طلال سلمان

هوامش

أهلاً بأحمد الربعي… الثالث/الرابع/ الخامس!
عاد إلينا الربعي والعود أحمد !
عاد إلينا بصورته وصوته كمجادل ذرب اللسان حاضر الحجة في الصح والغلط، وعاد الينا بقلمه المشاغب الذي يكاد يعجز عن متابعة تحولاته برغم تميزه بثقافة واسعة وبقدرته على استخدام اتساعها في الاتجاهات المتعاكسة.
وأحمد الربعي متعدد بحيث انك تكتشف فيه جديدا بين كل لقاءين. ولقد أطل على دنيا السياسة فتى من باب نضالي كان يتمثل في حركة القوميين العرب، أيام كانت تنظيما عربيا شاملا يطمح الى تحقيق الوحدة انطلاقا من تحرير فلسطين، او بالعكس. وكان الدكتور جورج حبش، المؤمن الصوفي بالوحدة كطريق للتحرير، هو الأمين العام لهذه الحركة التي انفتحت لها الارض العربية جميعا، فكانت لها تنظيماتها القطرية في معظم الدول العربية، منافسة لحزب البعث العربي الاشتراكي الذي كان قد سبقها بسنوات وأرسى قواعد له في بلاد الشام خاصة، ثم حاول ان يمتد الى اقطار المغرب… وكان البعث أقرب الى الفقراء ومن تستهويهم الدعوة الاشتراكية، الجديدة في الخمسينيات، بينما اختارت نسبة كبرى من البورجوازيين أو أبناء الطبقة الوسطى حركة القوميين العرب طريقا.
كان القائد في الكويت الدكتور احمد الخطيب، الذي كان رفيق دراسة و رفيق تأسيس للدكتور جورج حبش ومعهما طبيب ثالث هو المقاتل المتميز وديع حداد، الذي استخدم عقله العلمي في ابتداع أنماط جديدة من العمل الفدائي داخل فلسطين المحتلة، والذي يعتبر المهندس الأكبر لعمليات خطف الطائرات، وتلك قصة اخرى.
تربى أحمد الربعي سياسيا في احضان هذه الحركة وتحت قيادة الدكتور احمد الخطيب، وسط نخبة من شباب الكويت المؤمنين بعروبتهم بينهم المناضل الراحل سامي المنيس والمناضل الصامد أمد الله في عمره جاسم القطامي ورفيقة حياته ونضاله السيدة أم محمد، والمناضل المتحدر من صلب الحركة النقابية التي كانت بؤرة ثورية عمادها العاملون في المنشآت النفطية عبد الله النيباري الذي لم يطوَ علمه برغم الرصاص الذي حاولوا به طي زنده، بل وطي حياته.
لكن أحمد الربعي الذي يعشق الحياة ويغب من ينابيع معارفها وأطايبها فلا يرتوي، اختار مجال التعليم بعدما أنهى دراساته العليا، وحقق نجاحا ملحوظا في استقطاب الشبيبة، مما زكى ترشيحه للانتخابات النيابية باسم الحركة التي صارت فروعها القطرية تنظيمات مستقلة قائمة بذاتها، واختار كل فرع الاسم الذي يناسبه.
بعد النيابة قفز احمد الى الوزارة، باسم التجمع الديموقراطي بداية ثم بالاستقلال عنه في ما بعد، وان ظل على علاقة صداقة حميمة بأركانه الذين تفهموا تحولاته الشخصية في ضوء التحولات العامة التي اجتاحت الأرض العربية نتيجة للهزائم القومية وتحول الانظمة العسكرية التي جاءت باسمها الى دكتاتوريات بين أبرز نماذجها صدام حسين، الذي ما ان أوقفت مغامرته الحربية ضد الثورة الاسلامية في ايران وتوقف عنه الدعم الاستثنائي الذي منح له عربياً، ودولياً، ليمضي فيها طوال ثماني سنوات حتى اتخذ قراره الارعن باجتياح الكويت.
وكان منطقياً بعد الاجتياح أن تغلب النزعة القطرية على الطموح القومي وأن يصير الدكتور احمد الربعي أحد الدعاة الفصحاء للاستقلال القطري ولو في ظل الحماية الاميركية. ولم تكن حالة الربعي فريدة في بابه، فإن ممارسات بعض الانظمة المتلطية بالشعار القومي أعادت إحياء الكيانية والنزعة الانفصالية عند النخب العربية .
لكن احمد الربعي نجح في ان يكون رجل كل الفصول، المثقف، الظريف، السريع البديهة، القادر على إقناع الجمهور بالشيء وعكسه، المبادر، النشيط، الكاتب، المناقش، المشاغب، المحدث، ذرب اللسان، الاستاذ الجامعي، الدون جوان ، العارف بأحوال العرب، المتابع ما يحدث في العالم من تحولات.
.. وقبل شهور قليلة أصبنا بالصدمة: لقد سقط احمد الربعي ضحية لمرض خبيث… واختفى هذا الوجه الأليف والذي لا تستطيع إلا أن تحبه على رغم خلافك معه، وقد كان يملأ الشاشات والأندية والصحف بمجادلاته ومماحكاته. وكان ذلك أمراً محزناً.
قبل أيام أضاءت الغرفة صورة احمد الربعي على التلفزيون يجادل ويناقش ويشاغب وينتصر… ثم عادت زاويته الى الصحف التي تعوّد أن يكتب فيها، فغمرنا الفرح بعودة قلم مثقف حتى وإن جنح الى المهادنة أو المساومة أو عقد الصفقات أحيانا بين الصح والغلط.
حمد الله على سلامتك أيها المشاغب الذي يبحث دائما عن الثوابت لكي ينقضها، ثم يتصدى لرثائها كأبلغ ما يكون الرثاء.
أدونيس: النساء حبراً للقصيدة!
يشعرك أدونيس، أحيانا، بأنه بات يمارس الكتابة، شعرا ونثرا، كترف يسلي به نفسه في أوقات الفراغ من.. الكتابة!
لقد قال الشعر فأبدع، اقتفى القافية ثم خرج عليها فصار صاحب مدرسة في التجديد، ثم خرج على خروجه الأول فصار مدرسة جديدة. أما في النثر فقد كتب فأعجز، ولم ينجح أحد من تلامذته في اللحاق به. من قلده في شعره أسقطه التجديد في النمط الشعري، ومن قلده في نثره أعجزه تجاوز الذات في محاولات الكتابة المختلفة. ولم يعرف أحد قط عند أدونيس الحدود بين الشعر والنثر، فنثره يتجاوز الشعر أحيانا، خصوصا عندما يحمله فيثقله بالرموز والايحاءات والايماءات التي تفترضها راهنة فإذا هي تغوص في قلب التاريخ، تتجاوز الصفحات المضيئة منها لتتوغل في الصفحات السوداء لتكتب بدماء المقتولين المنسيين والذين تفوق أعدادهم أعداد جيوش الحكام جميعا، خلفاء وأمراء وولاة، وقادة جيوش.
على أن قصيدة درويش التي لما تكتمل، والتي يضيف اليها كل امرأة يعرفها أو يلقاها، هي الحب . والحب امرأة، والمرأة هي العالم الانساني الأرحب. هي البحر، هي الفضاء، هي الورد، هي القمر، هي الشمس، هي سر الحياة، هي قهر الموت، هي الشباب، هي الفتوة التي لا تشيخ، هي سر الرجولة ومداها.
ليس أدونيس كاهنا متعبدا، وليس قديسا، انه شيطان يعابث القديسين. انه يحاول ان يستفزهم، ان يستثير غيرتهم، انه يعير الملائكة برجولته. انه يستدرج النساء الى مائدته ليفاضل بين أصنافهن ثم يصرفهن إما لأنهن أقل أنوثة مما يحب، أو لأنهن، أكثر أنوثة مما يطيق.
الحياة امرأة، لكنها لا تكون بلا رجل.
وللرجل كل النساء، اذا قدر. وللمرأة كل الرجال اذا استطاعت.
والديوان أصغر من أن يضم كل النساء. والحياة أوسع من أن يشغلها رجل واحد. لكن الرجل الواحد يتسع لكل النساء، وإن تعاظم فصنفهنّ درجات، بحسب مزاجه.
في كل قصيدة يعيد أدونيس خلق المرأة، فيعيد خلق نفسه رجلاً.
وأدونيس يعرف أن الحب هو الذي يبقيه إنسانا، والانسان فيه رجل وامرأة، لا يهم من أين أنت والى أين تذهب بعده. المهم أن تكون حبراً لقلمه.
ياسين رفاعية والحب الذي يميت الموت
لم يعرف الناس، إلا في الحكايات الخالدة، قصة حب تكاد تكون حياة كاملة لأبطالها كالحب الذي عاشه ياسين رفاعية وأمل جراح.
إنه حب يسكن القلب والخاطر والقلم والاهتمامات اليومية، العلاقات مع الآخرين. انه في البيت وفي المقهى وفي الشارع. في حالة الصحة ثم يتعاظم مع حالة المرض الذي عانت منه طويلاً تلك الشاعرة الرقيقة والذي حوّل زوجها حبيبها رفيقها راعيها ممرضها وطبيبها الى حد ما ياسين رفاعية الى شاعر تفرغ لرواية الحالة التي كاد يحولها الى مأساة إنسانية تخص البشر جميعاً في كل أرضهم.
لقد صار الألم بيت الشعر وبيت الرواية وبيت القصة القصيرة وبيت المقالة وبيت هاتف الاطمئنان، وبيت التفاصيل التي أعيدت صياغتها فصارت دواوين للوجع دخلت إليها أسباب التمريض وأدواته وتأوهات الفراق ثم الاحساس بالفراغ يجتاح الدنيا ويحاصر الزوج كاليتم أو ما هو أمّر وأدهى.
مجنون أمل ، مجنون الجرّاح ، هو ياسين رفاعية،
لم تنته حكاية الحب برحيل أمل، بل لقد تدفقت أمواجاً بكل صيحات الوجع المبحوح، بكل إشراقات الأمل التي ما تلبث ان تنطفئ، بل لقد استعيدت تفاصيل منسية للتفاصيل المروية سابقا حتى تكتمل رواية هذا الحب الاسطوري الذي امتد عبر القارات وتطهّر بالألم حتى شفّ فصار نهراً من الآهات، وكاد يضفي هالة من الرقة على آلات الجراحة وزجاجات الادوية والطريق بين سرير الوجع وحمام النزاع الأخير.
في حياة أمل كان ياسين قصاصا وكاتباً صحافياً و روائياً له حضوره الذي يستدعيها دائماً فيغدو وحده اثنين…
وها هو ياسين رفاعية يمنع على أمل الغياب، فيستدعيها ويجعلها صلاته اليومية، والنهر الذي يمد قلمه بالألم الكافي لإطلاق رواية جديدة… عنها.
وآخر رواياته تنفي الموت بتأكيد الحب. وطالما ان الحب لا يموت فإن أمل هي الداء الذي يكتب به قلم ياسين بغير توقف.
عن امرأة تصنع رجالها
قالت: أريدك. هكذا ببساطة. وأعرف أنك تريدني. هكذا، مباشرة. هذا هو أسلوبي. أعرف أنك تغرق الآن في خجلك. أعرف أنك تعتبرني وقحة. أعرف أنك قد تعتبرني مجنونة، أو ربما تصورت أنني تجاوزت حدودي. لكنني أعرف أن إقامتي في الدنيا لن تطول، ولذلك فإنني أسعى الى هدفي رأساً. ليس عندي وقت أضيعه. ثم ان ليس ثمة بين الرجال من يعجبني إلا قلة قليلة. كذلك لا أخفيك أنني أفضّل أن أختار بنفسي من أريده من أن أجلس في معرض لكي يختارني واحد من هؤلاء الرجال المنفوخين بذكورتهم والذين يفترضون أن الله قد خلق لهم الدنيا لتكون ملعبهم، وخلق فيها النساء من أجل متعتهم.
لم يرد. بدا عليه شيء من الذهول الممتزج بالاعجاب، لكنه بحث عن لسانه فإذا هو قطعة من خشب. تنحنح. أصلح من جلوسه. نفخ صدره. زفر هواء كان قد حبسه في صدره طيلة الفترة التي استهلكتها محاضرتها. نظر إليها طويلاً… غب من الهواء نفساً عميقاً. ثم عاد ينظر إليها. بمزيج من الاعجاب والوله.
قالت تتعجله: ماذا قررت؟! صارحني. لن أعتب ولن أغضب ولن ألومك. لست أول رجل يخذلني ولست آخر الرجال في العالم. لكنني أكرر: أريدك. ولسوف أحظى بك، شئت أم أبيت. لكنني أريدك شريكي في قراري.
لم يرد، فقامت منصرفة. عند الباب التفتت إليه ونبرت: لديك عنواني. أنتظرك مع المساء.
لم ينم طوال الليل. أقفل هاتفه. لم يضئ مصباحاً واحداً في بيته. انطوى في زاوية من غرفة نومه يعلك الاسئلة والاجوبة، يهم ثم يتردد ثم يتراجع، حتى تعب فأراح نفسه على مقعده الوثير. حاول أن يكتب فلم ينجح. حاول أن يتصل فتردد ثم تخلى عن الفكرة..
وحين فتح النافذة ورأى الشمس في كبد السماء، استمد شجاعة لم يعرفها في ذاته من قبل، فقام الى الهاتف يطلبها. فجاءه صوتها مسجلاً: لقد خسرت أيها الجبان. سأجد غيرك، ولن تجد غيري من تجعلك إنسانا!
من أقوال نسمة
قال لي نسمة الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
لا أخاف من حبيبي إذا تركني مغضباً، ولكنني أخاف إذا جعل صمته عباءة ثم تلفّع بها وتركني وأنا لما أكمل حديثي. أخاف أن يكون قد اعتبرني دون مستواه، وأن يكون حكم عليّ بثرثرتي. ولكن ما حيلتي إذا كان الحب يطلق لساني بأي كلام حتى أثير إعجاب حبيبي… فيحبني أكثر!

Exit mobile version