طلال سلمان

هوامش

يوم انتخابي لبناني طويل: مقدمة الحرب الأهلية العربية
في البدء كانت الطائفية في لبنان طرفة عربية…
كان الاخوان العرب، لا سيما في اقطارهم البعيدة مشرقا ومغربا، لا يعرفون او لا يعترفون إلا بالاسلام دينا، اما المذاهب فهي اما بدع وهرطقة وإما انشقاقات سياسية احدثها اعداء الامة من الشعوبيين والمتآمرين على الدين الحنيف.
الا لبنان… فقد كانوا ينظرون إليه ويتعاملون معه كمخلوق طريف: هو منهم لكنه مختلف عنهم، هو عربي بملامح غربية، وشعبه خليط من المسيحيين والمسلمين… لكنهم ليسوا بحاجة الى مزيد من المسلمين، فهم في ديارهم اكثر من الهم على القلب ، ثم إنهم هم المسلمون فما حاجتهم الى المزيد منهم يتوزعون على اكثر من مذهب في بلد له طابعه الفريد، و من المصلحة ان يغلّب فيه الطابع الغربي ليكون معبرا للحوار والتواصل الحضاري مع الغرب… المسيحي!
هكذا تلاقى العرب و الغرب على التعامل مع لبنان كمخلوق هجين: هو غربي بوجه عربي، او عربي بلسان غربي، او مصلحة غربية في الأرض العربية، او شهادة جدارة للعرب لدى الغرب، او جسر للتواصل الحضاري بين الشرق والغرب..
حتى في الصياغات النهائية للمواثيق التاريخية المؤكدة لاستقلال لبنان السياسي ظل الالتباس قائما… وكان على اللبنانيين (والعرب) ان ينتظروا ساحرا من طراز رياض الصلح كي يبتدع تلك الصياغة الفريدة في بابها: لبنان ذو وجه عربي ، وأن يكمل سحرة آخرون المهمة عند رسم الراية الوطنية فيتحايلون على جعل جذع الأرزة أسود لتتماهى مع ما تعارف الناس على انه علم الثورة العربية المستند الى بيت الشعر الشهير: بيض صحائفنا سود وقائعنا، خضر مرابعنا حمر مواضينا ..
الى اي حد يتحمل العرب المسؤولية عن السعار الطائفي في لبنان؟ وإلى اي حد تبدو الطائفية في طليعة المصالح الغربية، بما فيها اسرائيل ، وبالتالي فمن الواجب حمايتها وتغذيتها وإدامتها كميزة لبنانية وكصاعق مؤهل لتفجير لبنان والمنطقة؟!
وإلى اي حد اندفع العرب، مع تراجعاتهم السياسية التي اخذتهم الى الضياع، الى اعتبار الطائفية سلاحا دفاعيا فعالا عن انظمتهم التي غادرت الدين الحنيف الى المذهبية بعد ان غادرت العروبة هاربة الى الاسلام؟
وهل يصح الاستنتاج ان الطائفية في لبنان خط دفاع اساسي عن المصالح الغربية (بما فيها اسرائيل) وفي الوقت ذاته عن الانظمة العربية الخارجة من عروبتها الى الاستسلام؟
وهل يصح الاستنتاج، بالتالي، ان هذه المصالح الغربية (بما فيها اسرائيل) وهذه الانظمة العربية الخائفة من الغرب ومن اسرائيل ومن الاسلام ومن العروبة، تنظر الى الطائفية في لبنان باعتبارها خط دفاع عنها، فتحميها بدعم الاكثر تطرفا من الزعامات السياسية، والاكثر حدة في خطابه الطائفي والمذهبي، … بل انها لا تتورع عن رعاية فتنة طائفية او مذهبية في لبنان لتخيف شعوبها في الداخل فتخضع للسلطان هربا مما هو امر وأدهى؟!
لا لبناني في لبنان!
يجب التخلص من كل ما يجمع
هذا هو امر العمليات الاخير: ان كانت العروبة تجمع فليوضع الاسلام في وجهها، ولتصور العروبة بدعة غربية مستوردة انها الوجه الآخر ل القومية ، و القومية هي الاسم الحركي للنازية والفاشية… ومن اجل تسهيل المهمة يمكن استيلاد أنواع مهجنة من العروبة، فتكون العروبة في العراق مناقضة للعروبة في سوريا، وفي فلسطين مخالفة للعروبة في لبنان، اما في مصر فتصير العروبة إسلامية في مواجهة الفرعونية و علمانية في مواجهة الاسلام، الخ…
اما اذا كان الاسلام هو ما يجمع فليوزع طوائف وشيعا فيصير سنيا في مواجهة الشيعة، ثم سنيا عربيا، في مواجهة إيران الفارسية الشيعية،
وإذا كان الاسلام جامعا في اقطار المغرب نتيجة لسيادة المذهب المالكي فلا بأس من الاستعانة بالأمازيغية (البربر) للتفرقة،
أما في لبنان الفريد في طرافته فيمكن البحث عن نسب للموارنة، سابق على العروبة والاسلام معا، يمكن ان يسمى الجراجمة ، ويمكن تساهلا مع أهل الشمال نسبته الى المردة ، ويمكن الطعن بلبنانية الارثوذكس عن طريق نسبتهم الى حوران في سوريا، اما الشيعة فما اسهل تحويلهم الى ايرانيين ، ويمكن الذهاب في التطرف الى اقصاه فينسب سنة المدن في لبنان الى الاتراك او الى المماليك او الى السلاجقة، ويمكن اعادة الدروز الى القيسية واليمنية، فلا يبقى في لبنان لبناني واحد…
على هذا لا يعود مستغربا ان يعاد ارمن لبنان الى ارمينيا ما دام الأرمن خانوا من والوه على امتداد نصف قرن وأسهموا في صنع زعامته بأصواتهم في الانتخابات، ساحلا وجبلا.
من هو اللبناني في لبنان إذاً؟!
معيب هذا السؤال، لان لبنان عالمي، وشعبه اممي، يتلاقى في افيائه المتحدرون من أمم الشرق والغرب، الطلياني واليوناني والنمساوي والتركي والكردي، ثم الكلداني والاشوري والسرياني، وبالطبع العرب المتسعربة من أهل السنة، والعرب العاربة من الدروز، وقبيلة عاملة الشيعية ومعها بعض التركمان.. اما الاغنياء، لاية جنسية انتموا فهم لبنانيون اصلاء سواء أكانوا سوريين بالمولد والنشأة والميراث او فلسطينيين او عراقيين، او متمصرين ارادوا استعادة جنسيهم.
التعصب للهوية في لبنان خيانة. الوطنية هي في التعصب للطائفة او للمذهب، وقبلهما للعشيرة والقبيلة والعائلة..
أين موقع الوطن من هذا كله؟
ولماذا مثل هذا السؤال الذي قد يفسد التحليل السوسيولوجي؟!
الزعماء يلعنون أديان رعيتهم
هذه المقدمة الطويلة ضرورية من اجل شرح ما حصل في الانتخابات الفرعية في المتن الشمالي من تحولات تاريخية!
فخلال يوم واحد انهالت على المواطن اللبناني، الخالصة لبنانيته كأشجار الارز، مجموعة من الشتائم والاوصاف التحقيرية واللعنات والاهانات ما يتجاوز طاقته على التحمل!
شتم المواطن في انتمائه الديني او طائفته او مذهبه،
وشتم في انتمائه الى منطقته ، بوصفه ناخبا فيها،
وأخرج من انتمائه الوطني كافة..
تناوب القادة العظام، ابطال الحروب الاهلية المتوالية، على صب اللعنات على اديان مواطنيهم وطوائفهم ومذاهبهم، لانهم خانوا من كانوا دائما زعماءهم .
سحب القادة العظام الجنسية اللبنانية من ابناء قلب لبنان ممن خانوا ولاءهم التاريخي وخرجوا على ثوابتهم الايمانية، وتنكروا للروح الديموقراطية..
فلكي يكون هؤلاء الناخبون ديموقراطيين يجب ان يكونوا طائفيين، وهم لم يكونوا طائفيين كفاية بدليل انهم اعطوا اصواتهم لغير زعاماتهم التي تفخر بأنها سيوف الطائفة وحماتها، وما دام انهم انتخبوا غير هؤلاء الزعماء فقد صاروا خارجين على الوطنية والديموقراطية والطائفة معا:
لقد شتم الزعماء الطائفيون بالتناوب، الموارنة والسنة والشيعة والارثوذكس والارمن..
شتموا الاحزاب العلمانية لان مناصريها لم ينتخبوا بحسب الانتماء الطائفي او المذهبي.
وأغلقوا كل منطقة في لبنان على طائفة بعينها، قد لا تكون الاكثرية الساحقة فيها، حتى وإن كانت الأولى عدداً، ثم إنهم نبذوا إضافة الى الطوائف الاخرى الخوارج من أبناء طائفتهم.
قالوا بصراحة: ان لم تكن طائفيا فلن تكون لبنانيا..
لم يعد الغيتو يكفي. لم يعد مرضيا ان تغلق الغيتو على الاديان الاخرى، ولا حتى على الطوائف الاخرى، بل لا بد ان تغلق كذلك في وجه الخوارج من ابناء طائفتك ايضا.
هكذا وبضربة واحدة، في احد انتخابي جبل لبناني واحد، صار الماروني أصنافا والسني أنواعا والشيعي شيعا والارثوذكسي مذاهب، ثم صدر قرار همايوني بطرد الارمن من الجنة اللبنانية، بعد حوالى قرن على لجوئهم إليها واستيطانهم فيها، وهي مدة قد تزيد على أعمار الكثيرين من المتحدرين من اصول غير لبنانية.
صار بعض جبل لبنان أمما شتى، فكيف باللبنانات الاخرى شاغلة الكون، بدوله العظمى ودوله الكبرى جميعا؟!
إسلامات شتى ومسيحيات مستوردة
الحمد لله.. فالتفسخ أصاب الجميع:
مع نهوض الفكرة القومية وتعاظم مدها لأسباب عديدة أخطرها التحدي الذي شكله زرع اسرائيل ككيان مستورد ومعزز بالتفوق العسكري والعلمي والمادي، تخلى الغرب عن مشروعه العروبي الذي بلغ الذروة بإنشاء جامعة الدول العربية، وانقلب لمقاتلة العروبة، فلم يجد افضل من الاسلام الاصولي المتشدد الى حد الغربة عن العصر، بل عن الدنيا جميعا.
لكن الاسلام سلاح خطر، لانه في جوهره معاد للاحتلال ولهيمنة الاجنبي، إذاً لا بد من تفسخه سواء بالمذاهب (من خارجه) او برعاية انماط من الاصوليات والسلفيات من داخله.
ثم لا بد من تنظيم اشتباك دائم ومفتوح بين العروبة والاسلام وكذلك بين الانواع المتباينة من العروبة والانواع المتصادمة من الاسلام السياسي.
… وهكذا ازدحمت الساحة اللبنانية بإسلامات شتى: سعودي، (وهو انواع)، خليجي، باكستاني، فلسطيني (حتى لا ننسى حماس)… ثم الشيعة بالتصنيفات المختلفة التي تعطى لها بدءا من ايران وصولا الى الفاطميين، وقد يضاف إليهم الزيديون، وربما اجتهد البعض فأضاف العلويين.
كذلك فهي قد ازدحمت بمسيحيات شتى، معظمها مستورد، وبعضها صناعة محلية، فزُجّ باسم البابوية في المعركة، ومعها البطريركية المارونية والرهبان، وكاد موقف الارثوذكس ينسب الى روسيا، أما الأرمن فقد نالتهم إساءات كثيرة إذ أنكرت عليهم مسيحيتهم بعدما أنكرت عليهم لبنانيتهم..
الحاضر اللبناني غد عربي.
هكذا تعلمنا الحرب الاهلية.
والسلام على من اتبع الهدى.
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
لا يسكن الحب في الذاكرة. إنه الحياة. كيف يحكم على النبض بالتوقف من يطلب فرح الحياة؟
عش بقلبك. العقل ضمن القلب لا خارجه!

Exit mobile version