طلال سلمان

واقع العرب ومستقبلهم من خلال المونديال وكرة القدم

ينقل الرواة عن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر انه قال في معرض التعليق على تفوق الطيارين الأجانب على الطيارين العرب خلال المواجهات في الجو، خلال الحرب: – ان تدريب الطيار البريطاني أو الأميركي يبدأ مع اختياره وهو فتى ليكون طياراً حربياً .. وقد يستغرق هذا التدريب عشر سنوات، ويهتم بصحة الفتى وإلزامه بنظام صحي صارم ثم يلزمه بممارسة أنواع محددة من الرياضة، حتى إذا ما اطمأن المدربون الى صحة التلميذ الضابط باشروا بتعريضه لمخاطر مدروسة على الأرض ثم في الجو، لمتابعة ردود فعله حتى إذا ما اطمأنوا سمحوا له بالطيران تحت رقابة مدربه، ولا يترك لوحده في غرفة القيادة إلا بعد الاطمئنان الى يقظته وردود فعله في مواجهة المصاعب، ثم يكون الإمتحان الأشق لأعصابه في مواجهة الأحوال الطارئة.

ويقول هؤلاء الرواة ان عبد الناصر كان يختم كلامه بصوت فيه رنة حزن: اما نحن في مصر، ومجمل البلاد العربية، ولأسباب معروفة تتصل بشؤون التربية والتغذية والمحيط غير الصحي ونقص الإهتمام بالرياضة، فلا يمكننا اختيار تلميذ مؤهل ليكون طياراً حربياً إلا بنسبة واحد من كل عشرة آلاف طالب، أما في الغرب الأميركي والأوروبي على حد سواء، فالنسبة هي طيار واحد من كل ألف طالب مرشح ليكون طياراً..

نروي هذه الواقعة لمناسبة المونديال، والخيبات التي عاشها الجمهور العربي (الموحد في عواطفه فوق رءوس حكوماته) وهو يتابع مباريات هذا الحدث الرياضي الكوني بمزيج من مشاعر الحزن وخيبة الأمل والدونية والغربة عن العصر..

ولقد انتبه هذا الجمهور العربي الى ان “السليقة” وحدها، والعيش في الشارع في قلب الفقر والتسرية عن النفس كل ذلك لا يكفي للفوز بالمباراة والتخلص من الكرب والشعور بالمهانة عبر الضغط على حارس المرمى والنجاح في تمرير الكرة الى الأكفأ والأقدر على “قراءة” الموقف ومن ثم التسديد وتحقيق الفوز.

لقد برزت في المباريات التي خاضتها فرق عربية عديدة (من السعودية ومصر، والجزائر، والمغرب وتونس) كفاءات ممتازة، وسجل بعض اللاعبين المهرة أهدافاً صعبة في مواجهة فرق أوروبية ولاتينية مميزة، ولكن ذلك لم يكن كافياً لاحتلال مراتب متقدمة، أو حفظ ماء الوجه بعدم الخروج من المونديال قبل نهاية برنامج مبارياته.

*******

في الماضي القريب لهذه اللعبة الشعبية المثيرة للحماسة، كانت المراتب الأولى محجوزة للفقراء من لاعبي الكرة في الأحياء المهملة من مدن اميركا اللاتينية، لا سيما الأرجنتين والبرازيل،

وقد صار بعض أبطال اللعبة من “النجوم”، بل ان بينهم من أمثال بيليه ومارادونا ونيمار وميسي، صاروا أشبه بمزيج من الأسطورة والقديس والبطل الوطني..

وحين باشر الأوروبيون الاهتمام الجدي بهذه اللعبة التي تعاظم جمهورها في العالم كافة، كان القرار أن يدرسوا “الخصم” أو “المنافس” ويتعرفوا على نقاط ضعفه وأسباب تفوقه، وأن يهتموا أكثر بتدريب فرقهم، وببناء الملاعب الفخمة، وأن يشجعوا الجمهور باستنفار “وطنيته” وحماسته، للتعويض عن الخسائر الفادحة التي منيت بها دولهم بانتهاء عصور الاحتلال العسكري واستعمار بلاد الآخرين.

******

أما إذا انتقلنا من الرياضة الى السياسة فإننا سوف نجد أن أحوال العرب في حاضرهم أسوأ بما لا يقاس عما كانت عليهم في ماضيهم.

كانت رابطة العروبة تجمع العرب في مشاعرهم الأخوية تجاه بعضهم البعض، وقد أكدت التطورات المهمة التي شهدها الوطن العربي، انطلاقاً من مواجهة العدو الإسرائيلي في فلسطين، ثم بالحرب التي فرضها الغرب بالقيادة البريطانية ـ الفرنسية مع مشاركة العدو الإسرائيلي في العدوان الثلاث في خريف العام 1956.. وصولاً الى هزيمة الخامس من حزيران (يونيه) 1967، تضامناً مقبولاً (مع شيء من الشماتة الضمنية بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر) مكن من اتخاذ خطوات عملية لنقل التضامن من الإطار النظري الى الميدان العملي..

أما بعد رحيل عبد الناصر فإن آخر مشهد في مسيرة وحدة المصير قد تجلى في حرب رمضان ـ العبور ـ تشرين المجيدة في العاشر من رمضان، السادس من اكتوبر 1973..

بعد ذلك سيتفرق العرب أيدي سبأ، بل ان دولهم سوف تتخاصم، وقد وصلت الخصومة في لحظات الى قطع العلاقات وسحب السفراء ونقل مقر جامعة الدول العربية من القاهرة الى تونس.. ولم تعد الى مصر إلا بعد سقوط أنور السادات مع اغتياله في 6101981 وخلال العرض العسكري لمناسبة ذكرى حرب رمضان المجيدة.

*******

نصل الى حالة العرب، عبر دولهم، اليوم..

ان العلاقات مختلة اختلالاً كبيراً، وقد وصلت في حالات معينة الى حد المقاطعة وسحب السفراء وتبادل الحملات السياسية القاسية (السعودية ومعها الإمارات وقطر).

كذلك فإن العلاقات العربية مع سوريا مشلولة وشبه مقطوعة، وما حرصت عليه بعض الدول (مصر، مثلاً، ولبنان) فهو إبقاء “شعرة معاوية” مع دمشق، مع عدم الإعتراض على طردها بقرار قطري من جامعة الدول العربية، و”حرمانها” حتى اليوم من المشاركة في اجتماعاتها وبالتالي في قراراتها… وطبعاً في مؤتمرات القمة العربية، بينما التطورات التي تشهدها المنطقة خطيرة جداً، وأخطرها ما يتصل بمستقبل القضية الفلسطينية والقرارات الأميركية العدائية متمثلة بنقل سفارة واشنطن الى القدس المحتلة والحديث عن قرب اعترافها بالمدينة المقدسة عاصمة لدولة الإحتلال.

والعلاقات بين دول الخليج العربية بالقيادة السعودية والعراق مختلة وغير متوازنة وغير مستقرة..

وبرغم المظاهر المطمئنة فان العلاقات بين مصر ودول الخليج بالقيادة السعودية تتبدى، حتى اليوم، كأنها “شخصية” وترتبط بالرئيس عبد الفتاح السيسي أكثر من ارتباطها بالدولة المصرية.

ويقول العارفون ان هذه العلاقة مكلفة.. خصوصاً وان السعودية (ومعها الإمارات) كانت ترغب في أن تشارك مصر معها في الحرب على اليمن.. لكن القيادة المصرية تحفظت على المشاركة الميدانية، وان هي جاهرت بالتحفظ على “التدخل الإيراني” في اليمن، وتعاملت مع حزب “أنصار الله” أو الحوثيين على انهم مجرد واجهة يمنية لهذا التدخل الذي لم يسقط فيه أي جريح أو (أسير) إيراني..

******

لم يكن ممكناً أن يقوم اللاعب المصري الممتاز محمد صلاح بعبء انقاذ سمعة العرب وقدرات شعوبهم المقيدة بأوامر النظام، أي نظام وكل نظام عربي، في المونديال..

فكتابة التاريخ العربي الحديث مهمة جماعية ملقاة على الشعب العربي في جميع أقطاره، لا يمكن أن يقوم بها فرد أو مجموعة أفراد مهما بلغت كفاءتهم..

ولكي يحضر العرب لا بد من الديمقراطية، من حرية الرأي والعمل والحق في الاجتهاد والتنظيم، والإنخراط في السياسة، بما هي الإهتمام بالشأن العام، وحماية حق الشباب في مستقبل أفضل من واقعنا المعاش في قلب التردي العام في مختلف جوانب الحياة.

أيها العرب: افتحوا النوافذ على الضوء، افتحوا الأبواب على الحرية، لكي يكون لكم غد أفضل، ومستقبل يليق بكرامة ماضيكم وحق أجيالكم الآتية في أن تكون حيث تؤهلها كفاءتها لأن تكون..

ينشر بالتزامن مع جريدتي “الشروق” المصرية وجريدة “القدس” الفلسطينية

Exit mobile version