طلال سلمان

هوامش

حجارة »طالبان« وحجارة فلسطين
وفي مستهل شهر ذي الحجة من سنة 1421 للهجرة، الواقع فيه شهر آذار من سنة 2001 الميلادية وصل شيء من الإسلام الى جاهلية »طالبان« الأفغانية فخرج رجالها الملتحون من كهوف غربتهم عن الدين والدنيا، الى نور الدعوة السامية، فلم يفهموا منها ولم يأخذوا عنها الا ضرورة تحطيم الاصنام التي تقف عائقا متحجرا بينهم وبين الله الذي لا إله غيره ولا شريك له.
لم تكن الأصنام، هنا، مثل تلك التي تم تحطيمها في الكعبة، مصطنعة على عجل، بعضها من خشب وأكثرها من تمر يأكلها صانعوها إذا ما جاعوا او أكلوا فشبعوا فطلبت نفوسهم الحلوى.
كانت بعض الجبال، عكف المؤمنون بديانة أخرى، وهم بين أجدادهم، على حفرها في قلب الصخر، في أمكنة معزولة لا يصلها الا من يقصدها، ولا يلتفت إليها بالتقديس الا أتباع بوذا، اما سائر البشر من غير البوذيين فيتأملونها بإعجاب لدقة الصناعة، وباحترام لتاريخ السابقين من الآباء والأجداد بمعزل عن معتقداتهم الدينية السائدة قبل انتشار نور الاسلام في هذه الارض معبر الحضارات.
صار على البشر الآن ان يتوقفوا أمام هذه الظاهرة فيقارنوا بين هذه التماثيل التي نبت لها فجأة ألف لسان ولسان، وبين هؤلاء »الجاهليين« الجدد من »الطالبان« الذين انتبهوا فجأة وبعد أربعة عشر قرنا من الاسلام الى وجود هذه التماثيل فقرروا تهديمها لتأكيد ايمانهم العميق بوحدانية الله، والذين لا يملكون ما يردون به مدافعين عن أنفسهم الا تلك الحجج السخيفة التي تسيء الى الاسلام والمسلمين عموما وإلى أفغانستان والافغان خصوصا إساءات بالغة، والتي تحوّلهم، هم »طالبان«، إلى مجموعة من الهمج المتوحشين، أعداء الحضارة، أعداء الفن، أعداء التاريخ، تاريخهم، أعداء أجدادهم وبلادهم وتراثها الثقافي… وهو محدود أصلا!
نسي العالم مأساة أفغانستان وجراحها المفتوحة منذ عقدين او ثلاثة، والتي دمر الصراع الدولي إنسانها وكيانها ومواردها الفقيرة.
سقطت من ذاكرة الكون صور المذابح التي نظمها الاميركيون للتشهير بالاتحاد السوفياتي والشيوعيين، ثم تلك التي رتّبها الشيوعيون لفضح عورات الاميركيين وحلفائهم العرب الذين صاروا بقدرة قادر أفغانا…
توارت الى الظل المدن المهدمة على رؤوس أهاليها والقرى المحاصرة التي تُركت للجوع والفقر والعوز والموت يحصد أبناءها.
اختفت فجأة صور المجازر المنظمة التي دبرتها وأشرفت عليها المخابرات المركزية الاميركية لتقسيم الشعب الواحد طوائف وشِيَعاً، وشبك الكل بالكل في حروب إبادة كادت تذهب بآخر أفغاني.
سحبت من التداول أخبار الحروب المفتوحة في الشرق والشمال، في الغرب والجنوب، والتي كادت تورط دولا كبرى في الصراع العبثي على هذا المعبر الاستراتيجي بين إيران الثورة السلامية وهذا التطرف الهندوسي العائد الى السلطة وباكستان الحروب الاهلية المنظمة فوحد سدة السلطة بين القبائل والأعراق والتي تتخذ احيانا من »السنّة« و»الشيعة« سببا إضافيا، لكي تستدرج الى الحرب قوى الخارج..
أكثر من هذا وذاك: طُمست أخبار انتفاضة الاقصى في فلسطين، اذ ما قيمة ان يقتل الاسرائيليون مئة طفل او عشر نساء او يجرحوا خمسة عشر ألف رجل، وان يدمروا المدارس والبيوت ويغتالوا الاشجار، ويبنوا المستوطنات الاستعمارية الجديدة، مقابل هذا التهديد الافغاني الجديد للحضارة الانسانية متمثلا بتدمير تماثيل بوذا في المناطق الجبلية العاصية التي لم تطأها قدم أجنبي منذ بدء التاريخ، فظلت خارج التاريخ؟!
وأسقطت في سلة المهملات صور الأطفال العراقيين الذين يموتون يوميا لسوء التغذية او نقص الدواء، والذين يدفعون ثمن حماقة ارتكبها الحاكم الذي تسبب في قتل آبائهم في مغامرة فاشلة جعلت العرب عربين، وعطلت طاقاتهم بل هدرتها بل هي »منحتها« للمستفيد الاول من هذه المغامرة، السيد الاميركي، كاملة غير منقوصة.
صار التمثالان المهجوران اللذان لم يكن يعرف أحد موقعهما في غياهب ذلك العالم الافغاني المجهول أهم من جميع خلق الله من المسلمين والهندوس والسيخ والمسيحيين والبوذيين والبراهمزيين، الأفغان والبلوش والهنود والفرس والأكراد والكلدان والحثيين والعرب العاربة والمستعربة.
الحجر أهم من البشر، هنا.
أما في فلسطين فلا شيء يهم: لا البشر ولا الحجر ولا الشجر، لا الحاضر ولا المستقبل. لا الاطفال ولا الفتية، لا النساء ولا الرجال، لا المسلمون ولا المسيحيون، ولا حتى مصير اليهود من أبناء المنطقة الاصليين الذين كانوا يعيشون بأمان واطمئنان مع »أهلهم« هنا حتى جاءهم المشروع الاستعماري الصهيوني من الغرب فجعلهم أعداء، خيارهم محدد: ان يقتلوا أهلهم ألف مرة في اليوم او تنكر عليهم يهوديتهم وحقهم في الانتماء الى دولة العهد القديم.
* * *
لقد أتى على الناس عصر صار فيه »اليهود« إسرائيليين، اي استعماريين ومستعمرين ومحتلين، قتلة للاطفال وسفاحين وأبطال مجازر وقادة حروب إبادة في بلاد الآخرين من مساكين الله الذين تصادف أنهم عرب فلسطينيون.
وأتى على الناس عصر صار فيه المسلمون »طالبان«، اي جهلة بالدين وبالدنيا، ولدهم الزواج الحرام بين أجهزة مخابرات »الكفّار« فإذا هم الادعياء بأنهم القيمون على الدين الحنيف، مع انهم لا يعرفون لغته ولا مبادئه الاصلية ولا يفهمون دعوته السامية، ولا يعملون بقيمه التي تكرم الانسان وتحترم التاريخ وتحفظ التراث الحضاري وتحض على حمايته وتعزيزه والاضافة إليه.
هنا، في فلسطين أساسا، وفي العراق، وفي معظم أرض العرب، يقتلون الانسان مع حرص شديد على الحجر.
وهناك في بلاد »طالبان« يقتلون في »الحجر« الدين والانسان، حرصا على طقوس ومفاهيم ليست من الاسلام في شيء.
»طالبان« من الاسلام والمسلمين بقدر ما هي إسرائيل، الدولة العادية والمستعدية، الظالمة والمستعمرة، من سلالة أبي الأنبياء ابراهيم الخليل.
والله أعلم، من قبل ومن بعد.

حواء واللعبة
حين اقتحمت »حواء« طاولة اللعبة الساذجة استقبلها الرجال المؤكدون رجولتهم بالشنبات الكثيفة بالترحاب: هي لون من الفاكهة او المرطبات تخفف من حدة الاشتباك بين اللاعبين المتنافسين على صدارة ما لا صدر له.
دارى الرجال المتنافسون ارتباكهم بالتوجه اليها نفاقا وزلفى، فصاروا »لعبتها«.
استمتعت باللعب الى أقصى حدود المتعة، واستعرضت كفاءاتها جميعا، وهم يدورون من حولها فلا يعرفون كيف يتوقفون.
لعبت بعينيها، حتى أتعبت عيونهم فكلت عن متابعتها.
لعبت بحاجبيها، بعينيها، بشفتيها، وحين لمحت عند بعضهم شيئا من العصيان لعبت بنهديها، ملوحة بأنها قد تستخدم عند الحاجة يديها.
تهاطل النفاق مدرارا، ومشى الصديق على صديقه ليصل اليها مع علمه ان الوصول يعني نهاية اللعبة.
كاد الكل يشتبك بالكل، في حين كانت الطاولة قد تحولت الى معرض لأسلحتها الفتاكة: تمد يدها فإذا أيدي الجميع فوقها، تدانيها، تلامسها بذريعة المساعدة، ثم يطويها اصحابها ليحفظوا ما علق بها من النشوة العارضة.
قام صاحب »اللعبة« فقامت.
قال: »أسعدتم مساء«، وانصرف وهي معه، وقد واتتها الفرصة لتلعب بالجزء الامتع الذي كان مخفياً، فاذا الكل يتمايلون حسب حركة الجذع المتمايل ليفسح المجال للخيال كي يبني لصاحبه فرصة الحركة الاخيرة في اللعبة البتراء.

حكايات مبتورة
قالت متأففة: تطاردني بنظراتك حيثما ذهبت، فتربك مشيتي، وأكاد احيانا أتعثر بها، هلا كففت عن إزعاجي؟!
قال معتذرا: اما انت فلك الدنيا كلها، تمرحين فيها وتستمتعين بطيباتها، أدام الله عليك نعمة الشباب، اما مثلي فلم يعد يملك غير متعة النظر. كافحيني بالنسيان، كما أكافحك بالحضور، فإذا كلانا قد قنص من السعادة نصيبه.
} لم تكن تتوقع ان يكون بين المدعوين فأجفلت حين وجدته أمامها وفي عينيه طيف تلك الابتسامة الساخرة التي يضعها على شفتيه كلما أجبرته اللياقة على تصرف لا يرغب فيه.
قالت شامتة: أرجو أن تستمتع بوقتك مع هذا الحشد من الثقلاء.
قال وقد اتسعت ابتسامته: من أراه داخل عيني وليس خارجها.
قالت: لم يعد لي فيها مكان، إذاً.
قال وهو يمشي نحو مقعده: الداخل للداخل الخارج للخارج، ولا وسط ولا وسيط.
} قال: أينكِ لا نراكِ ولا أنت تسألين..
قالت: من فتح قلبك رأى، من فتح أذنيه زاغ منه البصر!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
الحب متعب لأنه يأخذك الى حياة جديدة ويجبرك على تغيير شامل في نمط عيشك. انه يفتح عينيك، بعد قلبك، فترى الناس غير من عرفت، وترى فيك غير ما ألفت. انه الخلق الجديد، ولذلك يهرب منه الجبناء والعجزة والمستكينون في قلب العبث.

Exit mobile version