طلال سلمان

هوامش

دولة عبد الله بن حسين الأحمر… وشيوخ قبائل الانفصال!
يستحق الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر ما يتجاوز قصائد الرثاء واستذكار صفحات نضاله الطويل من أجل يمن حر وقادر على تخطي عصر الظلمات في اتجاه حياة تليق بشعبه ذي التاريخ المجيد.
إن هذا الرجل ظاهرة نادرة في الحياة السياسية العربية… وهو يستعيد مكانته التي يستحق إذا ما تمت مقارنة جهده في خدمة شعبه ووطنه بما أنجزه سائر المناضلين العرب، سواء في اليمن أو في أقطار عربية أخرى، في الحقبة التاريخية ذاتها.
هل تستوي المقارنة في الإنجاز بين شيخ القبيلة وبين القائد الحزبي، سواء أكان قومياً عربياً أو بعثياً أو شيوعياً عدل من ماركسيته قليلاً ليصبح أكثر انسجاماً مع قيادة حركة التحرر العربية ، واستطراداً مع هذا النظام العربي أو ذاك ممن أسبغت عليهم نعمة التقدمية ؟!
إن سيرة نضال الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر مقارنة بالتجارب الحزبية القومية عموماً والتقدمية الماركسية خصوصاً تستحق التوقف أمامها طويلاً من أجل التقويم الموضوعي والاستنتاج النزيه.
[ [ [
سأختار نقطة بداية شخصية في ظاهرها، إلى حد كبير، ولكن الأمانة التاريخية تفرضها طالما أن المقارنة بين طرازين من المناضلين عرفهما جيلي، هي موضوع هذا الحديث.
المصادفة القدرية وحدها جعلتنا ثلاثة من المشرقيين، نتلاقى في 20 أيلول 1962 في الجزائر التي كانت تحتفل بالثمرة الأولى لاستقلالها الوطني: افتتاح الجمعية التأسيسية (البرلمان) التي جاءت بها الانتخابات التي مارسها الجزائريون لأول مرة تحت علم الثورة المنتصرة، بقيادة جبهة التحرير الوطني.
وتيسر لنا أن نعيش لحظات من الفرح النادر، معاً، ونحن نطارد أصحاب الأسماء التي أضفت عليها الثورة مسحة من القداسة.
ذات عصر، بادرني ثالثنا وهو السياسي العراقي صاحب التاريخ النضالي الطويل صديق شنشل وقد بلل صوته الدمع: عيني! ما تدري، أكو ثورة في اليمن، ثورة في اليمن ثورة في اليمن… وابتلع التأثر الصوت!
تلاقينا من حول ترانزيستور نستمع إلى الخبر المشع من محطات عدة، ونتبادل التهاني: لقد عوّضت اليمن عن الانفصال المدبر الذي أطاح بالجمهورية العربية المتحدة التي كانت قامت تحت قيادة جمال عبد الناصر فجمعت سوريا إلى مصر كوعد باستعادة الدولة العربية الواحدة الجامعة كل العرب.
في اليوم التالي عرفنا اسم قائد الثورة، عبد الله السلال.
كانت اليمن خارج الذاكرة تماماً. لذا كان علينا أن ننتظر شهوراً لنعرف أن بين أقوى القوى التي ساندت الثورة وساهمت في حمايتها كان: الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، ومعه قبيلته الكبرى، حاشد…
[ [ [
بعد ذلك بشهور قليلة، نفذ حزب البعث في العراق، بواسطة تحالف ضم عدداً من ضباطه في الجيش انقلاباً أطاح بعبد الكريم قاسم، وتسلم السلطة.
وبعد شهر واحد نفذ حزب البعث في سوريا، بواسطة تحالف ضم إليه عدداً من ضباط الجيش انقلاباً أطاح بما سمي في حينه عهد الانفصال وتسلم السلطة.
أما بعد خمس سنوات فقد انتصرت المقاومة ضد الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن، وأقيمت جمهورية أعطيت اسم اليمن الديموقراطي … سرعان ما ذهب الصراع على السلطة بقيادتها من القوميين العرب لتؤول إلى جناح الاشتراكيين الذين اندفعوا في الماركسية إلى ما قبل انغلز.
[ [ [
هل تصح المقارنة بين سيرة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر وبين إنجازات هذه الأحزاب التي حكمت ثلاثة من أقطار الوطن العربي الكبير (للتذكير: اغتالت الصراعات جمهورية اليمن الديموقراطي بعدما أكل الثوار بعضهم البعض، ثم أن هذه الصراعات تسببت في حرب بين الجنوب والشمال دفع اليمنيون من دمائهم ومن خير بلادهم القليل ثمناً لها، قبل أن يتم الهرب إلى الوحدة باعتبارها ستارة العيوب ).
ثلاثة؟! بل أربعة إذا ما استذكرنا الجزائر وحزب جبهة التحرير الوطني الذي التهمته السلطة واقتتال رفاق السلاح على قمة السلطة، فأول انقلاب وقع بعد أقل من ثلاث سنوات على انتصار الثورة… وها هي جبهة التحرير مزقاً الآن…
مع رحيل الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر، عادت إلى السطح تساؤلات جدية تشغل بال الكائن العربي وهو يكاد ينسحق تحت ضغط القلق على مستقبله بعد أن قصر عن صياغة الحاضر اللائق بكرامته كإنسان… بين تلك الأسئلة الموجعة:
هل العيب في قصور ذاتي بنيوي يعاني منه الإنسان العربي ممثلاً بنخبه السياسية، سواء منها تلك التي حكمت أم تلك التي ارتضت أو فرض عليها أن تبقى في المعارضة… أو أُجبرت على أن تختفي تحت الأرض لتناضل من أجل التغيير، ثم عجزت عنه؟!
هل العيب في الإنسان ذاته، مستوى ثقافته، مستوى وعيه، أم في القيود التي يفرضها عليه تخلفه، وقصوره في مجتمعاته عن استيعاب روح العصر؟!
هل أن ترسبات عصور التخلف وظلامياته قد أصابت هذه المجتمعات بعطب بنيوي يمنع عليها التوحد ، برغم توفر عناصره العملية، من حيث المبدأ: وحدة الدين، غالباً، الموروث الثقافي، روايات الصراع السياسي عبر العصور الذي كثيراً ما تجاوز عوامل القربى وصلة الرحم، بل لعله تركز في حقبات الزمن العربي دولياً بين الأخوة الأشقاء وأبناء العمومة والخؤولة، من بطون العشيرة الواحدة، وأحياناً البيت الواحد في العشيرة، وإن لم يمنع ذلك من تعدد المدارس الفكرية سواء بالنقل أو بالاجتهاد؟!
هل جاءت الصياغة الأولى لمشروع الدولة العربية، في القرن الماضي، متعجلة ومبتورة، وتحمل بالتالي بذور موتها في أحشائها؟!
في ما عدا مصر، مبدئياً، فإن دول المشرق عموماً، بما فيها يمن الشيخ حسين بن عبد الله الأحمر، استولدت بعمليات قيصرية، من أحشاء الإمبراطورية العثمانية ووفق أغراض المستعمر الغربي الجديد ومصالحه: استحدثت دول لا مجال لأن تعيش مستقلة ، واستولدت دول من قلب ما كان عبر التاريخ بيئة سياسية ثقافية اجتماعية اقتصادية وجغرافية واحدة: بلاد الشام أو سوريا الطبيعية، مثلاً، اليمن… فضلاً عن شبه الجزيرة عموماً بقلبها وسواحلها.
ام انها الهزيمة في فلسطين هي التي نكبت العرب جميعا ولا تزال؟ وحدها إسرائيل التي زُرعت كدولة في قلب هذا المشرق، توفرت لها الحمايات الدولية الكافية لتوطيد كيانها مستفيدة من هشاشة الدول المحيطة بها وافتقارها إلى أسباب الحياة… وإسرائيل استقدمت جاهزة كدولة: جيشها استولد في بطن الجيوش الحليفة في الحرب العالمية الثانية، و مجتمعها جاء مكتمل النمو تقريباً بالأحزاب والمؤسسات السياسية والنقابية والميليشيات التي ستغدو جيش الدفاع الإسرائيلي الأقوى منذ ولادته من مجموع الجيوش العربية التي لم تكن أكثر من تشكيلات عسكرية بسيطة، هشة التكوين، فقيرة بالسلاح والخبرات، بحيث كان مؤكداً أن القوات الإسرائيلية ستهزمها جميعاً، وغالباً بقتال رمزي ؟
لقد ابتعدنا كثيراً عن موضوعنا، فلنعد إليه:
انتصر الشيخ عبد الله للثورة التي قام بها الجيش بقيادة عبد الله السلال، في 26 أيلول ,1962 لينهي بها عصر الإمامة. ولم يكن الشيخ ينتقم فقط لوالده الشهيد الذي أعدمه الإمام أحمد في جملة من أعدم من أحرار اليمن وحملة أحلام التقدم والحرية، بل كان يندفع مع الحلم للخلاص من حكم التخلف والغربة عن العصر والانغلاق حتى عن الأهل العرب، الحكم الذي أغلق على الشمس كما أغلق على شعبه ليحكم بالجهل المغلف بالشعار المقدس…
ومن دون تفلسف وتيه بين المدارس الفكرية كان الشيخ عبد الله يؤمن أن الدولة هي الطريق الطبيعي إلى العصر، بل إلى الحياة، بالنسبة لهذا البلد الغني بتاريخه، الفقير بموارده وإمكاناته المحدودة، في ظل تخلفه المريع.
قاد الشيخ عبد الله قبيلته، وهي كبرى القبائل في اليمن، إلى مساندة الدولة، التي تعرض مشروعها لأزمات خطيرة سببها الصراع على السلطة، ومن بين عناصره موقع القبائل وحصة كل منها في الحكم ومنافعه ومغانمه… وخصوصاً أن الصراع كان يتجاوز حدود اليمن الى كل الخارج.
ولقد كان لموقف الشيخ عبد الله دور حاسم في استقرار السلطة للرئيس الآتي من الجيش، كما من شعبه، علي عبد الله صالح، وبالتالي في استقرار البلاد وفي قيام المؤسسات ، وبينها مجلس النواب الذي تولى رئاسته منذ قيامه.
كذلك كان لموقف شيخ القبيلة الكبرى المستنير هذا، دور حاسم في الجهود التي بذلت من أجل توحيد الشمال والجنوب في جمهورية اليمن، كما نعرفها اليوم.
[ [ [
هل كان شيخ قبائل حاشد أكثر تقدمية وأكثر عصرية وأكثر إيماناً بالدولة وسعياً من أجلها، من أولئك القادة الذين ثرثروا بالاشتراكية طويلاً وقدموا أنفسهم كمنظرين لاستمرار الفقر وتعميق الانقسام بين أبناء شعبهم، سواء داخل جمهوريتهم الصغيرة أو داخل اليمن الموحد؟!
[ [ [
لقد سعدت بلقاء الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر مرات عديدة في منزله بصنعاء، أو في مجلس النواب اليمني، أو في بعض القمم العربية.
كان الجلوس إليه متعة، فهو صاحب تجربة عريضة في النضال السياسي، ثم في السلطة. وهو يمني حتى العظم، ولا ينفي أنه يحتفظ بصداقة ثابتة وعميقة مع آل سعود (جيراننا الأغنياء في الشمال)، وأنه يستقبل الموفدين الأميركيين خصوصاً والغربيين عموماً بالترحاب (فبلادنا ضعيفة، وهي قيد البناء ونحتاج إلى صداقة العالم أجمع…).
إنه سياسي واقعي، يتبنى ذلك المنهج البراغماتي القائل: لا تستطيع أن تبني دولة قوية بالصراع المفتوح مع جيرانك الأقوياء والأغنياء…
في مدخل منزل الشيخ الرئيس زاوية تزدحم فيها صور لقاءاته مع ضيوفه من زوار اليمن الرسميين. في الصور يتجاور رجال كونغرس أميركيون، مع زعماء عرب، مع قادة أوروبيين، مع امراء سعوديين ومشايخ خليجيين، وبعض لقاءاته الرسمية كرئيس لمجلس النواب: الكل هنا. لكنني بقيت عبد الله بن حسين الأحمر، شيخ قبائل حاشد، ودولتي التي أفتديها بدمي هي جمهورية اليمن… .
والأسئلة كثيرة، بعد، وللحديث صلة.
حكاية/الحب… بين الفرض والافتراض
جاءته أول مرة مع صديق لم يكن يعرف عن حياته الخاصة الا القليل الذي سمعه منه. في المرة الثانية، اندفعت تروي عن حياتها الخاصة تفاصيل تبعدها أكثر مما تقربها الى شخص ثالث لا يرى فيها أكثر من مشروع مغامرة عاطفية لغيره.
أما في المرة الثالثة فقد جاءت وحدها، وفي موعد طلبته عاجلاً. قالت بلا مقدمات: سأتزوج صديقك!. وهمّ بأن يبارك اختيارها مبتلعاً شعوره المحرج بالمباغتة، أكملت تقول: ولقد لاحظت انك لا تكن لي الكثير من الود. ولقد جئت احذرك من التدخل في الأمر. انها فرصة عمري!
صمتت، وكان مصدوما باعترافها وبتقديرها انه يعترض على خطتها! قال بعدما استفاق من المفاجأة: هو لم يسألني، وليس لي ان اتطفل برأيي! قالت بالنبرة المستفزة ذاتها: احتفظ به لنفسك! قرأت في عينيك انك لا تودني… لكنني أريده، وسأناله، فلا تتدخل!
كان تحت الصدمة بعد حين انفجرت باكية… ثم قامت فانصرفت مستعجلة بينما هو يحاول أن يناولها المنديل لتمسح دموع الخوف على قرارها من نصيحة مفترضة لصديق مفترض!
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف مهنة له الا الحب:
ضبطت صديقي متلبساً في حالة حب! هجر أغاني الصخب الراقص الى حناجر تختزن الكمان والناي وهمس الليل ورفيف أجنحة الفراشات… ومع اول آه، كانت نشوته تأخذنا الى من نتلهف لاحتضانه!

Exit mobile version