طلال سلمان

هوامش

وليد شميط يكشف التضليل الإعلامي بغير طبول

يمنحنا معرض الكتاب الذي كان عربيا، فصار دوليا، والذي ينظمه، في بيروت، النادي الثقافي العربي ونقابة اتحاد الناشرين، فرصة تستولد فرصا اضافية: اذ تعيد الينا، ولو لايام، بعض زملائنا من الصحافيين وبعض اصدقائنا من الكتاب الذين »اخذتهم« منا الغربة فخسرنا مساهماتهم وانفاسهم معنا، وان كانوا بمجملهم قد واصلوا العطاء من على البعد، وظل الوطن في صدورهم كما في كتاباتهم والشفويات… حتى وان جنح بعضهم الى حسم القضايا المعقدة بواسطة »الحلول عن بعد« على الطريقة الاميركية او على الطريقة الاسرائيلية، ولا حدود بين بوش وشارون ولا فروق!
من المفاجآت المفرحة التي جاءتنا مع المعرض، هذا العام، اطلالة وليد شميط بعد غياب طال اكثر مما كان يرغب واكثر مما رغبنا ونرغب. وهو قد جاءنا ومعه هدية العيد: كتاب شهادة لابن عاليه البار بانه ما زال يحمل الهم الوطني والقومي في قلبه، وانه وقد بات اكثر ثقافة واعظم خبرة يستطيع ان يعطي انتاجا مميزا، وفي مجال نحتاج الى المزيد منه للدفاع عن بديهيات حقنا في الحياة.
كتاب وليد شميط يحمل عنوانا صريحا »امبراطورية المحافظين الجدد: التضليل الاعلامي وحرب العراق«… واسلوب وليد فيه يرتكز على التحليل وليس على التقدير او العاطفة والحماسة بالانفعال الذي يخرجها عن الموضوعية، ثم انه يعتمد اسلوب البحث الرصين والمناقشة بمنطق هادئ، وان كان القهر يملأ صدور المهزومين بالجمر.
لقد اختار وليد الموضوع الذي يستطيع ان يعطي فيه ثمارا طيبة. فهذا الاعلامي الممتاز الذي بدأ علاقته بالمهنة من موقع الناقد السينمائي ثم دخل العمل الاذاعي من بوابة »اذاعة الشرق في باريس« عن طريق ابتداع او اقتباس ما اسماه يومها »النشرة الاخبارية المستمرة«، يعرف كيف »تصنع« الاخبار في العواصم الكبرى، والعاصمة الاميركية تحديدا، لخدمة اهداف سياسية محددة، وكيف بالاجتزاء او بتضخيم تفصيل ما يمكن طمس او تحريف المعنى او التغطية على جوهر الخبر (او الموضوع) بحيث يتحول الجاني الى محرر والضحية الى قاتل ارهابي يهدد السلام العالمي. وهو في مناقشته لمنطق »الاخبار« قد تجاوز »الظاهر« الى »الباطن«، اي الى الفلسفة التي ترتكز عليها سياسة التضليل الاعلامي بالخلفيات الفكرية والسياسية واهدافها »البريئة«.
فمع جورج بوش على رأس الادارة الاميركية، وهو »اكثر رئيس انجيلي عرفته اميركا«، وفي استغلال مكشوف لتفجيرات 11 ايلول 2001، امكن ان تشن الادارة الاميركية أشرس حملة على العرب والمسلمين… وقد بلغ من ضراوتها ان تم تحريف المعلومات وتزوير الوقائع فاستُخدم صدام حسين الذي طالما رعته المخابرات الاميركية وحمت حروبه على شعبه وغزواته ضد جيرانه كبعبع لتخويف العالم منه ومن الاسلام والعروبة معا، وكان آخر ما ابتدعت اسطورة اسلحة الدمار الشامل التي كان لا بد منها لتبرير حربها لاحتلال العراق تمهيدا لاجتياح سائر هذه المنطقة، ودائما بالتفاق وبالشراكة مع دولة الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين.
يعرض وليد شميط في كتابه، بالاستناد الى رصد ممتاز لوسائل الاعلام الاميركية، فنون الدعاية المضادة للعرب والمسلمين والمبررة ليس فقط لاجتياح بلادهم بل لاستئصالهم باعتبارهم ولاّدة الارهاب العالمي.
ويربط وليد شميط بين الفكر السياسي الديني لمجموعة المحافظين الجدد وبين ادوات التنفيذ ممثلة بأجهزة المخابرات وهي متعددة، ثم يكشف وسائل التعبير المعتمدة التي تمتد من الاخبار الى التحليلات الى دور هوليوود في هذه الحرب الشاملة.
ومع انه ليس للدعاية وزارة خاصة في الادارة الاميركية لكن »الدعاية« موجودة في البيت الابيض ووزارة الخارجية والادارات الرسمية وغير الرسمية… و»الادارة« تستخدم نحو خمسة آلاف اعلامي واكثر من 15 الف اختصاصي في العلاقات العامة… وهي في وزارة الخارجية تُعتبر »دبلوماسية خاصة«، وفي وزارة الدفاع تتْبع »مكتب الخطط الخاصة« الذي أنشأه رامسفيلد.
لقد أقيمت »امبراطورية الخوف« كما يسميها بنجامين باربر، والمفكر الاميركي نعوم تشومسكي يتحدث عن »القطيع التائه«، و»مجتمع النخبة« فيقول ما مفاده: يجب تخويف القطيع التائه دائما، فهو ان لم يكن مسكونا بكل انواع الخوف والشياطين فإنه يمكن ان يبدأ بالتفكير وهذا يهدد بخطر فادح وداهم…
وبالطبع، فإن وليد شميط يشير الى دور »اذاعة سوا« البديلة من »صوت اميركا«، التي تحاول استقطاب الجمهور بالاغنية والموسيقى وتمرير سم الفتنة عبرهما، إلى فضائية »الحرة« التي وفرت فرصة عمل لقطيع من كارهي اوطانهم بذريعة الاعتراض على حكامهم، ثم مجلة »هاي« التي تأخذ الشباب الى النمط الاميركي للحياة.
على ان بين اهم ما يكشفه كتاب وليد شميط هو الجهد الذي بذلته الادارة »لتحييد هوليوود« حتى لا تؤثّر احقادُ العصبة الصهيونية النافذة فيها في الخطط الاستراتيجية، بالتنسيق او بالتواطؤ مع وزارة الدفاع.
ذلك ان للعربي، في هوليوود، صورة نمطية: فهو في الغالب الأعم شيخ صحراوي متعصب، بدائي، يضطهد المرأة، ويعتقد ان بامكانه شراء اميركا بثروته النفطية.
وفي الماضي، ادخل الرئيس الاميركي روزفلت هوليوود في التعبئة الوطنية للحرب ضد دول المحور… ثم ادخلها ترومان في الحرب ضد الشيوعية.
وفي هذا المجال يقول المفكر الفرنسي المعروف ريجيس دوبريه: ان هوليوود هي التي اسقطت الشيوعية لافتقارها الى الصورة اكثر مما يعود الى افتقار الشيوعية الى الافكار.
وايديولوجية هوليوود هي ايديولوجية اميركا نفسها، نموذج البطل في الافلام والمسلسلات: رجل ابيض، بملامح انكلوسكسونية، ينتمي الى نخبة، ينجح في عمله بالجهد الكبير ومصارعة الاشرار والانتصار عليهم.
ومن في الدنيا من اشرار غير العرب والمسلمين بشهادة 11 ايلول 2001!
لقد صمت ولد شميط الكاتب طويلا، بعد كتابه الاول: »يوسف شاهين: حياة للسينما«، لكنه أعطى كتابا ممتازا يساعد كثيرا على فهم الفلسفة التي يرتكز عليها النظام الاعلامي لامبراطورية الخوف والموجه الى تخويفنا جميعا، تمهيدا لاستسلامنا بغير قتال، لاننا سنكون مستنزفين بقتال الذات، بمبررات طائفية او مذهبية او عنصرية، بحيث يأخذنا الاحتلال غنائم حرب وسبايا اباطرة فاشلين يقهرون شعوبهم لحساب المحتل الاجنبي، لا فرق ان كان اميركيا ام اسرائيليا.
أكثر من طلاتك يا وليد!

سناء غنوي شاعرة بالشهادتين

لقصائد سناء غنوي »مدخل« يغري بالقراءة، وعلى الغلاف الأخير شهادة تخرّج: أما الاولى فيصدرها الشاعر الذي لا يتعبه العشق محمد علي شمس الدين، واما الثانية فتنالها من الشاعر الكاتب الراوية الناقد الظريف الذي يُضحكك من النكتة او التورية عشر مرات بدلا من المرة الواحدة: جورج جرداق.
… وتدخل الى عالم هذه الصبية المتنمرة لشدة ثقتها بشعرها وفي ذهنك تمهيد شمس الدين عن »التنهدات اللطيفة التي تصعد من صدر العاشقة كما يصعد لهب اصفر من صدر مدفأة الشتاء«. تقرأ:
»أنت… اهب عينيك لعمري/ طوّق بالورد خصري
تجعلني عيناك اكثر طفولة، اكثر انوثة، اكثر غنجا وأرق دلالا«. تقلّب الصفحات القليلة التي تتناثر فيها صور المراهقة التي تتداخل فيها العفوية مع الاجتهاد في محاولة التعبير عن مشاعرها:
»اعيدك في لحظات البدء/ هنا في داخلي/ موجاً لا يتوقف/ لا يهدأ«.
وبرغم ان الصور محدودة، الا انها تحاول ان تستولد منها معاني مختلفة، وهكذا يتكرر توصيف العينين والايدي والشفاه والجواد والصهيل:
»… وكانت عيناك وسادتي التي خضبها العشق/ وكنت ابحث فيها عن خصلات شعري/ التي ارسلتها يوما مع السفن المهاجرة.
»تحت هذا المطر، الدنيا تحكي اجمل القصص
… ورشق برد في ارجائنا/ ام من شفاهنا رشق من زهر«.
ولكن استاذنا جورج جرداق يقول ان هذا النص »المتوهج بالحياة والزاخر بالحالات المكثفة التي تحياها الكاتبة الشاعرة سناء غنوي وتعبر عنها تعبيرا يعتمد التورية الرمزية والايحاء«… ثم يختم فيصف حضور الشاعرة بأنه بهي، وبأنها »متحدة بكل ما حولها من عناصر الطبيعة«… واذا قال جورج جرداق صدقناه، ولهذا قرأنا وعرضنا والأجر على الله!

عشية احتراق الصهيل!

الموسيقى تنشر عدوى الفرح، وزغرودة الناي، مصحوبا بصخب الطبل المنغم، تسحب المنتشين المسحورين الى حلقة الرقص… ويتداخل الحشد العظيم في الحلبة التي كانت فسيحة فضاقت بالعشاق والمبتهجين والمتلهفين الى اجازة من همومهم ومن قيود المراتب والمناصب وربطات العنق التي تصير اشبه بحبال المشنقة.
كانوا مئة، بل بضع مئات يتزاحمون بالمناكب في الحلقة التي صهرتهم فصاروا واحدا، حين تهادت متوهجة كاحتراق البحر بشمس الغياب. دفع كل جاره الى الخلف لعله يستدرجها اليه. وكانت تبحث عن الامتلاء وليس عن مساحة فارغة. الوهج يبعد المتطفلين، ومن العينين تشع الرغبة، وتتلهف الاذنان الى الصهيل.
حاموا من حولها فتعالت، حاولوا حصارها فتخطتهم جميعا، بحركتها الدائرية التي كانت تستولد من حولها حلقة النار، بتلك النظرة المتلهفة الى رفيق صبا آت استجابة للنداء الذي لم يسمعه غيره، فلباه ليعطيها الاكتمال.
الحلقة اضيق من الرغبة، والفتية اصغر من التمني، والكهول اعجز من التطلب، والمعشوق بعيد عن مدى اليد والعين، والشمعة لا تصير شمسا، والآه المحبوسة في الصدر تثقل على القلب، وليس غير الرقص متنفسا لكل الرغبات.
لف الاحمر المكان: الطاولات والمقاعد والكؤوس، وجوه الفتية المتفجرة عيونهم بالرغبة، وتنهدات الذين طاولوا العشق فما طالوه… وكان كل من تشير اليه يطير ثم لا يجد مهبطا فيظل معلقا في الهواء بخيوط التمني.
قبيل انتصاف الليل تعالى الصهيل فاتسعت له الحلقة، وقنع الجمهور المثقل بالنشوة بان يستمتع بوقع حوافر الخيول وهي تطير في قلب الحريق الذي كان ثوبا أحمر للصبا المتفجر وروداً لخريف الآخرين.

من أقوال نسمة
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
ليس كاذباً من يقول انه لم يحب الا امرأة واحدة، في حياته.. كذلك فهو ليس بصادق!
وما ذنب المحب اذا كانت امرأته تتبدى في صور متعددة. ليست المرأة نسخة واحدة. المرأة الف امرأة في واحدة.
وسعيد الحظ من يجمع كل نسائه في تلك المرأة الواحدة.

Exit mobile version