة، لم تأتِ من تلقاء نفسها. استدعتها الحشود التي تربت على القهر والانسحاق والتمييز والتشييء. هيأت الانظمة الاستبدادية الظروف المثالية لتحويل “الربيع العربي” إلى توحش متبادل، بين القادمين من سحيق الازمنة الدينية الممهورة بالتعصب والممولة من أنظمة “الذهب الاسود” في الخليج العربي وبين الانظمة الديكتاتورية… لعنة العنف، انتهزتها جماعات تدربت على التكفير وعلى اسلام “اخواني” و”وهابي” و”سلفي” و”قاعدي”، ولا تزال.
المقتلة من عمر الحرب اللبنانية.
لم يتعلم منها أحد بعد. ليل العرب الطويل لونه أحمر.

*****

في 13 نيسان 1975، أي منذ نصف قرن الا قليلاً، دخل لبنان في حرب بكلفة 100 ألف قتيل، بـ 800 ألف مهجر، بـ 24 ألف مفقود، بعشرات المليارات من الخسائر. حرب افضت إلى اتفاق، داسه امراء الحرب القتلة، وتركوا لبنان، خرقة سياسية رثة ومنصة للصوصية والنهب والفساد والسلطة… لقد ذبحت الحرب اللبنانيين مرتين، الأولى في معارك الطوائف والمذاهب وقتال الجميع ضد الجميع، وتبادل الأنخاب فوق المجازر وعلى ضفاف المقابر الجماعية، والثانية، في معارك الافتراس السلمي الذي استباح الشعب وهدد الكيان، ويأس الناس… يكاد سلم لبنان يؤاخي الحرب. الحراك السياسي فيه، قتال على المغانم بشعار التوافق.
يفاخر لبنان اليوم بأنه لا يشبه محيطه في العنف. يصور لهم نظرية تقليده بعد وقف القتال. يقدم لهم نموذجه الفاشل كحل خلاصي لحروب العبث الاقليمية والدولية والمحلية. يظن لبنان انه بنصيحته الغبية هذه، يحمي نفسه من تداعيات الاقليم. يفترض أن معاركه السياسية آمنة، ولا يرى انها على حافة العنف الطائفي والمذهبي. الصراع الطائفي لم يتوقف لحظة، منذ اتفاق الطائف. النزاع المذهبي ناشط ومنضبط، ومستمر كظل حقيقي لصراع المحورين، الايراني والسعودي.
مؤسساته شهدت مخاضاً رئاسياً تعطيلياً لأكثر من عامين، وتأليف حكوماته بحاجة لشهور تقارب السنة، اما القانون الانتخابي العتيد فقد استهلك 8 سنوات حتى الآن… هذا اللاعنف ليس فضيلة. انه يحمل في طياته بذور الانشقاق والانشطار. يحتاج إلى لحظة مؤاتيه فقط.

لماذا كل هذا؟

فاتنا قطار الديموقراطية. اكتظت البلاد بأنظمة الاستبداد. ظنت انها تستطيع بالأمن أن تلغي التناقض. منعت الحوار. أصرت على انها أبدية وسلالية. تحولت السلطة معها إلى ثروة فائضة. عملت على أن تكون القبضة الامنية للتدجين. بلغ السيل الزبى. إلى أن جاءت اللحظة. شرارة البوعزيزي في تونس، هزت قلاع الديكتاتوريات. تصيدتها الحركات الاسلامية، التي جاءت من اقبية الانظمة ومن خزائن النفط والعقائد السود. فانفجر البركان. الزلزال لم يتوقف بعد.
بعد حرب 13 نيسان، أحصى لبنان خسائره فكانت مذهلة. ما زال يدفع فاتورة ما بعد الحرب. القتلى ماتوا مجاناً. قبل الحرب كان لبنان السيء أفضل من هذا اللبنان بمرات.
من يحصي خسائر السوريين والعراقيين واليمنيين والليبيين والصوماليين والسودانيين؟ هذا، والحرب ناشطة، ولا محطة محتملة لتقول هذه الشعوب “وداعاً للسلاح”.
السؤال المقلق بعد هذه الحرب ماذا سيبقى من سوريا واليمن والعراق وليبيا…والاخرين؟
ليل العرب مديد ولونه احمر.

Exit mobile version