طلال سلمان

هوامش

53 سنة على الطريق… إلى «الدكتوراه»!

طالت بنا الطريق إلى التلاقي نصف قرن أو يزيد قليلاً.
كانت «الجامعة الوطنية» تتعاظم دوراً وقدرات متخطية مشكلات الولادة وأزمة المنافسة غير المتكافئة مع جامعات أجنبية عريقة ولها نفوذها الواسع داخل الدولة وفي المجتمع، ثم ان امكاناتها لا تقبل المقارنة مع الميزانية المحدودة التي كانت ـ ولا تزال ـ تخصص لها كأنها «صدقة» أو «شراء» لمشكلة مع الأجيال الجديدة وحقها على دولتها.
… وكنت الهث، مثل كثيرين غيري من الحريصين على التزام الدولة دورها في احتضان أبنائها الطامحين إلى مستقبل أفضل، مواكبا مسيرة الجامعة من موقعي كصحافي برغم انفه، بالتحقيق والتعليق والمقابلات مع رئاستها وكوكبة الطلائع من العلماء والأساتذة فيها، كما عبر الاهتمام الطبيعي بطلبتها الذين كانوا يتزايدون مع كل سنة جديدة بأكثر مما تسمح به قدرات الجامعة… والذين سرعان ما تحولوا إلى طليعة وطنية ناشطة في العمل من أجل دولة عادلة توفر «لرعاياها» حقوقهم البديهية في ان يكونوا من بُناتها بوصفهم كادرات مسلحة بالقدرات والكفاءة واحساسهم الثابت بولائهم لوطنهم واستعدادهم لخدمة تقدمه.
وتعزز دور الجامعة اللبنانية كحاضنة لجيل بل أجيال، توفر لهم مع فرصة التقدم العلمي والمهني المناخ الوطني الجامع، كاسر أمواج الطائفيات والمذهبيات التي كانت تتعاظم فتحاصرها من خارجها ثم تقتحم حرمها بسموم الحرب الأهلية.
وحين قصدت إلى «المدينة الجامعية» في الحدث، عصر يوم الجمعة الماضي، الواقع فيه السابع من أيار 2010، كنت أحس انني في الطريق إلى تعويض ما خسرته من زمني فيها… ربما لهذا كان تهيبي يتعاظم مع اقترابي من حرمها، معززا بعقدة ذنب فرض عليّ أن أعيش غصتها كأنها بعض زماني… حتى إذا ما وقفت امام باب قاعة الاحتفالات الكبرى فيها غمرني شيء من الزهو: لقد وصلت أخيراً، ولا يهم كم استغرقت الرحلة من عمر التعب!
دخلت القاعة متعجلاً، مع شيء من الارتباك. أجلت نظري في الحضور الذي توزع على المدرجات الأنيقة، وتوقفت عيناي على وجوه أحفادي وأبنائي فلمحت دمع الزهو في مآقيهم وان افترشت وجوههم ابتسامات مشرقة يشع منها فرح العيد.
همست شريكة العمر والسند المعين في مواجهة المتاعب والصعاب، وفرحتها تغالب رصانتها: هيا، تقدم إلى حيث مقاعد رفاقك في التكريم.
تقدمت وسط مشاعر البهجة تشع من عيون الأصدقاء الكثر من متخرجي الجامعة، اساتذة وقضاة وموظفين كباراً، وطلاباً على وشك التخرج.
كان فؤاد بطرس، أحد عناوين الكفاءة التي لا تشيخ، يقف مستنداً الى تاريخه الذي لم تلحق به لوثة مما أصاب الطبقة السياسية، يرافقه فتى يأخذ بيده بينما ترمقه رفيقة عمره ومؤنسة أيامه من خلفه تتابع خطواته القصيرة، متكئا على عصاه، بخليط من الفخر والحنان.
أما النقيب محمد بعلبكي الذي يرفض الشيخوخة ويقاومها بعناد نادر، عبر ذاكرته الحاضرة نثرا وشعراً، آيات قرآنية وحكما مستمدة من دروس التاريخ، فكان يتقدم في اتجاه فؤاد بطرس كأنما ليعينه، وقد استغنى عن عصاه التي له بها مآرب أخرى..
وافتقدنا الزميل الكبير غسان تويني، الذي أعجزه المرض عن الحضور، فأناب عنه الزميل نبيل أبو منصف، لكن طيفه كان يرافقنا جميعاً في سكناتنا وفي كلماتنا، وهو واحد من أمراء الكلام الذي له ظاهر يمتع وله باطن يمتع أكثر اذ انه يفتح باب تخمين المقاصد الفعلية على مصراعيه..
وكانت مقاعدنا، نحن الثلاثة المتبقين السيدة ليلى الصلح حماده وحاكم مصرف لبنان رياض سلامه وأنا، في الجهة اليسرى، مقابل المنصة التي سرعان ما اعتلاها أعضاء مجلس الجامعة وعمداؤها والمديرون.
سرت همسات النميمة فوراً، لتهدأ مع النشيد الوطني ثم مع كلمة راعي الاحتفال وزير التربية الدكتور حسن منيمنة ليتحدث بعده الرئيس الدكتور زهير شكر، في حين كانت اللوحة التي تتصدر واجهة القاعة تكرز علينا أسماء من «منحتهم» الجامعة اللبنانية الدكتوراه الفخرية قبلنا، وكانوا بمجملهم من حكام الظلام الذين رحلوا عن دنيانا، أمثال شاوشيسكو وهيلاسيلاسي… الخ، مع استثناء وحيد هو الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي.
أبلغنا أهل البروتوكول كيف يرقى كل منا إلى المنصة حين يسمع اسمه، ليتسلم شهادته، وكيف يرجع إلى مقعده، من الجهة المقابلة، بعد ان يلقي كلمته، ثم كيف نعود جميعا إلى «المسرح ـ المنصة» للصورة التذكارية.
ولقد طربنا لكلمة رئيس الجامعة الدكتور شكر وهو يتحدث عن «النضال» من أجل تعزيز موقع الجامعة الوطنية بتعزيز قدراتها بالامكانات والكفاءات لتستطيع احتضان الأجيال الجديدة كما يفرض عليها دورها..
اما كلمة الوزير الدكتور حسن منيمنة الذي عرفناه كاتباً ممتازاً قبل ان يتفرغ لدوره كأستاذ في هذه الجامعة، وقبل ان تختطفه الوزارة التي من الصعب على من يشغلها بالامكانات المحدودة المتاحة ان يحقق طموحه فيها، فكانت ممتازة مبنى ومعنى.
[[[
.. اما وقد غدوت الآن «الدكتور» فلسوف أفترض ان هذه المرتبة تسمح لي باستغلال موقعي لنشر كلمتي، مستفيداً من أنني صاحب هذه المطبوعة، وهي من طراز «ما قل ودل»، فعذراً على هذا الاستغلال المبرر باللقب الذي لن يستخدم إلا مرة واحدة:
«وقفت طويلاً أمام الباب المرصود للجامعة، وعزّ عليّ الدخول.
كان الرغيف خارجها.
قلت: سأوفر خبزي أولاً.
تستحق هذه اللحظة، إذاً، 53 سنة من الدراسة في هذا المجتمع العربي بعنوان لبنان.
لبنان بعاصمته أميرة الحزن العربي، بيروت.
بيروت الشارع الوطني والمنتدى الفكري والمقهى والملهى والمطبعة والصحيفة والكتاب،
بيروت التي علمتنا ورعتنا مُقاوِمة تحترق ولا ترفع الأعلام البيضاء.
بيروت الصمود العظيم حيث فلسطين هي هي العروبة وحيث إسرائيل هي هي ذل التبعية والغربة عن الذات وافتقاد الهوية.
وعلى امتداد عمري كانت بيروت تعلمني الأسماء كل يوم ولمدة 53 سنة من الدراسة.
انه، تقريبا، عمر الجامعة الوطنية التي نتلاقى معها وبها وفيها الآن، ولقد آن لي أن أتخرج..
شكراً لمن أتاح لي فرصة الوقوف مع هذه النخبة، وقد تتلمذت على بعضهم، وتشرفت بصداقتهم جميعاً.
ولطالما عملنا معاً في خدمة هذا الصرح الذي تعرض، وما زال يتعرض لمحن متعددة الغرض. كيف تكون الجامعة الوطنية على هذا الفقر المادي في بلد يتزايد فيه أصحاب الثروات الفلكية على مدار الساعة؟!
تحية للجامعة اللبنانية برئيسها الدكتور زهير شكر والعمداء والمديرين والأساتذة الذين يعملون للارتقاء بمستواها الى حيث يستحق لبنان وشعبه.
تحية لها وهي تتقدم نحو عيدها الستين الذي يمكن اعتباره بحق عيداً للوطن ولأهله.
تحية لضيوف الجامعة الذين أتوا كي يفرحونا بحضورهم، وتحية لغائب عزيز رافقني طوال الرحلة من شمسطار إلى حفلكم هذا، الرئيس الأسبق للجامعة اللبنانية الدكتور أسعد دياب».
في رحلة الإياب كان ثمة طيفان يتناوبان على حدقتي عيني وقد غشاهما الدمع، وسمعت الوالد ـ الصديق يهمس لشريكة عمره المتعجلة دائماً: قلت لك دائماً لا تخافي .. وسمعتها ترد وهي تشرق بدمعها: الحمد لله انه أكرمنا في حياتنا وبعد الحياة.

شوقي بزيع يغني جبل الباروك في «سجن» بعقلين!

هل يسمح المقام بأن أحكي عن شوقي الى بعقلين عامة، وشوقي الى هذا المبنى الذي غدا مكتبة عامة ومقراً لمنتدى الفكر التقدمي، في حين أنني استذكره محكمة ومخفراً للدرك وسجناً يضم مشغلاً للمساجين، خاصة، قبل ان أبث شوقي بزيع شوقي اليه والى إبداعه ، شعراً ونثراً.
لقد أمضيت سنوات من يفاعتي هنا في بعقلين، وكان والدي رئيساً لمخفر الدرك فيها في أوائل الخمسينيات.
وقبل ان يمسك شوقي بزيع بالقلم كنت انظم معلقات على سطح بيتنا عند آل الغصيني القريب من هنا.
وقبل ان يعرف الناس شوقي بزيع كنت استمتع بجلسات تحت السنديانة، وكانت قريبة من هنا، يستظلها شيخ العقل الراحل الشيخ رشيد حماده وصحبه وزواره، وفيهم كثير من جبل العرب في سوريا، في الصباحات وساعات العصر.
على هذا فعلاقتي ببعقلين اسبق.
وعلاقتي بالكبير كمال جنبلاط والمختارة أوثق، وقد أسعدني زمني بأن عرفته كتلميذ وافد الى المدرسة الرسمية فيها، بعدما تخطى أركانها من آل عابد الروتين والحرب الشمعونية وحولوها الى تكميلية.
وأسعدني زماني بالجلوس اليه، مستمعاً وطارحاً هواجس الفتى الذي كنته…
ثم أسعدني زماني، بعد سنوات، بان أحاوره كصحافي، قبل ان اذهب اليه لأخبره عن مشروع «السفير»، وقد شجعني في مغامرتي… ثم كنت ارجع اليه في أمور الوطن وهموم الأمة فيرشد خطواتي سياسياً، ويساعدني على تخطي الصعاب المادية.. فكرياً، مقرراً أن «السفير» تؤكد التزامها شعاريها الأثيرين: «صوت الذين لا صوت لهم ـ جريدة لبنان في الوطن العربي، جريدة الوطن العربي في لبنان».
لكن ذلك حديث آخر فلنرجع الى شوقي بزيع، شاعراً وناثراً، عاشقاً ومعشوقاً منذ نعومة أظفاره: ألم يحب مريم وهو في السادسة من عمره؟ بلى… وحين تزوجت من كانت تريده مشى وراء الحصان في الزفة، وظل يصرخ معولاً بالبكاء حتى أسقطها عن عرشها وعاد يجرجر خيبته تطارده ضحكات الجمهور من فحولته المبكرة!
من المؤكد ان شوقي بزيع سيلقي بالتهمة على والده الذي قرر ان يدخله في مباراة مفتوحة مع أمير الشعراء احمد شوقي، من قبل ان يمسك بالقلم، بل منذ ان كرمه باسمه، مع ولادته، فوجب عليه ان يكتب ويشطب، ثم يكتب ويكتب ويكتب حتى لا يرسب في امتحان ابيه…
ولأنه عظيم الحيلة فقد لجأ الى سلاح إضافي لم يستخدمه أمير الشعراء كثيراً، وهو النثر ! ثم أضاف الى ذلك شبوبيته التي طالما أغوى بها القاصرات والعوانس والعجائز فتبعنه مسحورات، وعادت كل جميلة بمعلقة في حين بقيت الأخريات معلقات، في انتظار الفارس الجنوبي الوسيم.
هي لفتة تستحق التقدير ان يكرم وليد جنبلاط، وكلنا معه، هذا الشاعر الفحل على مجمل إنتاجه الغزير، الذي قد تضيف اليه هذه المناسبة ديواناً جديداً.
فإذا كان شعراء الجنوب عموماً قد أطلقوا الحداء للمقاومة الوطنية عالياً ورخيماً، فان شوقي بزيع الذي ولد ـ بتخطيط دقيق ـ شاعراً في زبقين، قد غنى بصوته المفرد الأرض والناس، المجاهدين والشهداء، الأنهار والأشجار التي سمع صراخها فأشجانا، وصولاً الى الغبار الذي استحق مرثية في ديوان كامل.
واذا كان شوقي قد بكى طويلاً في طفولته وهو يتطفل على مجالس العزاء الحسيني، من دون ان يعرف السبب، على شهداء قضوا قبل الف عام، فإنه في فتوته وشبابه توقف عن البكاء وانصرف ينشد الشهداء الذين كانوا يقدمون أرواحهم رخيصة فداء للغالية الأرض وتوكيداً لحقهم فيها.
منذ أوائل السبعينيات، وعبر مهرجان الشعر الجنوبي الذي دأب على تنظيمه شيخ المثقفين حبيب صادق ورفاقه في المجلس الثقافي الجنوبي، برز شوقي بزيع شاعراً بصوته المفرد، ثائراً على القوالب الحزبية بحيث انه لم يطق الانضباط داخل تنظيم إلا قليلاً.
كان عالمه الشعر، وما زال. حتى نثره هو الشعر مفروطاً، ربما ليتسع لأكثر من المعنى، من العاطفة، من الخيال، من خرير الساقية، من شميم الأرض ومن وجع أهلها، في الجنوب خاصة وفي لبنان عموماً.
فأما «جبل الباروك» فديواننا جميعاً… بعضنا يستشعر شيئاً من الحسد لان شوقي بزيع قد سبق اليه، وبعضنا يقرأه كأنه مساهم في كتابته، ومعظمنا درسه لأبنائه حتى حفظوه ليرسخ كمال جنبلاط في عمق الوجدان شهيداً ـ بطلاً تقدم صفوف نضالنا من اجل قضايانا العادلة جميعاً:
يمكن لأبناء جيلي أن يتباهوا بأنهم عاشوا في زمن كمال جنبلاط،
ويمكن لأبنائي أن يفاخروا بأنهم قرأوا كمال جنبلاط، كاتباً، شاعراً، فيلسوفاً وصاحب رؤيا،
ويمكن لامتنا جميعاً ان تعتز بكمال جنبلاط كواحد من أبطالها المجاهدين في ميادين قضاياها العادلة جميعاً: ضد العسف والطغيان من اجل الحرية، ضد القهر والإذلال من اجل العدالة الاجتماعية، ضد الطائفية والمذهبية من اجل العروبة، ضد التدخل الأجنبي الذي صار احتلالا، إسرائيليا كما في فلسطين المقدسة من قبل، واميركياً كما في العراق ظاهراً وفي معظم الأرض العربية، عملياً وبالفعل.
وإذا كان لشوقي بزيع فضل السبق في انه بين أوائل من غنوا كمال جنبلاط شهيداً، بعيد اغتياله المشهود، فان الفنان المبدع مرسيل خليفة قد زرع الأغنية في وجدان الناس، ليتحول كمال جنبلاط الى نشيدنا اليومي الذي نبدأ به نهاراتنا ونختتم به ليل التعب من اجل ترميم الأهداف التي ناضل من اجلها حتى الاستشهاد.
ربما لهذا نجد ان هناك صلة رحم بين «جبل الباروك» والديوان الذي أعقبه، في السنة التالية، وحمل الوشم ذاته: «عناوين سريعة لوطن مقتول»..
ثم ان الشهادة كعنوان مقدس للجهاد من اجل تحرير الأرض والإرادة سوف تبقى لازمة في شعر شوقي بزيع، الذي يشابه «نسمة» في انه لم يعرف مهنة الا الحب، وهكذا سوف يطل علينا مجدداً في قصيدة «العائد» التي أهداها الى ابن عمه ورفيق طفولته علي بزيع، الذي استشهد ولم يستطع شوقي المشاركة في تشييعه في زبقين التي جعلها في مثل شهرة باريس او أفخم قليلاً، لولا تلك الموسيقى الناعمة في اسمها.
اعترف بأنني جئت الى حفل تكريم صديقي ورفيق مسيرة «السفير» لبعض الوقت، لأنه لم يجد فيها من العشيقات من يشفي غليل الدونجوان فيه، لغرض في نفسي.
لقد هزني الشوق الى هذه البلدة العريقة التي أطلق النقاش على أهلها لقب «الغنم» لتكاتفهم وتساندهم في السراء والضراء، فهي كانت ملعب الصبا لأربع سنوات، تخللتها غربة سنة دراسية في دير القمر، وسنتي دراسة في المختارة .
… والمعركة لا تزال مفتوحة باتساع الوطن العربي، وما زال الشعار يصلح كمخفر للنضال في معظم أرجاء دنيانا التي تكاد تكون محتلة جميعاً، مسلوبة الإرادة، تائهة عن هويتها التي هي هي مصدر قوتها ومصدر مجدها ومصدر حقها في غدها، وفلسطين هي عنوان تحررنا في المشرق والمغرب وبين بين..
(مقتطفات من كلمة ألقيت في المكتبة الوطنية في بعقلين بدعوة من منتدى الفكر التقدمي لتكريم الشاعر شوقي بزيع)

مــن أقــوال نســمة
قال لي «نسمة» الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
ـ هناك خيط رفيع يفصل بين الحب والأنانية والرغبة في التملك.
كثرة من المحبين خسروا أروع أيامهم لأنهم افترضوا أنهم يمكن ان يكونوا العاشق والمعشوق والعشق كله في آن، فخنقوا حبهم بأنانيتهم.
حتى الحب يحتاج الى الآخرين.

Exit mobile version