طلال سلمان

هوامش

عن العرب والمسلمين: الأخطر، الأتفه، اللاأحد
»أخطر« الرجال في العالم هم »المسلمون« عموما والعرب على وجه الخصوص!
»أتفه« الرجال في العالم وأقلهم قيمة هم المسلمون عموما، والعرب على وجه الخصوص!
المرفوضون، المقموعون، المغيّبون الى حد الإلغاء، المستحضرون او المستنبتون لتحمّل مسؤولية أبشع الجرائم ضد الناس والحضارة الانسانية.
المتوحشون، الجهلة، الأميّون، المتبطلون، العاطلون من كل كفاءة، القتلة السفاحون، النابذون، المنبوذون، المعادون للاجنبي المبهورون به الى حد الوله، القردة المقلّدون غيرهم في كل مبتدع من »تقليعاتهم«، مستوردو كل احتياجاتهم حتى مآكلهم ومياه الشرب، المتنكرون لأصولهم، محتقرو لغتهم وتراثهم، المبهورون الى حد العمى بما أبدع »أجدادهم« الذين لا يعرفونهم في عصور غاربة، المتكبرون على اخوتهم الى حد انكارهم، المتصاغرون أمام خصومهم حتى الإمحاء، المستهينون بأعدائهم الى حد الغفلة، جلابة الهزائم، معظّمو اعدائهم الى حد الغاء انفسهم، المغرورون باعة اوهامهم لأنفسهم، الادعياء الكذبة، المتذبذبون بين طموح لا يطال وبين امتهان الذات والاحساس بالضآلة والعجز عن أداء أبسط الاعمال اليدوية، ناهيك بالفكرية. الهاجرون أرضهم بذريعة انها لم تعد تطعمهم، المهاجرون الى حيث الطعام على حساب هويتهم. المتباهون بفحولتهم مع النساء، الهاربون من مواقف الرجولة في مواجهة الآخر. المكسورون في داخلهم، المذعورون من احتمال مواجهة العيب.
هل هو قدر »العربي«، ومن ثم »المسلم«، التائه عن نفسه، المضيع طريقه الى غده، البائس في حياته اليومية، الجبار في المواجهة الفردية الى حد الاستشهاد، المسحوق كمجموع بحيث يتهدده خطر الاندثار؟!
هذا المظلوم الابدي، الظالم نفسه وغيره، المضطهَد المضطهِد. المتكابر، المتصاغر المتذبذب بين استحالة ان يكون واستحالة ان يزول.
يهرب من قمع حاكمه وغربة الفقر في وطنه الى وطن الغنى في الغربة، وهو في الحالين يسقط سهوا من ذاكرة الدنيا، فان فشل فلنفسه ولأهله وان نجح فلغيره.
لا مكانة له في أرضه، ولا مكان له بذاته خارجها: ان أراد هويته خسر نفسه، وان أراد حياته خسر هويته.
في البداية كانت الاجابات المبسطة تكفيه: أنت عربي، وهذه أرضك الفسيحة ذات المئتين او الثلاثمئة مليون من أهلك المتزايدين كالارانب. وعندك السند المهول في المليار من المسلمين.
تعقدت الظروف وتعددت المواجهات فتهاوت الاجوبة المبسطة.
كشفت التجارب ان الحياة بمواجهاتها متعددة الجبهات، اكثر تعقيدا من ان عليها الايمان بالمطلقات، وان »الكتاب« لا يتضمن الاجوبة القاطعة على الاسئلة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي ان لم يحل »أهل الكتاب« إشكالاتها بقوا خارج العصر.. اي خارج الحياة!
لا يأتي الغيب بالحلول، والنص بقارئه في حاضره، و»الاجتهاد« متعذر لانه قد يُحاسب كخروج على »المقدس«، وغير جائز القول بأن الانسان هو الهدف وهو الغاية وهو مصدر التقديس وغايته؟ أليس من اجله كانت الرسالات، والله جار الانبياء، فهل تعيش الرسالة خارج الناس او على حسابهم او من دونهم؟! وان كانوا هم هدفها حقا فلماذا لا يترك لهم ان يفسروها او ان يترجموها وفق احتياجاتهم في زمانهم ومن دون ان يتهموا بالتجديف او بالردة والكفر والشرك والزندقة الخ. الدين للانسان أم الانسان للدين؟ وماذا يفعل الناس بالدين ان هو ظل خارج حياتهم ومطالبهم، سواء في ذلك طموحاتهم السياسية او أمور معاشهم او حريتهم الفكرية؟!
مسكين هذا »العربي«، وبائس هذا »المسلم«.. كلاهما خارج الزمن!
كل »عربي« مسجون داخل معادلات مستحيلة: ان هو طلب حرية وطنه سُلبت منه حريته الشخصية، وان هو مارس حريته الشخصية قاتله حاكمه باسم الدين وباسم الوطن وبذريعة حماية الدولة من المتآمرين لهدمها، وان هو لجأ الى دينه أخرجه حاكمه من دنياه، فان اعترض او احتج او قاوم او قاتل لحقته وصمة الارهاب وطارده العالم كله.
ثروته ليست له، ودولته عليه.
الفقهاء يأخذون منه دينه والحكام يأخذون به دنياه.
يجعلون الدين حزبا ثم يمنعونه من التحزب. يجعلون السلطة احتكارا ويمنعونها عنه، ومن طالب بحقه فيها »متآمر« حق عليه العقاب. هم احرار في قمعه، وهو مخير بين ان يكون عبدا حيا او مشبوها فمطلوبا فمحكوما بتهمة محاولة قلب النظام الذي يغدو »المقدس« الوحيد في الدنيا والآخرة.
ان هو عبَد الله رأى فيه حاكمه »مشركا«، فان جهر باعتراضه أنزل به حاكمه »حكم الله«. طريقه الى الله مسدودة بالبدع والطقوس والمخابرات، وطريقه الى دنياه مسدودة بالفقر والتعاسة والجهل والقدر المعزز بالدبابات وقوات مكافحة الشغب. مدرسته خربة، وبيته وكر، وجامعته مركز تفريخ للعاطلين عن العمل، وظيفته مصدر رشوة فان هو رفضها لفظته.
أما عروبته فعنوان هزيمته، لا يتحرر من هذه الا إذا تنصل من تلك.
وأما إسلامه فإسلامات. حيث كانت العروبة هوية صار الاسلام البديل »الاجباري« والعصري. كأنما العروبة سلفية ترجعك الى المندثر من »التراث«، او ان الاسلام السياسي طريقك الى الغد!
خرج العربي من عروبته الى الاسلام فاذا هو عميل أميركي، ثم هو موضوع الحرب الاميركية على الارهاب، فانتهى »لا دنيا ولا آخرة«!
وخرج المسلم من إسلامه خوفا من اتهامه بالارهاب فاذا هو كمية مهملة لا قيمة له ولا رأي له في مصيره.
العربي ضد العربي. العربي ضد المسلم. المسلم ضد العربي. المسلم ضد المسلم. العالم ضد العربي. العالم ضد المسلم. العربي ضد العالم. المسلم ضد العالم. العربي لا أحد. المسلم لا أحد.
لكأن شطب العروبة قد شطب الاسلام، فصار المليار من الخلق كمية مهملة، متهمة بمعاداة الانسانية والتقدم والحرية والعصر.
فيفا أميركا. فيفا إسرائيل!

»معلّقة النهار« يجيء بالشعر من »عربصالين«
لا حياء أمام الشعر، فهو اما ان يقتحمك بالنشوة ويفتح أمامك تلك الدنى المسحورة التي يصطنعها الشعراء برؤى الانبياء وأمزجة الشياطين، وإما ان يصدك عنه وعن صاحبه بلغته المبتورة او بصوره الشوهاء التي تسفح دم الاحلام، وهي كل ما تبقى لنا.
ليس شاعرا من يبقيك خارجه، تتعامل مع قصيدته بمنطق »الخبير«، وتقيس أوزانه بعقلية »المحاسب«، او تحاول استنطاق الدلالات والايحاءات كمن يقرأ الغيب في الفنجان!
محمد علي شمس الدين واحد من البارعين في مخادعتك فتحس انه قد سرق منك المعنى، وانك قادر ان تضيف الى النص بعض ما غفل عنه تاركا لك شرف إنجاز الاكتمال… وحين تختتم القراءة يشعرك أنك انما قد أكملت كتابة قصيدته.
ديواناً بعد ديوان كانت تتكامل »الممالك العالية« حتى جاء التتويج فوق القمة التي انبتت »عربصالين« ومن »عربصالين« تحدر هذا الذي أمه »آمنة المعصومة« وجده »شمس الملة« الذي مات »قتيلا في زنزانته في بغداد«.
»عربصالين«، و»النون« فيها تسبق »ميم« العامة، ومحمد علي يجعلها اثرا للهكسوس متحدرا من غزاة جاءوا من مصر وسابقا على وصول قبيلة »عاملة« التي قدمت من اليمين لتعطينا الفرسان وحرس البحر والشعر حامل مفاتيح الجنة.
تتوالد التلال أعلى فأعلى لتحمل البحر الى القمة فيغسل العباءة الخضراء لهذه البلدة التي تشم البحر ولا تراه، وتسمع النهر ولا يراها، وترفع قبة السماء بالغناء تاركة لجبل الريحان ان يرعى القرى الصغيرة المتعاظمة في السفح منتظمة في الموكب الملكي لجيل الفداء العظيم.
»اني عاشق والارض عشقي وهي أبعد من نشيدي..«.
والمتحدر من »عربصالين« لا يطيق ان يكون عاديا. انه وليد الاستثناء، في المبنى والمعنى، تكاد لغته تعادل صوره جمالا وبهاء. لا شعر من خارج اللغة، وفضل الشعر انه يعيدنا الى فيء هذا النبع المتدفق رواء ورؤى والذي يضيف الى أحلامنا البهاء والجزالة والطلى. وكثيرا ما تشعرك الكلمة انها قد أغنت المخيلة وأخصبتها فاستولدتها الاجمل مما كانت تهم بإنشاده.
»فأنا السكران وسكري فيك/ فصبك في كاسي وتعال وهيتَ لنا/ اعرف من منا كان الخمر ومن منا كان الساقي ومن الصاحي ومن السكران«.
و»عربصالين« كانت في الأسر ولكنها ظلت ترقى جبلها كل يوم لتعيد غربان الاحتلال الذين كانوا يقتعدون قمتها فيصيرون الأسرى وقد كانوا الجلادين… ومحمد علي يحدو للمقاومين الذين يعرف فيهم ملامح وجهه، والذين يركبون قلبه في الذهاب ويعودون فيعود الى العين بصرها والى الارض طهرها والى اللغة الشعر.
في الديوان، وعلى الضفة اليسرى من القلب، تجربة الشاعر مع المرض، فاذا مستشفى الروم ينبت زنابق وياسمين.
شيدت من ألم البنفسج دولة بيضاء عالية/ ومن لغة الطيور شيدت مملكتي/ وأسدلت الغناء على قصوري
».. قال الله حين رأى مفاتنها/ تعال وخذ اليك فمي واليك ندري/ وتعال نلعب«
ويحدق محمد علي في ذاته »ينجب أطفالا وبساتين«، ويكتشف ذاته كرة اخرى: »فقد الجنة آدم ذات سؤال عن معناها/ فاجهل حتى لا تندم«
يهتف بوجع: »يا ليت يموت الذهب الريان«
يكتشف بدهشة: »ان البحر هو القرصان/ البحر أتان يركبه الموج وتلجمه الارسان«.
يشهق بفرح: »يا لجمال رماد التكوين«.
ثم يشق طريقه في قلب الوجع: »الانسان الوحش، اللص، المحتال، القذر، الذئب، الأبله، المخبول، الطبل الاجوف والسعدان/ يحمل في يمناه بنفسجة وبيسراه البوم الابرش..« لكنه سرعان ما يعود الى نفسه:
يمشي على الموت تياها كأن به/ من الألوهة سراً ليس يخفيه
يمشي الهوينا وقتلاه تمجده/ كأنما كل ما يرديه يحييه
أعطيته كل ما أوتيت من نعم/ وما ندمت، فألقاني على التيه«.
ثم تكون الخاتمة: »ها أنت تنهض من ظلام دمائك السوداء ابيض عاليا/ كالبدر، مكتملا ومشتملا على أسماء من غسلوا عذابك او غسلت عذابهم بالماء او بالزيت او برصاصة خرساء… اني اتيت من الغياب لكي أهز حضورك«.
»معلّقة النهار« يسكنه الشعر، وهو سيعود كرة اخرى »كالطير المهاجر في ربيع لم يزل في الارض مطويا ومبتعدا ولم يطلق عناني«.
سيعود »ملكا جذلا، عجلا، ثملا محمولا/ أذكر مما أذكر الا ندمي«
من »عربصالين«، يجيء الشعر متدثرا لغته الخضراء ويجيء محمد علي شمس الدين من الغياب ليهز حضورنا، فيصحبنا الى »ممالكه العالية« ثم يتركنا مع وعد منه »سأعود كالطير المهاجر في ربيع لم يزل في الارض مطويا ولم يطلق عناني«.
وسنظل ننتظر ان يطلق هذا العنان وان نقرأ عربصالين ونغنيها.

تهويمات
} إذا فرغ الصدر من الحب امتلأ الحلق شوكا، وفُقدت الذائقة، ولجأ الجسد الى آليته الذاتية بغير إحساس او لهفة او استمتاع حتى بالطعام.
لا وجود لإنسان خارج الحب.
العالم ينقصه كثير من الناس، برغم المليارات العديدة من سكانه.
} دخلتا الى المتجر معاً. اشترت كل منهما الثوب نفسه وبالسعر نفسه، مع اختلاف في اللون…. لكن كلا منهما اعتبرت انها اشترت الأجمل، وان الاخرى كانت غبية فقلدتها، ولكن أين الثرى من الثريا!
} عندما تنطفئ الرغبة تستحيل الصداقة بين رجل وامرأة.
اما حين تشتعل الرغبة فما الحاجة الى الصداقة؟!
} الصحراء صدر رجل هجرته حبيبته وأضاع جملَه!

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تعرف له مهنة الا الحب:
علمني حبيبي ان أستحم بالصوت الجميل لكي تكتمل نشوتنا. الغناء عطر المحبين. الغناء، بالشعر واللحن والصوت التي تأخذك الى الله، هو ارض لقاء المحبين. هل أجمل من أن تلتقي حبيبك فوق غيمة تسبح بك في أفياء الجنة الموقوفة على من يعرف ان يحب وكيف يحب.

Exit mobile version