طلال سلمان

هوامش

حسن الضيقه وإرنست رينان: صراع الغرب والإسلام!

من الصعب، ان لم يكن من المستحيل، قراءة العلاقة بين »الغرب« الاوروبي بداية ثم الاميركي الآن، وبين »الاسلام« والمسلمين، عرباً كانوا على وجه الخصوص، ام أمما وشعوباً شتى لا يجمعهم بالعرب إلا الدين، من خلال »السياسة« وحدها.
إنها علاقة معقدة جداً، ملتبسة في العديد من وجوهها، يتداخل فيها العامل الديني مع العامل القومي، ويبقى الدور الحاسم في انتظام هذه العلاقة على قاعدة ما، للقوة، وللقوة وحدها: فالأقوى يهيمن او يسيطر على الاضعف، تاركا لروح »الثأر« المختزنة عبر تاريخ حافل بالمصادمات والمواجهات والاحتلال ان تقرر المواقع وشكل الالتحاق.
إن مسألة انضمام تركيا الى الاتحاد الاوروبي مثلا، بكل تعقيداتها، تكشف بعض الجوانب الحادة لهذه العلاقة، مفسرة ما يبدو عصياً على التفسير من الاشكالات التي تتخذ في كثير من الاحيان شكل »العقد النفسية« التي تحكم العلاقة بين »العرب« و»الغرب«، بدءا من الاقطار العربية في شمالي افريقيا الى الاحتلال الاميركي للعراق، مع وقفة مطولة بالتحليل الدقيق للموقف الغربي عموماً من فلسطين وما وقع لها ويقع وسائر مجريات الصراع العربي الاسرائيلي.
ان الامر يتجاوز رغبة الاقوى بالهيمنة على الاضعف، او النزعة الى السيطرة على الموارد والثروات الطبيعية والتحكم بالمواقع الاستراتيجية. في العمق ثمة نوازع اخرى يتداخل فيها الدين مع القومية، والاستعلاء والرغبة في انتقام »المتقدم« الذي اخذه »المتخلف« على حين غرة، والذي جاءه بدين ومفاهيم وطقوس وشعائر مغايرة لما كان سائداً في مجتمعه الذي استطاع اعادة صياغة المسيحية فجعلها »غربية« تماماً تكاد تنكرها الكنيسة الشرقية ويكاد لا يتعرف إليها الرسل الذين ذهبوا الى الغرب حاملين في الصدور ايمانهم العميق بالسيد المسيح ورسالته، في حين ان هذا المجتمع عجز عن اعادة صياغة الاسلام بقيمه ومفاهيمه وحدوده وطقوسه فتعامل معه عبر الوجه العسكري للغازي العربي المسلم وحكم على الدين من خلال قادة حملات »الفتح« لا من خلال »الرسالة«.
في الكتاب الجديد لحسن الضيقه »دولة محمد علي والغرب: الاستحواذ والاستقلال« ما يشير الى هذا الاختلال الدائم في العلاقة بين الغرب الاوروبي، أساساً، وبين المسلمين، سواء عبر دولتهم المركزية آنذاك، ممثلة بالامبراطورية العثمانية، ام عبر نزوع بعض الشعوب العربية والاسلامية الى »الاستقلال« او التحرر والخروج من اسر تلك الامبراطورية الخلافة، والذي لا يمكن تفسيره بالسياسة فقط، بل لا بد من تلمس أثر التعصب الديني والرغبة في الانتقام بل الثأر من الاسلام والمسلمين فيه.
وفي كثير من صفحات هذا الكتاب الذي يناقش، بعمق، التفسيرات والتحليلات التي اسقطت على قراءة تلك العلاقة المعقدة بين محمد علي ومشروعه »الثوري« في مصر، مع بداية القرن التاسع عشر، وبين الغرب، ما يفسر او يسلط الضوء على كثير من التوصيفات التي اسبغت على الحملة الاميركية (الغربية) الجديدة على »الشرق« عموماً، تحت عنوان »الحرب على الإرهاب«، فاحتلت العراق وكل ما حوله، تقريباً، من أرض العرب، متحالفة ومتواكبة ومتكاملة مع الاحتلال الاسرائيلي لفلسطين في طوره التوسعي الجديد الذي يكاد يبتلعها جميعاً مسقطاً منها »غزة« لتتآكل في نيران حرب اهلية تستدعي تدخله لوقفها… كمنقذ لمن تبقى من هذا الشعب الذي، كغيره من الشعوب العربية والاسلامية، لا يستحق نعمة الحرية والديموقراطية والاستقلال، لان »الاسلام« حكم عليه بتخلف ابدي لا يحول ولا يزول، يسنده »فساد« مستشر هو من طبيعة الاشياء في هذه المنطقة!
ولا يمكن لقارئ كتاب حسن الضيقه عن »دولة محمد علي والغرب« ان يباعد بين ما يقرأ عما كان قبل مئتي عام تقريبا، ومن ضمنه نظرة الغربيين، حكاماً ومثقفين ومفكرين استراتيجيين ومبشرين ورجال دين، وبين ما يتابعه اليوم مما يصدر عن الادارة الاميركية او عن منظرين وفلاسفة ومفكرين ومستشرقين حول العرب والمسلمين، مؤكداً صلة الرحم بين الاسلام والإرهاب، والذي تبلور في بعض جوانبه بمشروع الشرق الاوسط الكبير او الواسع او الاكبر، مرفقا بالدعوات الملحة الى ضرورة اصلاح الاوضاع والاخذ بالديموقراطية في هذه المنطقة التي فرض عليها الاسلام التخلف ومعاداة الحضارة والرفض الغريزي للديموقراطية!
يقول حسن الضيقة موصفاً موقف الغرب ومراكز الفكر المتغرب من الانتفاضات الشعبية او الثورات او الهبّات الاعتراضية التي لجأت إليها بعض الشعوب الاسلامية (العربية أساسا) للتحرر من السلطنة الخلافة:
»لم تجد مراكز الفكر المتغرب امام ما تواجهه من مقاومة إلا العمل على استعادة لغة عصر الانوار بأثواب جديدة، وبذلك استعادت مراكز القرار الاوروبي ايديولوجيتها العنصرية تحت غطاء الرسالة التمدينية.
»ان لغة الصراع السابقة قد سقطت بسقوط اطرافها، وذلك باعتبار انهيار دولة محمد علي من جهة ووقوع السلطنة في هيمنة الدول الاوروبية من جهة ثانية.
»لهذا نلحظ في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ولادة خطاب استعماري جديد متعدد الاهداف والوظائف… وفي ظل المرحلة الجديدة عُدت الثقافة الاسلامية في منظور الفكر التنويري هدفا مركزيا يجب العمل على تدميره واستئصاله…
»لهذا نرى شيخ العلمانية الفرنسية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر ارنست رينان يكتب في العام 1862 قائلاً: الشرط الاساسي لانتشار العبقرية الاوروبية هو تدمير المنتج السامي بامتياز، تدمير السلطة التيوقراطية الاسلامية، ومن ثم تدمير الروح الاسلامية. الحرب لن تتوقف إلا عندما يموت آخر ابناء اسماعيل من البؤس. ان الاسلام هو النفي الاكمل لاوروبا… والاسلام هو التعصب، والاسلام هو احتقار العلم، والغاء المجتمع المدني. انه، ببساطة، الروح الاسلامية المرعبة التي تضيق الدماغ البشري وتغلقه امام كل فكرة مرهفة… امام كل بحث عقلاني«.
ألا يشبه هذا المنطق بعض ما نقرأه ونسمعه اليوم، من منظري اليمين المحافظ، سليل المسيحية اليهودية، في الولايات المتحدة، في تبرير الحملة العسكرية الغربية الجديدة لتمدين الشرق الاوسط الكبير، على الطريقة الاسرائيلية في فلسطين، او على الطريقة الاميركية في العراق؟!
أليست مفارقة ان يكتب ذلك المفكر الكبير، ارنست رينان، هذا الكلام، بينما البعثات الدراسية الاولى التي اوفدها محمد علي الى الغرب، كانت طلائعها تعود الى مصر، تحديداً، وتنشر انطلاقاً من مقارنتها بين واقع بلادها الاجتماعي والثقافي وبين دول الغرب المتقدم، الدعوة الى حوار الحضارات، وضرورة الأخذ بأسباب التقدم، وتنبذ التعصب، ويقول ابرز دعاتها انه »وجد في فرنسا مسلمين ولا إسلام بينما في مصر إسلام ولا مسلمون«!
كأنما يجب ان تبقى للشرق، للعرب والمسلمين، تلك الصورة الشائعة لأكوام من الهمج، الذين يستعصون على التمدن والأخذ بأسباب الحضارة وولوج العصر… ليبقى مبرر احتلاله لتمدينه قائماً باستمرار.
ربما لهذا يُشفع الغرب دعوته العرب والمسلمين الى اصلاح احوالهم بالاحتلال، ودعوته الى الديموقراطية بدمغهم بالإرهاب الذي بات يشمل الآن كل انواع المقاومة للاحتلال الاجنبي كما لنظام التعسف والقهر القائم في اي مكان، من دنيا العرب والمسلمين.
وكتاب حسن الضيقه دعوة الى التفكير الهادئ بما يدبر لغدنا، بعيداً عن المكابرة وبعيداً ايضاً عن احتقار الذات والدونية والشعور بالحاجة الى من يمدننا ولو بالغاء هويتنا وانتمائنا الى هذا الشرق… الملعون!

صفوان حيدر يركض خلف طلة…

صفوان حيدر نسيج وحده: لا شبيه له ولا مثيل.
أحيانا يدهمك الاحساس وأنت تسمعه انه قد اصطنع نفسه بنفسه، فإن قرأت له بعض ما يسيل من قلمه الغزير الانتاج، وفي موضوعات متعددة بعضها لا يخطر لك ببال، تأكدت من انه قد اصطنع قلمه أيضاً، وأسلوبه واهتماماته ومجالات متابعته، فجاءك بجديد غير متوقع وغير مألوف.
وصفوان حيدر الذي يصير، برغبته وبقرار منه، ريام الاندروميدي، لا يفعل ذلك بقصد التنكر، بل بتأكيد تعدده داخل نفسه الواحدة التي يختلط فيها الشاعر بالكاتب، والباحث بمستقرئ الغيب، والمطلع على أحوال الآخرين بما يؤكد فيه الفرادة.
من آخر انتاج لصفوان حيدر »مفاتيح الغفران« اخترت »مقاطع« قد تساعد على معرفة هذا الإنسان الكوني المتمدد باتساع الفضاء وان بقيت قدماه على الأرض:
لا يريد ريام/ سوى القليل القليل/ من فيء نور شمسك الصباحية/
ولا يريد سوى القليل القليل من عطر أنسام بحرك اللازوردي
ومن فرح السنونو/ فوق صنوبراتك الرائعة.
لم يعد ريام قادراً على النسيان.
لم يعد ريام عاجزاً عن التذكر.
رأيت »ما كان« يركض لاهثا خلف »ما سيكون«
ورأيت »ما سيكون« يركض لاهنا خلف »ما كان«
أما أنا فأريد ان أمشي بلا ركض ولا هرولة خلف ظلي في اللامكان واللازمان.

الغناء في المغطس… وشركات قتل الهوية!

صارت الأغاني كالأزياء: تتغير مع المواسم. فثمة أغان للصيف، وأغان للشتاء… أغان للنوم، وأغان للنزهات الخلوية. أغان لتحت الماء، وأغان لمغاطس الحمامات الفخمة.
وصارت المغنيات عارضات للأزياء الجديدة، لا سيما منها ما يبرز مكامن الجمال المخفية عند نجمات الطرب الحديث: الصدر، العنق، المؤخرة، الساق الملفوفة على الساق أو الساقين المفتوحتين، أو الجسد المعرى أكثره وهو يتقلب على الفراش متلهفاً قدوم شريك المخدة.
أما المغنون، بمن فيهم أولئك الفتية الريفيون الذين بالكاد يعرفون المدينة، فيظهرون في سيارات سباق، أو في زوارق لم يحلموا بحراستها، أو يجلسون في مقاعد قباطنة الطائرات الخاصة.. وتتزاحم من حولهم مجموعات من الفتيات الجميلات، فيهن السمراء ناعسة العينين، والشقراء أو المشقرة كبنات الثلج في شمالي أوروبا، وكلهن يرقصن ابتهاجاً أو تودداً أو مغازلة أو مداعبة مباشرة لهذا أو ذاك من المطربين الفحول، ذوي القمصان المفتوحة والسراويل المقطعة، والقبعات المضحكة، والذين يغنون وهم نيام، أو وهم يركضون في البراري أو يغطسون في البحر فيهتز… طرباً!
بعض هؤلاء الفتية لم يحلم، قبل بضعة شهور، بأن يصافح امرأة بيضاء، وبأن يرى امرأة بثياب البحر، فكيف حاله وهي تحتضنه شبه عارية؟!
من نعم الله علينا ان أية »أغنية« من هذه الروائع لا تعيش أكثر من ثلاثة أو أربعة شهور… وان عدد المغنين والمغنيات قد صار من الكثرة بحيث لا تجد ضرورة لأن تحفظ أسماءهم، خصوصاً ان »البورصة« تتحكم بظهورهم، فتعفيك من انهاك ذاكرتك بتلك الأسماء التي لم تعد تدل على أصحابها وإنما على شركة الانتاج.
احفظ وجدانك من التشوه، ان استطعت.
فحرب الاستتباع لها أيضاً عسكر من الطبول والاورغ والكلام الهجين والاجساد العارية المشوهة للذوق… وشركات الانتاج القاتلة للهوية!

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب ظالم. انه يطالبك بأن تعطي فإن سألت مقابلاً وقعت في الأنانية، والأنانية تأخذ إلى بغض الآخر، وبغض الآخر يلتهم حبيبك، في نهاية الأمر.
تحب نفسك في حبيبك، وحبيبك في الناس. ليكن الناس، في قلبك يكن حبيبك لك وحدك.

Exit mobile version