طلال سلمان

هوامش

اشتر مطربك في ديموقراطية ملوك الهاتف الخلوي!
أما وقد انتهت حرب »الطرب بالتصويت الخلوي«! فقد بات ممكنا تسجيل بعض الملاحظات غير العسكرية على هذه العملية التجارية المهولة التي سخرت فيها »الأصوات« مرتين، الأولى غناءً والثانية وهي الأهم بالاتصال الهاتفي الذي يعبر عن العصبية بأكثر مما يعبر عن المزاج.
الملاحظة الأولى إن الجمهور العربي يعاني من فراغ قاتل لا يجد ما يملأ به وقته وينتظر أية »صرعة« ليشارك مفترضا أن مشاركته تؤكد »حضوره«: أنا أقترع إذن أنا موجود!
الملاحظة الثانية إن هذا الجمهور العربي المقموع والممنوع عليه التعبير عن رأيه في كل ما يتصل بشؤون بلاده ومصيرها، متلهف لأن يبدي رأيه في أي أمر، مهما كان تفصيليا: أنا أقترع، إذن أنا صاحب حق! أنا طرف معني! لقد اعترفوا بي!
الملاحظة الثالثة ان هذا الجمهور العربي الذي لا دور له ولا حق في الاختيار، والذي يفرض عليه كل ما يتصل بشؤون حياته، في السياسة وفي الاقتصاد، في الثقافة وفي الفنون، وحتى في المأكل والملبس (بفعل الحملات الإعلانية الكاسحة ووسائل الترويج والتشويق التي تضيع العقل وتسيل اللعاب)، يفرح أيما فرح حين »يوهمونه« بأنه إنما قرر بنفسه واختار بإرادته الحرة ما قرروه له سلفا واختاروه له بالنيابة عنه.
الملاحظة الرابعة ان هذا الجمهور العربي المفسدة ذائقته الفنية بهذا السيل من الأغاني الهابطة والألحان الالكترونية والأصوات الأقرب إلى العواء أو المواء أو النعيق، الممنوع من اختيار من وما يطربه، المحجوب عنه تراثه الفني، كأنما الأصوات الجميلة والألحان الخالدة تموت، لم يعد يملك القدرة على التمييز بين الأصيل والدخيل، بين المنقول والمنحول، ولكنه إذا ما سمع ميز، وإذا ما أصغى فإنه سيعود إلى المخبوء في صدره ليرشده إلى الصح.. أو ما تبقى منه ليستنقذ ما يمكن استنقاذه من وجدانه، قبل أن تغلق دائرة الإفساد من حوله.
الملاحظة الخامسة إن هذا الجمهور العربي المشوش فكره السياسي بخطاب العجز الرسمي، المحبط إلى حد اليأس من ذاته، المسترهن بضائقته الاقتصادية، فاقد الأمان مع إيمانه الديني الذي أُدخل في البازار السياسي الدولي المفتوح تحت عنوان »الإرهاب«، صار يخاف من تراثه أو موروثه الثقافي والفني إما لأن هذا الموروث قد صنف خارج العصر، أو لأنه صار مصدرا لشبهة بل لتهمة ثابتة بالتخلف أو بالإرهاب أو بكليهما معاً… ولذا فإنه بحاجة إلى تطمين »رسمي« بأنه إن اختار ما يفضله فلن يقاد إلى السجن أو يحجر عليه لحماية المجتمع من وبائه!
الملاحظة السادسة إن هذا الجمهور العربي لتشوقه إلى اقتناص فرصة للتعبير عن ذاتيته، كان مستعدا لأن يدفع »ثمن« حقه في التصويت… وهكذا فإن كل »مواطن« قد اقتطع من قروشه القليلة ما يمكنه من التعبير عن »مزاجه«. أي إنه اشترى »الديموقراطية« حينما أتيحت أمامه الفرصة »لشراء« ما تيسر منها في الفن، ما دام حقه الديموقراطي في الشأن السياسي محظوراً أو موقوفاً أو معلقاً أو ملغى.
الملاحظة السابعة إن هذا الجمهور العربي الممنوع من ممارسة حقه في اختيار حكامه، من أعلى المستويات وحتى أدناها، قد حاول استنقاذ ما تيسر من حقه في المفاضلة بين المطربين والمطربات… ففي العادة تختار له شركات الإنتاج أو يختار له مديرو البرامج في محطات الإذاعة والتلفزيون من يسمع، وماذا يسمع. وغالباً ما يكون الاختيار مضاداً لرغبته، وأحياناً مهيناً لذوقه، حتى لا نقول لكرامته.
الملاحظة الثامنة إن هذا الجمهور العربي المعزول بعضه عن البعض الآخر، والممنوع من التواصل سياسياً واقتصادياً، وحتى فنياً، لأن كل »دولة« قد اعتمدت مطربيها ومطرباتها وحجرت على الآخرين الوافدين من الأقطار الأخرى، قد »اهتبل« الفرصة لتأكيد وحدة وجدانه، ولو دفع ثمن هذه الفرصة من حر ماله، فأسقط كل ما لا يحب أن يسمعه من الأغاني المفروضة عليه، وأسقط كل هذا الكم الهائل من المطربين بثيابهم أو بلحاهم أو بأقدامهم، والمطربات بعيونهن أو بصدورهن أو بسيقانهن أو بمؤخراتهن أو بالمداعبات الجنسية المكشوفة مع عشاقهن.
وهكذا لم يصمد أمام الاختبار، من المطربين والمطربات، إلا تلك النخبة من المنتمين إلى الفن الأصيل، فانحصر الخيار بين الذين تخطوا حدود العصبيات والأحقاد القطرية، والذين اعتمدوا على شيء من الثقافة الموسيقية وسهر الليالي في تعلم شيء من اللغة وإجادة النطق وتذوق الشعر بوصفه موحد الوجدان.
كانت فرصة ليقول هذا الجمهور الممنوع من القول إنه موحد في وجدانه وإن مُنعت عنه الوحدة في واقعه السياسي والاقتصادي، أي إنه »عربي«، لم يفقد إيمانه بعروبته… وان ذوقه، من حيث المبدأ سليم، مهما تفاقمت الجهود لإفساده، وانه ما زال قادراً على التمييز بين الجيد والرديء… وانه مستعد لأن يدفع من حر ماله ثمن مشاركته في إبداء رأيه في أمر تفصيلي، فكيف في أمور مصيره.
كانت فرصة لأن يربح التجار ذهباً من استغلال هذا التشوّق إلى تأكيد وحدة الوجدان وتأكيد سمو الذوق وتأكيد القدرة على الاختيار، ولو في أمر عارض، وفي »أوكازيون« مصنوع لغير هذا كله!
هيا، عجّل، واشتر نصيبك من الديموقراطية الهاتفية، وفي برنامج أجنبي الأصل، بالدولار الأميركي الجبار.
هيا، اشتر مطربك أو مطربتك.. في المزاد العلني المفتوح لحساب ملوك الهاتف الخلوي!

شميم الصبا البكر في ليلة صيف قمرية

هي ليلة صيف قمرية تتسع لكل انواع المتعة: من خلوة عاشقين في احضان شجرة معمرة في رأس الجبل، الى موعد بالمصادفة المقصورد في قلب الزحام بما يدرأ الشبهة من دون ان يلغي الفرصة لرقصة مشتركة في الحلبة الضيقة التي تتسع لجنسيات شتى، ومن تلاق له الطابع العائلي الى دعوة من صديق من »اهل البلاد« يريد ان يرد الجميل للوافدين من البلد الذي أكرمه ووفر له الرزق وطيب الاقامة.
في المقاهي التي يمكن، ايضاً، اعتبارها بين الملاهي، وحتى بين المطاعم، كان الشبان السمر الوجوه يقومون على حراسة بنات العائلة، دون ان تصرفهم هذه المهمة عن تلبية مواعيد »بنات البلد«، تاركين للشقيقات والقريبات فرصة للتنفس بتبادل الرسائل والمواعيد مع »شباب البلد«.
في المقهى المنعزل، والذي لا تعثر على مدخله بسهولة، »خلا الليل« لبعض المتلاقين بالمصادفة المقصودة: »لعلنا نجد ضالتنا في هذا المكان الذي لا يعثر عليه الفضوليون بسهولة«.
كانوا يتوزعون على طاولات عائلية عدة.. حتى اذا فعلت الموسيقى الصاخبة فعلها قاموا جماعة، وقمن مثنى، وتحمس اكثر من نادل (لسابق معرفة بعائلات الزبائن، على الارجح) فشارك في الرقص بإتقان من عرف الخليج من الداخل.
فجأة، وكالتماعة برق، ظهرت »ربة الوجه الصبوح«، في الحلبة التي تزايد ازدحام الشبان فيها حتى كادوا يشكلون حلقة من حولها. لكنها وجدت لنفسها حيزاً وواصلت رقصها بنشوة من ينتظر هذه اللحظة منذ حين ولا يريد إضاعتها.
رقصت مع رفيقة حتى انفض الزحام. ورقصت مرة اخرى مع رفيقة ثانية. ورقصت مرة ثالثة مع نادل يبدو انه على علاقة ود بالعائلة في موطنها الاصلي. ورقصت مرة رابعة مع قريب لها، اصغر منها لكنه لافت بحضوره.
توقفت الموسيقى فترة كانت كافية لأن تمسح بحر عرقها الذي كان يجعل وجهها متوهجاً بشبابها.
لكن التوقف لم يدم طويلاً… وحين استأنف عازف الاورغ اطلاق موسيقاه بلحن خليجي جديد فوجئ بها الجميع ترقص خارج الحلبة، قريباً من طاولة العائلة.
لم يكن شعرها بالغ الطول، لكنه كان بطوله المعتدل كافياً لأن يغمر المقهى كله بعطر يمتزج فيه الطيب بالحنة بأثر بخور قديم بفرح الشباب بندى العافية بالشوق الى الحب.
رفرف شميم الصبا البكر فانتشى المكان بكل من وما فيه… وتوالدت الاخيلة واستعيدت الذكريات عبر التنهدات الحرى.
وعند الانصراف كان الجميع حريصاً على ان يخصها بنظرة وداع.. في حين كان شعرها المجعد يرفرف فوق المقهى فيكاد يعطيه العنوان الذي يعكف من راقصها على نظمه شعراً الآن!

رسالة خاصة إلى ذات القلبين

قلبان قلبكِ.. وفي العينين الواسعتين كبحيرتين من زمرد يسري حلم أخضر ينثر الفرح على شرفات الهديل.
عمران عمرك، ورحبة هي الدنيا بالحب الذي يموج به صدرك فيمسح عنه الوجع ويحفر فيه مهجعاً للبشارة.
… وحين يأخذك تعب التطلع إلى الكمال يتسنى لنا أن نقرأ على صفحة الوجه الذي استعاد بهاءه أسفاراً وأشعاراً وآيات وتسابيح لا يعرف تهجئتها إلا أهل العشق المكتوم.
يا ذات القلبين: يليق بك الحب، تليق بك زهوة الشباب يا الوردة التي يجملها الجرح المغسول بندى الفجر وهو يطل عفياً ليكشح عتمة الليلين…
يا التي يسكنك الغد كما سكنت الوعد: ها هو الأمل يملأك بالنعمة ويشعشع فيك صبحاً بهياً كذلك الذي سهرت له مع القاهرة زمناً، ومع دمشق زمناً، ومع بغداد زمنين، ومع القدس كل الأزمنة.
لأنك مخلوقة للزمن الصعب ها هي الأعباء تتوالد حتى تغطي الصفحات جميعاً، يا التي لا تعيش إلا بتحدي الضعف ورفض الاستسلام، والتي انتصرت قليلاً وسلمت بالعجز قليلاً، لأن الآخرين تخلفوا باليأس أو أخذهم منها التعب، فصار عليها أن تعوضهم جميعاً.
تقولين وتعيدين بإصرار: بل لا بد من فرصة للقتال من أجل الصح.. لا بد من مساحة للحقيقة، ولو بانتزاعها بقوة الإيمان بالناس. لا بد من استيلاد الأمل عبر مواجهة الغلط في عينيه. لا بد من محاسبة الذات. إن لم يحاسب »الكبير« الكبير فليحاسب »الصغار« كبراءهم فيكبروا. لا بد من أن يخرج الناس من المقهى ومن المصلى ومن الديوانيات إلى ساحة العمل. كيف يتقدمون وهم يهدرون من الوقت بأي متعة رخيصة أكثر ممّا يصرفون من وقت في القراءة، ويقبعون مخدرين أمام الشاشات أكثر من وقت العمل، وينهشون لحوم بعضهم غيبة بدلاً من الحوار الصريح بكل الخلافات والاختلاف للوصول إلى المشترك، حتى لا يجيء الغد »سِفاحاً« أو ابناً شرعياً للانحراف والتخاذل وقتل الذات عبر قتل الوقت الذي به ومنه يصنع التاريخ؟!
هل اكتمل ديوان حزن الصبا الأول، يا أنشودة الفرح، التي لم يعد يأتيها بالابتسامة غير الأطفال الذين ينوءون تحت ثقل الآمال المحالة عليهم تعويضاً عن عجز الأجداد والآباء؟!
علينا، أحياناً، أن نلوي عنق الأقدار بالحب: حب الحياة، حب الناس، الناس بضعفهم وبخوفهم وبأسباب قوتهم الكامنة والتي لا يعرفونها دائماً ولكن إرادة الحياة تجعلهم يكتشفونها ويشقون بها الطريق إلى الغد الأفضل.
يا ذات القلبين: لك الحياة، فليكن لك فيها فرح الانتصار على الضعف، وعناد القادر على إعادة صياغة المكتوب بحبر العيون، حتى يكون للآتين بهجة المستقبل الذي ستكون له أسماؤهم.
واسمك العيد يا التي تمطر عيناها شعراً أخضر.

من أقوال نسمة

قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة إلا الحب:
الحب يعيد خلق المحب، يعطيه عينين جديدتين تريان الجمال حيث لم يكن يراه، ويعطيه شعوراً بالترفع والكبر يمنعه من الابتذال او امتهان كرامته، ويعطيه رحابة صدر يقبل معها الناس كما هم، فيغفر الخطأ ويتسامح مع المقصر.
محبان اثنان يبدلان مجتمعاً. أليس الحب سحراً؟! بل حبيبي هو السحر؟!
فابحث عن سحرك، تكن لك الحياة.

Exit mobile version