طلال سلمان

هوامش

مجالس العزاء على هامش مؤتمر المعرفة الأول
صارت اللقاءات المتباعدة بين المفكرين والكتّاب والشعراء العرب أشبه بمجالس عزاء أو بمباريات التنافس على الموقع الاول بين الاوضاع الرديئة السائدة في بلادهم جميعا: يتصدر القائمة، الآن، العراقي، بعدما احتلها الفلسطيني لدهر طويل وإن كانت الأيام الحبلى بالمفاجآت المحزنة قد تجعلهما متساويين في بؤس التشرد واندثار الوطن…
الموقع الثالث محجوز للبناني الذي تحتل أزماته المتوالدة من ذاتها على مدار الساعة مساحة الدرجة الاولى في الاهتمام العام، ربما لان أخباره حافلة بالطرائف والعجائب، ثم إنها شفافة بل فضاحة: التدخل الأجنبي بغير ستار، فالسفراء يتقدمهم الاميركي عادوا الى مواقعهم كقناصل معتمدين للحفاظ على مواقع النفوذ، والمبعوثون وزراء وموظفين كباراً وجنرالات وقادة أساطيل يقومون بزيارات دورية للاطمئنان الى ان الوضع قيد السيطرة ولا خشية من عودة عقارب الساعة الى الوراء الخ…
بعد ذلك تشتد المنافسة على موقع الأكثر بؤساً بين الشعوب العربية، هل هو المصري أم الليبي، التونسي أم الجزائري، اليمني أم السوداني الذي يتم تفتيت دولته أمام عينيه ويعاد كشعب الى صورته البدائية: قبائل وأعراق وأديان عريقة أو طارئة، أصيلة أو وافدة، مكشوفة أو مموهة بشعائر وبدع تتلطى خلف دعاوى تحضير المجتمعات المتخلفة في حين تعمل فيها تمزيقاً حديثاً يحمل شعار التمدين والديموقراطية وحقوق الإنسان.
[ [ [
… وكان اللقاء الجديد على هامش مؤتمر المعرفة الاول الذي نظمته مؤسسة محمد بن راشد المكتوم الثقافية في دبي.
ومع أن شعوراً غامراً بالامتنان لهذا الحاكم البدوي الذي ما زالت تشغله مسألة الثقافة ودور العرب فيها، إلا أن قدراً من الحسرة كان يخالط الامتنان عنوانه التساؤل عن أدوار عريقة ومجتمعات عربية متقدمة غابت أو غُيبت أو فُرض عليها القمع الصمت وهُجّر المبدعون الى الخارج ليعيشوا أمواتاً ثم يدفنوا بلا مشيعين.
لقد قرر صانع أعجوبة دبي، كمركز تجاري دولي، عبر فهم عميق للتحولات التي غيرت الكون، أن يلتفت الى دور العرب الثقافي المتروك للريح، وذلك بإنشاء مؤسسة قادرة، خصص لها عوائد وقفية قيمتها عشرة مليارات دولار للإنفاق على مشاريع المعرفة ومن أجل الإسهام الفعال في بناء النهضة في مجتمعنا العربي .
وكالعادة في مختلف المشروعات الجبارة التي أطلقها محمد بن راشد (وألقابه الرسمية كثيرة فهو نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء في دولة الامارات العربية المتحدة ولي عهد دبي) فقد عهد برئاسة مجلس الادارة في هذه المؤسسة الوليدة الى ذراعه اليمنى محمد القرقاوي، معززاً بكفاءة الزميل غسان طهبوب، الذي رأس تحرير الزميلة الخليج لفترة طويلة وكان له دوره في صنع نجاحها المهني بحيث احتلت المكانة الاولى في تلك المنطقة التي تشكل نموذجاً مصغراً للوطن العربي، فضلاً عن كونها نموذجاً مصغراً لعالم القرن الحادي والعشرين.
وبالتأكيد فلقد كان للقرقاوي وطهبوب دورهما الحاسم في اختيار تلك النخبة من المثقفين والدارسين والبحاثة العرب الى مؤتمر المعرفة الاول … وبالتالي في توفير فرصة التلاقي على الهموم والطموحات بل الاحلام التي يثيرها الرقم المرصود لهذه المؤسسة الوليدة، خصوصاً أن من تحمل اسمه قد حقق من النجاحات التجارية والعمرانية ما جعله نجماً عالميا في دنيا المال والاعمال والمشاريع التي تتبدى خرافية ثم تجدها قد قامت بركائز من الحديد والاسمنت والزجاج والارباح الطائلة!
[ [ [
كان هناك من مصر مستشار النزاهة طارق البشري الذي يكتب بوعيه العميق لحركة التاريخ، وجميل مطر الذي هجر الدبلوماسية الى الصحافة ليقول ما كان يمتنع عليه الإفصاح عنه من مواقف عن الاحوال برغم استشعاره مخاطرها، وفهمي هويدي الذي يبذل جهداً مميزاً في بلورة علاقة ثورية بين الإسلام والعروبة، تستبدل التصادم الذي يروج له البعض وكأنه حتمية تاريخية بالتلاقي على ما ينهض بهذه المجتمعات فيحررها من الإملاء الخارجي المتكئ على عسف الحكم وقهره المجتمعات بالتخلف وكأنه قدر محتوم… وجابر عصفور الذي احتل مكانة مرجعية في النقد الأدبي، إضافة الى دوره في رعاية الكتّاب والمؤلفين، وقد مدّه ليشمل غير المصريين من المبدعين.
ومن فلسطين المحتلة 8491 جاء سميح القاسم يتوكأ على شعره الذي ما زال ينبض مقاومة حتى وصاحبه يمده بساطاً من الغواية للحسناوات اللواتي يغرهنّ الثناء.
من لبنان كان هناك مجموعة من البحاثة الذين اشتهروا بالرصانة من بينهم أحمد بيضون وفاديا كيوان وعماد الامين ورغيد الصلح، وان شغل مساحة النجومية الشاعر أدونيس الذي يصر على إكمال نظريته التي أطلقها في الكتاب فيعلن أن كلمات الله لما تكتمل، وانها تواكب الحياة وتتجدد بها وعبرها… ومن بيروت أيضا جاء التونسي الذي يكاد يكون لبنانيا الطاهر لبيب الذي غادر علم الاجتماع الى الترجمة.
وبالطبع استحضر كلوفيس مقصود من واشنطن التي كان قد عاش فيها واحداً من أفراح العمر حين أعلن تخصيص كرسي في جامعة جورج تاون باسم زوجته الراحلة هالة سلام مقصود وباسمه، وقد أشعره هذا التكريم بأنه استطاع أن يديم وجود هالة التي طالما شغلت واشنطن بشغبها وتظاهراتها وخيمها لاستحضار القضية الفلسطينية وفرضها على عين الادارة الاميركية في بيتها الأبيض.
ومع كلوفيس مقصود تحضر ريما خلف وعلي فخرو وزوجته التي تصر أن تبقى خطيبته ، وتستدرجه لان يكتب فيها غزلاً وإلا ترْكته يذهب الى المؤتمرات وحيداً مما يعرضه للغواية…
كذلك حضر من واشنطن مجموعة من البحاثة الذين أوجعوا الحضور بحديثهم عن نزيف الأدمغة، وكيف تخسر الأمة بعض النخبة من أبنائها، وفيهم الأطباء المميزون والمهندسون واللامعون والعلماء والمبتكرون…
وكانت دولة الامارات حاضرة بكاتبيها عبد الحميد احمد وعبد الخالق عبدالله.
ثبت هنا أن الوجع قومي ، فكل الاقطار العربية تشكو من نزف عقولها والمتميزين من أبنائها في مجالات التقدم العلمي خاصة، وان كان لبنان قد أخذ يحتل مؤخراً مكانة متقدمة نتيجة وضعه المعلق على شفا تفجرات قد تتخذ سياق الحرب الاهلية أو تندفع بالتهور والضغوط الاجنبية الى فتنة لعل بداياتها قد أطلت بألسنة نيرانها من العراق ولكنها يمكن أن تتحول عبر لبنان الى دار الإسلام جميعاً فيحقق المسلمون بأيديهم ما عجزت عن تحقيقه اسرائيل والحركة الصهيونية والاستعمار القديم والامبريالية الجديدة بالخمسين نجمة في علمها الاميركي…
بالمقابل فقد كان هناك حشد من أصحاب دور النشر العربية، يتقدمهم ابراهيم المعلم، الذي غادر موقعه على رأس اتحاد الناشرين ليتفرغ لمشروعاته الكثيرة التي يحاول تبرئتها من شبهة السياسة ، وان كانت على تماس اجتماعي وأحيانا رياضي معها… ومن الصعب الافتراض ان موقع رئيس النادي الاهلي برئ من السياسة والعلاقات بأهل الحكم ممن يحتكرون العمل السياسي.
من لبنان كان ثمة كثرة من الناشرين أعظمهم حجماً وإنتاجاً وخبرة بأقطار الخليج العربي وأمزجة حكامه: رياض نجيب الريس الذي لم تشغله التجارة عن الصحافة، وان كان اكتفى منها بكتابة تاريخ ما أهمله التاريخ أو المؤلفون!
[ [ [
أما الشيخ محمد بن راشد المكتوم فقد اكتفى بكلمة الافتتاح ولقاء سريع مع نخبة من المدعوين، بينما تولى محمد القرقاوي الإشراف على مجريات المؤتمر تاركاً لغسان طهبوب مهمة التواصل وشرح الاهداف واللقاءات الجانبية المتصلة بالمشاريع التي ستطرح، بعدما كان قد تولى المشاركة في اختيار المدعوين عبر جولة شملت عمان وبيروت والقاهرة فضلاً عن شبكة اتصالاته الواسعة بأهل القلم في المشرق والمغرب.
وبرغم أن لا وظيفة رسمية للسيدة منى المري في هذا المؤتمر، إلا انها حضرت للسلام والتحية على أصدقائها الكثر الذين تعاونت معهم خلال توليها المسؤولية في نادي دبي للصحافة، وإنجازه المهم في بداياته: جائزة الصحافة العربية، حيث أعادت وصل ما انقطع بين الصحافيين العرب في ديارهم المختلفة، خصوصاً بين جيل الشبان ومن غدوا في موقع الاساتذة، وهو موقع يبشر كما تعرفون باقتراب موعد التقاعد.
فأما إنجازات هذه المؤسسة الوليدة ففي الطريق، وعندها يمكن الحكم لها أو عليها، لكن ما لا شك فيه ان قيامها حدث يستحق الحفاوة…
وقد آن أن يُرفع عن المبدعين، كتّابا وروائيين، بحاثة ودارسين، شعراء ومترجمين، سيف الفقر أو إذلال إنتاجهم بالعجز عن إيصاله الى الراغبين بل المحتاجين إليه، وهي حاجة متبادلة.
فعسى أن تكون هذه المؤسسة خطوة جدية على هذا الطريق الطويل.
صورة… مع الخالدين!
هتفت وهي تقتحم مجلسه بكل من حوله من الصحبة: ألا تسأل على من يحبك؟ تأتي من دون أن تبلغني، ثم تراني فلا تخصني بتحية أو سلام؟!
وبينما كان يداري ارتباكه وهي تلهب وجهه بقبلاتها، سمعها تكمل هجومها: لديك هاتفي، فلماذا لم تتصل؟ ام انك نسيته كما في كل مرة! ما لك تحدق بي مستغرباً ألم تعرفني! يا خسارة الصحبة والعشرة الطيبة…
حاول أن يستذكر اسمها عبثاً وإن كان على ثقة من أنه التقاها غير مرة، ولكن اللقاءات كانت دائماً عابرة، وغالباً عاصفة، تثير كثيراً من الغبار والشبهات ثم تنتهي حيث بدأت.
كان صحبته يتغامزون، فقرر أن يمضي معها في المعابثة حتى نهايتها… القريبة! أطلق سلسلة الأسئلة التقليدية المبنية للمجهول عن الاعمال والصحة وبعض معارف المصادفات، وختم بأن سألها: لماذا تهملين نفسك! لقد ازددت سمنة!
برطمت متذمرة، ثم انتبهت الى مصوّر متجول فنادته وأمرته بأن يلتقط لهما صورة تذكارية، واحتضنته مقربة وجهها من وجهه وقد لفت ذراعها حول عنقه، وكانت خطته الدفاعية اليتيمة أن استنهض صحبته لكي يدخلوا نعيم الصورة لكسر حدّتها العاطفية!
طردت واحداً من أصدقائها المتحلقين حول تلك الطاولة واتخذت لنفسها مقعداً، وفرضت نفسها موضوعاً، مستذكرة علاقتها براعي الحفل، متباهية بمعلوماتها الداخلية عنه، وعن مقاصدها منه…
وقبل أن تنهي السرد التاريخي لمحت شاعراً كبيراً فقامت إليه متعجلة فكادت تتسبب في سقوط أكثر من واحد ممن جالستهم…
قال كبير الجلسة: أعرفها منذ عشر سنوات، وهي هي، ترى أن أنوثتها تكفي لتجعلها شاعرة، أديبة، باحثة، ناقدة وباختصار مبدعة. إنها تستطيع أن تجر معظم من في القاعة خلفها بغمزة!
وقبل أن ينهي كلامه كانت قد عادت إليه ومن خلفها المصوّر. قالت معتذرة من الكبير : لك في منزلي صور كثيرة، لكنني أريد واحدة جديدة الآن، ومعك وحدك بلا شريك.
وهبّ الكبير يصلح من هندامه ويبرز ربطة عنقه الجديدة التي اتخذ منها عنوان الغواية!
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب صانع الإبداع. لولا الحب ما عرف الإنسان الشعر، ولا أبدع الألحان، غناء وموسيقى تأخذ الى ذرى النشوة، وتعطيه متعة الإحساس بالخلق. الحب يعيد صياغتك فتغدو أجمل وأكفأ وأكثر قدرة على أن تعطي وتعطي وتعطي، بلا حدود.

Exit mobile version