طلال سلمان

هوامش

القدس مدينة لأهلها وبهويتها وليست مزاراً أو ضريحاً للأولياء
يجري الحديث عن القدس، أحيانا، وكأنها مجرد أضرحة لبعض أولياء الله الصالحين، أو مجموعة من الأنصاب والمزارات والكنائس والمساجد ذات العبق التاريخي، معلقة في فضاء المكان وفضاء الزمان خارج المدار الإنساني المثقل بالصراعات والأغراض السياسية والمصالح المتشابكة للدول والشعوب.
وثمة مفارقة ملفتة، بل جارحة:
فأورشليم الإسرائيلية هي عالمياً داخل السياسة حتى العظم، وإن هي انطلقت من الخرافة التوراتية، ذلك أن السلاح يسند الادعاء فيكسبه بقوة الأمر الواقع »منطقاً« لا يملك العالم أن يرفضه.
أما القدس الفلسطينية (العربية) فهي عالميا خارج السياسة وإن ظلت داخل الإطار الديني بشكل ما، على أن قداستها لا تعطيها هوية منفصلة بل ومتناقضة مع الكيان الصهيوني،
إن القول بقداستها فقط إنما يطلق لنفي هويتها الوطنية والقومية.
فالمزارات والأضرحة والكنائس والمساجد يمكن أن تكون مصانة ومحفوظة بالشرطة الإسرائيلية، وهذا يضفي شيئا من الإثارة على المنظر السياحي فيمكن بيع التاريخ، بالماضي والحاضر، في صورة واحدة!
الطريف إلى حد الإدهاش الصاعق أن »العالم« يقبل من الإسرائيليين منطقاً يدمج الدين والوطن والدولة، المكان والزمان، في مدينة واحدة كانت (؟) وستظل العاصمة الموحدة والأبدية لدولة إسرائيل،
أما مع العرب فالقدس تتحول إلى مجموعة أحياء ومزارات ومواقع مقدسة تتوزع على الأديان، ومن ثم على الطوائف والمذاهب و»القوميات«، فتسقط عنها حقيقة أنها »مدينة« ذات هوية وطنية قومية محددة، ويُسقط عنها تاريخها الإنساني وعلاقتها بأهلها الذين ظلوا على مر الزمن أهلها ومواطنيها.
تغدو أورشليم الإسرائيلية التي لم تكن يوما حقيقة تاريخية حاضنة تاريخ من كانوا على مر التاريخ خارجها.
أما القدس الفلسطينية فتفصل عن أهلها الذين استمروا على التاريخ أهلها، وتنكر عليها كمدينة هويتها الأصلية.
أورشليم الإسرائيلية تصير عاصمة للغرب كله، مزينة ببعض الحلى المذهبة والمطعمة بعبق البخور وسائر التقاليد والطقوس التي اشتهر بها الشرق!
أما القدس الفلسطينية العربية فليست أكثر من مكان أكسبته المصادفات التاريخية، والغياب الإسرائيلي، شيئا من القداسة فبات مزارا للمؤمنين الذين لا تعترض إسرائيل على أن يجيئوها سواحا للحج أو للزيارة مما يزيد في دخلها من السياحة.
إذا صارت القدس خارج السياسة، وتحولت فعلاً إلى أضرحة أولياء وكنائس ومساجد الخ، صار من حق الفاتيكان أن يطالب برعاية المقدسات المسيحية فيها، وصار من حق الأزهر (؟) مثلا أو »شريف مكة« أو هاشمي عمان أن يطالب برعاية المساجد والأوقاف (؟) الإسلامية فيها..
الدولة إسرائيل، أما سدنة المساجد والكنائس فلا بأس في أن تعينهم السلطات الروحية المعنية لرعاية الأماكن المقدسة داخل أورشليم الإسرائيلية!
أي يتم تفتيت القدس العربية بعدد الأديان والمذاهب والطوائف الإسلامية والمسيحية، بينما يتم تكريس وحدة أورشليم الإسرائيلية باعتبارها عاصمة الدولة الوحيدة القائمة على الأرض المقدسة!
كأنما لم يكن للقدس أهل أو هوية.
إذا خسر الفلسطيني »هويته« من أجل أن يستعيد بعض أرضه »التاريخية«، فإن »القدس« ستكون عنوان الخسارة،
فلا قدس بلا فلسطين، ولا فلسطين بلا الفلسطينيين.
بديهي، بالمقابل، أن لا فلسطين بلا القدس.
لا »الدولة« العتيدة التي يريدها صاحب »السلطة« ليغدو رئيسا شرعيا، تعوض عنها،
ولا الإقرار بحق بضع مئات من اللاجئن بالعودة إلى بعض من أرضها (وأهلهم) فيها (لأسباب إنسانية، وتحت عنوان جمع الشمل) يمكن أن يستحضر شيئا من تلك الفلسطين التي أكسبتها دماء الشهداء المعاصرين المزيد من وهج القداسة التي كانت لها ثم تزايدت على مر التاريخ.
فهذه المدينة تكاد تكون الوحيدة في العالم التي ظل يغسلها الصراع عليها ومن حولها بالدماء، مرة كل قرن أو قرنين، من غير أن ينجح أي غاز أو مستعمر في اقتلاع أهلها منها وطمس هويتها الأصلية كإحدى ركائز هذه الأرض العربية.
القدس بأهلها. القدس بهويتها.
القدس بالأحياء من البشر فيها كما بالمقدسين من السابقين.
ولولا أهلها لما بقيت مزارات وكنائس ومساجد وأضرحة للأولياء.
* * *
لن تكون »القدس« تلك الضاحية التي تعرض على صاحب السلطة، مع ممر يوصله إلى المسجد الأقصى للصلاة فيها.
لا أحد يريد القدس مسجداً للصلاة.
القدس مدينة للحياة، وأهلها يستحقون الحياة فيها، بهويتهم الأصلية… وبعد ذلك لهم أن يقرروا متى وكيف وأين يصلون فيها.

الإبراهيمي يقاوم الحرب الأهلية بإيمانه
عوّدنا أحمد طالب الإبراهيمي أن يطل علينا في بيروت لزيارة قصيرة، مرة أو مرتين في السنة، لا سيما في الشهور القليلة الماضية حيث كان يشرف على إعادة إصدار »الموسوعة« التي أنتجها والده العلامة بشير الإبراهيمي.
والحقيقة ان الشيخ بشير الإبراهيمي كان أكثر من فقيه، وأن داره كانت أكثر من مرجعية دينية، فهو كان الموجه والمرشد الروحي للذين من بعد »هزوا السلاح« و»طلعوا الجبل« معلنين الثورة ضد الاستعمار الاستيطاني الفرنسي للجزائر، وليس من المبالغة أن يعتبر »أبا الثوار« خصوصا وأن كتاباته وفتاويه واجتهاده في نشر الوعي والحض على الجهاد … كل ذلك كان له أثره الكبير في التعبئة والحشد والاندفاع للانخراط في صفوف الثورة التي سوف تتغذى بالمليون شهيد حتى يكتمل انتصاره وتستعيد الجزائر وتعيد إليها هويتها الأصلية: العربية الإسلامية.
وتعوّدنا، خلال السنوات القليلة الماضية، أن نمضي مع »الدكتور طالب« ساعات من الأحزان المكثفة ونحن نسمع منه عن مأساة الضياع التي تعيشها الجزائر ممزقة ومقتتلة ومساقة إلى جنون الموت العبثي، وسط صراع بين قلة من الضباط الطامحين إلى السلطة يمارسونها من خلف ستار أو واجهة مدنية، وبين جمهور من المساقين بحمى الشعار الديني الذي تنقصه الثقافة والإلمام بأساسيات اللعبة السياسية، فإذا هي حرب أهلية مفتوحة تحصد كل يوم المزيد من شباب الجزائر ومن آمالها ومن رصيدها المتميز الذي أسهمت في صنعه استنارة الشيخ الإبراهيمي ودماء الشهداء والمناضلين من رفاق أحمد طالب الإبراهيمي.
ولأننا من أبناء (أو ضحايا) التجربة اللبنانية المريرة في الحرب الأهلية فلقد كنا نفهم تماما السياق الذي تتخذه الأحداث الدموية، وندرك ان النهاية ستظل بعيدة ما لم يتيسر للجزائر فرصة انتفاضة شعبية توقف نهر الغلط القاتل وتعطل سلاح الموت على الضفتين، وتمنح أبناءها فرصة استعادة القرار بالإرادة الحرة، تلك التي صنعت واحدة من أمجد الثورات في التاريخ العربي، بل وفي التاريخ العالمي الحديث.
هي الحرب الأهلية، إذن هو الانقسام عموديا أفقيا: الجيش والحزب، ثم المتدينون وغير المتدينين، ثم العروبيون والمعادون للعروبة، ثم العرب والشاوية والقبائل، ثم المتغربون تحت راية الديموقراطية والمهاجرون الى الجاهلية تحت راية السلفية والطقوس التي تتمسح بالإسلام بينما الإسلام أكرم وأرحب من أن يمكن تلخيصه أو تقزيمه بأزيائها وممارساتها.
هي الحرب الأهلية، إذن فالديموقراطية هي الفوضى، والتعصب »الوطني« يأخذ صاحبه إلى إسرائيل، والنكاية بالعرب تأخذ إلى فرنسا والغرب عموما، ورفض الشعار الديني الذي يتمسح بالإسلام يأخذ إلى العداء للإسلام (والعروبة).
لكن أحمد طالب الإبراهيمي لا يعرف اليأس.
هو مؤمن بشعب الجزائر، وبقدرته على تجاوز المحنة.
وهو يعمل، مثل كثيرين غيره، بصمت ودأب، لاستخلاص برنامج للإنقاذ تلتف من حوله القوى الشعبية المؤهلة لوقف المذبحة واستعادة الجزائر وإعادتها إلى الطريق الصحيح.
كل ما نملك لأحمد طالب الإبراهيمي الدعاء بالسلامة أولا ثم بالنجاح.. فلشد ما نفتقد الجزائر في أيام البؤس العربي، هذه.

شبح في غار مهجور!
لا يليق بك كل هذا الحقد، سيدتي. إنه يذهب بجمالك!
هذا نفاق من رجل لا يملك ما يقدمه للنساء إلا غواية بائسة تكشف عجزه أكثر مما تفتح له طريق القلب أو حتى الجسد!
وهذه كلمات امرأة مفجوعة برجل تسحب صورته على كل الرجال فلا تنجح في أن تستعيد صورة الملاك حتى لو رمتهم جميعا في خانة الشياطين!
مَن قال إني طامحة إلى دور الملاك؟! لقد تجاوزت خيال الشياطين جميعا وجعلتهم خدما في بلاطي!
لشد ما كان ذلك الرجل قويا! انه يطل من عينيك! انه كامن في قلبك لا تستطيعين نسيانه ولا تجاوزه! انه لا يكف عن غزل أحقادك وتحريضك للانتقام منه بغيره، ولست أطمح إلى مثل هذا الشرف، سيدتي.
ليس أعظم من غرورك إلا خطأك. لقد اندثر تماما. أتذكره كشبح في غار مهجور. لم أنس اسمه أو ملامحه أو نبرة صوته أو رائحة تبغه. وألتقيه أحيانا فأنظره وأكلمه كورقة من تقويم عتيق، قد يدل على شيء من الماضي لكنه لا علاقة له بحياتي.
ولماذا إذن هذا الذبول في عينيك، سيدتي؟ لماذا هذا الظمأ الذي لا يطفئه الشراب؟ لماذا هذه الرغبة في استعجال النهاية؟ عندما تقتلين الرجل فإنما تقتلين المرأة فيك، سيدتي!
لا عليك، فلستَ هو، ولستُ من تظنني. إنما هو لقاء عابر بين غريبين بلا مستقبل فلماذا تفسده بماض لن يعود.
لنحتفل بالغربة التي فتحت لنا باب الألفة!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
يختنق الحب إذا ما حاصرته الأنانية والرغبة في الامتلاك. الحب ليس مراهقة تصغر أمامها الدنيا بحيث لا تتسع إلا لاثنين وليذهب العالم إلى الجحيم. الحب مدى مفتوح يتسع لكل من حولك فإذا ما حاولت حصره اختنق. ان هذا القلب الصغير يتسع للعالم كله، لكن الحبيب هو الحبيب، والمحبون يحبون أن يكونوا مسورين بالمحبين.

Exit mobile version