طلال سلمان

هوامش

محمد دكروب يؤرخ لسنديانة حمراء .. من خارج التاريخ!
يتعب القلم ولا يتعب محمد دكروب الذي يقيس أيامه بعدد الكتب التي قرأها أو أنتجها أو تولى تصحيحها لتغدو صالحة للنشر . ولقد تعودنا أن يطل علينا هذا الفتى الذي تظنه عجوزاً حتى تقرأه، بنتاج جديد بقلمه أو بتدخلات من قلمه في نتاج الآخرين، بوتيرة سريعة، حتى اذا ما تأخر قليلا خفنا أن يكون قد أصابه مكروه، ثم يطمئنك بأن يطل عليك وقد تأبط.. خيراً!
وما بين العام ,1954 حين أطل بمجموعته القصصية التي تحمل عنوان الشارع الطويل وكتابه الجديد القديم جذور السنديانة الحمراء حكاية نشوء الحزب الشيوعي اللبناني 1924 1931 بطبعته الجديدة (الثالثة) تقديم جديد لكتابة تاريخ قديم ، والذي صدر قبل أيام، يكون محمد دكروب قد أنتج عشرة كتب بمفرده، وخمسة عشر كتاباً أو دراسة أو بحثاً مطولا بالاشتراك مع آخرين… هذا فضلا عن توليه مسؤولية التحرير في مجلة الطريق لسنوات طويلة، ومساهماته في كتابة التقارير الداخلية لمؤتمرات الحزب، والعديد من الدراسات الداخلية ومشاركته عن الاعداد للمؤتمرات الحزبية ومهام متعددة اخرى.
الكتاب الجديد ليس جديدا إلا بمقدمته (الطارئة) التي تحاول أن تمد جسراً بين الذاكرة والواقع الجديد الذي جاء مختلفاً الى حد التناقض مع المرحلة التي أرخ لها… والتي سهر محمد دكروب شهوراً طويلة، بتكليف من قيادة الحزب الشيوعي اللبناني، لاستذكارها ولربط الفرع بالاصل وإعادة الاعتبار الى الواقعة التاريخية والى أبطالها المنسيين.
ذلك أن حكاية نشوء الحزب الشيوعي 1924 1931 قد طمست بالأمر على امتداد أربعين سنة أو يزيد، وكان عليها أن تنتظر العديد من التحولات و الانقلابات في الحزب، بعد العملية القيصرية التي قطعت حبل الصرة بين جناحي الحزب في كل من سوريا ولبنان ,1964 ثم بعد الانتفاضة الداخلية التي أعادت صياغة برنامج الحزب، بل هويته في العام .1968
هي الطبعة الثالثة، منقحة ومزيدة لكتاب صدر في عصر آخر… فما أبعد، وبكل المقاييس بين العام 1974 واليوم. لقد اختفى الاتحاد السوفياتي العظيم ومعسكره الاشتراكي وزلزلت الارض بالحركة الشيوعية في العالم، فصارت أحزاباً منقسمة أو متهالكة في أربع رياح الارض. سقط القطب الكوني الثاني والمجرات التي كانت تدور في فلكه… وخلا الجو لخصومه العقائديين وورث القطب الاميركي الارض ومن وما عليها!
الطبعة الثالثة إذاً، المختلفة بداية بفذلكتها التاريخية الجديدة. أما المقدمة التي كتبها خليل الدبس، فما زالت مكانها، لكنها جاءت كتمهيد للمراجعة الشاملة المتفجرة بالاسئلة الصعبة والتي كتبها محمد دكروب بأعصابه وأشجانه وعواطفه تجاه من غابوا من الرفاق، وأحزانه على الحركة الشيوعية التي كانت عنصر التوازن في الكون، ومجمع طموحات الشعوب، ذات يوم، وبينها الحزب في لبنان الذي صار كل انشقاق فيه يبرر الانشقاق التالي ويستدعيه.
وبكلمات محمد دكروب نفسه فالمقدمة هي عن رحلة كتابة هذا الكتاب وكيف يمكن أن أكتبه لو كلفت اليوم وليس سنة 1974 بكتابته ، وشتان ما بين العصرين!
[[[
بدأت الحكاية، إذاً، في العام 1974 و كنت في موسكو أدرس في معهد حزبي وأعد نفسي لوضع أطروحة عن أديبنا الكبير عمر فاخوري (لم يتح لي إنجازها) حين جاءني اقتراح من قيادة الحزب الشيوعي: هل يمكنك وضع نوع من التأريخ للفترة التأسيسية .
أثار التكليف سيلاً من الاسئلة عند دكروب: فالتاريخ الرسمي للحزب يبدأ في .1932 هذا يعني شطب المرحلة التأسيسية (بين 1924 و1931)، وهي فترة برز فيها مؤسسا الحزب فؤاد الشمالي، الآتي من الحركة العمالية في مصر، ويوسف ابراهيم يزبك الآتي من الوسط الديموقراطي للمثقفين. وشطب هذه المرحلة كان مقصوداً من أجل الإبراز القوي لمرحلة الأمين العام اللاحق والدائم خالد بكداش الذي أتى الى الأمانة العامة للحزب في سوريا ولبنان سنة 1931 وبقي حتى ,1964 ثم الامانة العامة للحزب في سوريا، ثم لأحد الحزبين الشيوعيين في سوريا بعد الانقسام الكبير في 22 تموز ,1995 أي 58 عاماً دون انقطاع!
على هذا اعتبر محمد دكروب أن من واجبه إعادة الاعتبار الى فؤاد الشمالي بدوره التأسيسي (1924 1937)، والى الدور التثقيفي لكتابات ذلك الرومانسي العربي البولشفي منذ بداياته يوسف ابراهيم يزبك.
[[[
استدراك من خارج النص:
لا بد من وقفة شخصية مع أبي ابراهيم الذي عرفته مؤرخاً، وكنت أرجع اليه في كثير من الشؤون والمسائل الملتبسة المتصلة بالكيان السياسي والاحزاب والقوى (والطوائف ايضا ومواقعها) في النظام الفريد.
لقد طالما زرت يوسف ابراهيم يزبك في بيته الجميل بشرفة الورد في الحدث… كما لبيت دعوته الى غداء الضيعة في مزرعة صغيرة تقع في الوادي الفاصل بين الحدث وكفرشيما وتحمل اسم بسابا . وكان دائما بين ركام من الكتب والمراجع التاريخية، والوثائق التي دأب على جمعها في زياراته الى الخارج، لا سيما فرنسا. وكانت بين لحظات سعادته أن يروي بداياته كشيوعي، أو أن يحاضر عليك في القواسم المشتركة بين الاديان، وتحديدا بين المسلمين والمسيحيين في لبنان بوصفها القاعدة التي يستند اليها وطنهم الصغير، والتي وإن كانت قد وضعت في ظل الاجنبي إلا أن بإمكانهم أن يحولوها الى قاعدة متينة لكيانهم الضرورة.
[[[
… واستدراك من داخل النص:
واضح أن محمد دكروب قد حمل على الدوام إعجاباً بشخصية فؤاد الشمالي ودوره التأسيسي. لقد نظر اليه (والى يوسف ابراهيم يزبك) على أنه رائد وقائد طليعي.
ولعل بين ما أدخل السعادة الى نفس محمد دكروب أنه في رحلة البحث عن البداية قد وجد من يدله الى جريدتين زحلاويتين كانتا الأكثر تعاطفاً مع هذا الحزب الوليد في منتصف العشرينيات من القرن الماضي: الاولى هي الصحافي التائه لاسكندر الرياشي (الذي اشتهر في ما بعد بأسلوبه النقدي وبكتاباته الساخرة الى حد التشهير بالذات كما بالآخرين، والثانية هي زحلة الفتاة لصاحبها شكري البخاش.
كان دليله الياس شاكر وقد ساعده بنص بذل فيه كاتبه جهداً بحثياً مهماً نشر في مجلة المعرض … ومن خلال هذا النص اتضحت الحقائق التالية: البداية هي بالتحديد يوم الجمعة 24 تشرين الاول 1924 حين اجتمع عشرة أشخاص في غرفة صغيرة من بناية في بلدة الحدث من ضواحي بيروت، وتوافقوا على تأسيس حزب شيوعي. وقد اختتمت هذه المرحلة التأسيسية مع صدور البرنامج التفصيلي للحزب والذي تم توزيعه في لبنان وسوريا يوم 7/7/.1931
يأتي ذكر فرج الله الحلو، هنا، عرضاً. فهو قد انتمى الى الحزب في أواخر تلك السنة، وكان في حمص يعلم في إحدى المدارس الوطنية. كان يوسف ابراهيم يزبك يكتب وينشر بتوقيع الشبح الباكي وهو قد نجح في تقديم مبسط للاشتراكية وضروتها في لبنان.
أما فؤاد والشمالي فلم يكن يتقن الكتابة ولا الخطابة، وإن كان صاحب خبرة ممتازة في التنظيم… من هنا اعتذاره عن عدم إتقانه اللغة حين خطب في الاحتفال الاول الذي أقامه الحزب الجديد بعيد العمال في الاول من ايار ,1925 وذلك في قاعة سينما كريستال في ساحة الشهداء، وكان بحد ذاته حدثاً كبيراً. قال الشمالي: لقد انتدبتني اللجنة التنفيذية لحزب الشعب اللبناني لأتكلم باسمها. وقبل أن أبتدئ أوجه كلمة الى الادباء الموجودين هنا، وهي أن يعذروني إذا وجدوا في خطابي خطأ لغوياً أو تكسيراً في اللفظ لأنني عامل لم يسمح لي وقتي بأن أتعلم الصرف والنحو… .
اللافت أنه طلب، خلال الخطاب، الصمت ثلاث دقائق حزناً على المقتولين ظلماً بأيدي الرأسماليين.
ومما تسجله صحف ذلك الزمان ( الصحافي التائه خصوصاً) ان الاعلام الحمراء خفقت عالية متحدية فوق الشوارع في زحلة.
[[[
لا تكتمل هذه المراجعة المتسرعة لكتاب محمد دكروب في طبعته الجديدة من دون الاشارة الى بعض التبريرات التي ساقها في مجال الحديث عن انفصال الشيوعيين اللبنانيين عن الحزب لصاحبه خالد بكداش.
يروي محمد دكروب كيف أن قيادة بكداش قد تقصدت إزاحة عدد من المفكرين المجتهدين الطامحين فعلاً الى وضع دراسات ورؤى ماركسية للاحوال في بلادنا، ومن هؤلاء: الأديب المفكر سليم خياطة، الكاتب رئيف خوري، المفكر ياسين الحافظ والدارس المفكر الياس مرقص.
ويشير دكروب الى أن اضطهاد المفكرين قد ألزم الكتبة باستخدام تلك المفاهيم الجاهزة والمكونة هناك عن الطبقات والصراع الطبقي وعمدوا الى صبها هنا في قوالب مجردة متعالية.
ويتساءل، وهو يعرف الجواب انه ما كان بإمكان الفيلسوف مهدي عامل أن ينتج ما أنتج من جديد أو مختلف لو لم يتمتع بالحرية والتشجيع… وان مجلة الطريق ما كانت لتكون ما صارته لولا أنها فتحت للسجال النقدي حتى مع الطروحات الرسمية للحرب … وان العمل الموسوعي الكبير الذي أنجزه حسين مروة (النزعات المادية) والذي يوصف بأنه ملحمة فكرية ما كان ليرى النور لو لم تهيئ قيادة الحزب ظرف إنجازه.
[ [ [
كتاب محمد دكروب بمقدمته المراجعة الجديدة مرثاة لفجيعة حركة التقدم الإنساني بفشل التجربة الشيوعية عندما تحولت من أحزاب ببرامج ثورية طموحة الى أنظمة حاكمة، لا تخفف من دكتاتوريتها وبوليسيتها الشعارات والأعلام الخفاقة التي استقطبت الجماهير الى الوعد بتغيير العالم، ثم خذلتها وخذلت شعاراتها والأعلام بفساد السلطة التي صيرت المناضلين الى مسوخ للحكام، حتى من قبل أن يحكموا!
وأفترض أن هذه المقدمة بذاتها تشكل نموذجاً فاضحاً للممارسات القيادية التي لم تكن دائماً صحيحة، والتي طالما شخصنت القيادة بل الحزب في حالات كثيرة مع خالد بكداش وبعده، وفي سوريا كما في لبنان، وحتى في التي ظلت الحركة الشيوعية والى حد كبير هجينة أو مهجنة، وكان بين شعارات مؤتمراتها الحزبية الهتاف عند الافتتاح: فليعش الرفيق الأمين العام ألف عام … ولقد عاش بعض الرفاق القادة، مع الاسف، أكثر مما عاشت الأحزاب التي تولوا أمانتها العامة ثم لم يغادروها إلا الى… القبر.
… والى الكتاب التالي أيها القلم الذي كما النحلة قد يطعم عسلاً فإذا ما أضير لسع فأوجع، وانما برقة دكروبية مميزة!
جلباب العشق
انفتحت مظلة الليل وهبطن منها متراصفات، في الصالة التي تزدحم فيها الشهوات والرغبة في إثبات الاهلية، بل ربما القدرة على التفوق على الذات.
وكان عابر سبيل حين وجد من يدفعه الى خابية العسل!
ليست الاسماء، هنا، مدخلاً الى الصداقة. إنها تأشيرة عبور من الصمت المحرج الى فضاء الكلام المطلق. وبالتالي لا ضرورة للتدقيق. رقم الهاتف يكفي ويزيد!
وليست الموسيقى امتحانا للذوق أو للثقافة الفنية. هي مجرد مولد للحرارة ومحرك للخصور وسائر تقاطيع الجسد في اللقاء بين الغرباء.
الاختيار حر: من نظرت فهي لك! ومن نظرتك فأنت لها! فإن أنت غضضت طرفك سبقك الآخرون، وبحسب الاذواق، الى من يرونها الاجمل أو الاظرف، تاركين لك الخيبة عارية إلا من بعض أوراق التين.
بعيدا عن زحام الغرائز، كانت تلتوي على نفسها، وكأنها لا تسمع غير تلك الاغنية التي كان يبثها المسجل.
نظرها فقامت معه. لم يقل أحدهما كلمة حتى آوتهما الغرفة الثانية.
هي هنا، هو هنا والليل مداهما المفتوح. الشراب نهر والموسيقى بحر والرغبة ساقية من الندى.
الليل جلباب العشق فاخلعيه، وليرقص العري للشمعة التي تتلوى عبرها الظلال التي تجعلك حريماً لأمير وحيد.
وانطفأ الليل فامحت الظلال، في انتظار الشمس التي تعيد الناس والاشياء والامكنة الى صورتها الاولى.
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
لا تحدد للحب مواعيده، اتركه يحدد لنفسه ساعات الذروة. ليست الساعة هي التي تأتي بك إليه. هو من يصنع أيامك ولياليك فماذا يهم إن سبق الوقت فلحقت به، أو سبقت الوقت فسعى راكضا ليعوض العناق الفائت؟!

Exit mobile version