طلال سلمان

هوامش

عقوبات أميركية ذكية أم معاقبون عرب أغبياء؟
أكملت الولايات المتحدة الأميركية طوق العقوبات من حول »الجنس العربي« بأكثر قسوة مما تفعله إسرائيل!
على أن الدولة الأعظم قوة في الكون ميّزت بين الدول العربية، وفقاً لمدى »عصيانها«، فخصت الحاكم الأكثر »شراسة« بالعقوبات الذكية، بينما خصت بالعقوبات الغبية أصدقاءها المقربين وآخرهم السعودية التي شن عليها وزير العدل الأميركي حملة تشهير علنية عبر إذاعته نتائج التحقيقات الأميركية في حادث تفجير قاعدة »الخبر« في المملكة، بغير أن يستأذنها أو يحترم سيادتها وحكومتها وأجهزتها التي كانت قد حققت واستقصت وتوصلت إلى نتائج محددة، ربما لم تعجب واشنطن فتجاوزتها أو هي لم تعترف بها أصلاً.
من السهل الاستنتاج أن الولايات المتحدة الأميركية لا تحترم الدول العربية، كبيرتها وصغيرتها، ولا هي تخشاها أو تتحسب لأي رد فعل جدي، أقله على المستوى الرسمي.
فليس سراً، على سبيل المثال، أن كبرى الدول العربية؛ مصر، تعاني الأمرّين مع الولايات المتحدة، وأنها لا تنال منها المساعدات الاقتصادية والعسكرية المقررة لها إلا على طريقة »كل دولار بإهانة«، علماً بأن أكثر من نصف هذه المساعدات يعود إلى واشنطن إما بوصفه أجوراً للخبراء الأميركيين المعارين إلى الحكومة المصرية، وإما على شكل منح تعطى لموظفين، مدنيين وعسكريين، يُستقدمون إلى الولايات المتحدة فيعيشون وينفقون منحهم فيها، وإما على شكل أجور لأكاديميين ودارسين مصريين تكلفهم المؤسسات والمعاهد الأميركية بأبحاث بعضها يتجاوز السيادة، وبعضها يتجاوز الدين والأعراف وما يسمى، عامة، دواعي السلامة الأمنية، بل وثمة ما يطال الطوائف والمذاهب فضلاً عن العلاقة بين الجيش وفقراء المصريين.
كذلك، ليس سراً أن المملكة الأردنية الهاشمية تُجبَر على الوقوف على الباب الأميركي العالي لنيل عطاياه، أو للسماح لها بأن تستقبل في ميناء العقبة بضائع يستوردها العراق وتخضع للتفتيش الدقيق من قبل »جواسيس« المخابرات المركزية الأميركية في الأمم المتحدة للتثبت مثلاً من أن أقلام الرصاص أو الدفاتر المدرسية لن يستخدمها أطفال أرض الرافدين في صنع القنبلة الذرية!
هل نستذكر ليبيا التي تخضع لحصار العقوبات منذ عشر سنوات أو يزيد؟!
وهل نستذكر مع ليبيا السودان الذي دمرت الطائرات الحربية الأميركية المصنع الأساسي للدواء فيه، ثم لما اكتشفت خطأها لم تتكرّم لا بتعويض مادي مناسب ولا بتعويض معنوي على شكل اعتذار علني؟!
هل نستذكر اليمن الذي يدفع الثمن مضاعفاً، إذ يتخذ منه بعض خريجي حقل التدريب الطبيعي في أفغانستان، ممن رعتهم ودربتهم وجهزتهم المخابرات المركزية الأميركية، مسرحاً ومنطلقاً لحركتهم بعد تمردهم على »خالقهم« الذي أراد تسخير الإسلام والمسلمين، فلما انتبهوا إلى تعارض المهمات مع التكليف الأصلي ارتدّوا على السيد الأميركي يسقونه من الكأس التي دربهم على تقديمها لخصومه!
… ثم إنها تدفع ضريبة التأديب الأميركي للدولة اليمنية لعجزها عن حراسة المدمرات الأميركية المزودة بالسلاح النووي.
ومع أن سوريا على قائمة المعاقَبين منذ دهور، ومتهمة أبدية برعاية »الإرهاب«، فقد أصر وزير العدل الأميركي على إيراد اسمها مجدداً في تحقيقاته عن تفجير »الخبر«،
وأما لبنان الذي انقسم الكونغرس الأميركي حول المساعدات الاقتصادية التافهة التي يمنحها لمؤسساته الخاصة والعامة كل عام، والتي ينال كل مواطن منها ما قيمته عشرة دولارات كاملة سنوياً، فإنه أُدرج مجدداً على قائمة مفجري »الخبر«، مع سوريا وإيران إضافة إلى السعودية.
فالمتهمون، من طرف وزير العدل الأميركي، ثلاثة عشر سعودياً ولبناني واحد، يجمعهم تنظيم أُعطي اسم »حزب الله« السعودي. ولكن سوريا متهمة بالتسهيل، وإيران بالإعداد والتمويل ربما، أما لبنان فهو يعرف تهمته وإن لم تُعلَن!
و»حزب الله«، غالباً، و»الإسلام« دائماً، هما »الشرير« الذي ينشر الخراب في العالم، يقتل بلا رحمة، ويلتهم أجساد ضحاياه، ويدمر معالم الحضارة في أربع رياح الأرض.
وهنا تتقاطع الاتهامات الأميركية مع الاتهامات الإسرائيلية، فإذا »الإسلام« ممثلاً بأبشع الرموز التي أنتجتها المخابرات المركزية، مثل »طالبان« و»أسامة بن لادن«، هو الوباء المنتشر كالطاعون ينسف البيوت والسفارات ويقتل النساء والأطفال ويدمر مراكز يحتشد فيها آلاف الموظفين، كمركز التجارة الدولي.
ولأن واشنطن ذكية جداً ومسموعة الكلمة ومهيبة و»تعرف« ما لا يعرفه الآخرون، فمن السهل الربط بين إيران الثورة الإسلامية و»حزب الله« اللبناني ومن ثم »السعودي«، وسوريا التي طالما ساندت المقاومة في لبنان في نضالها المشروع ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبين أسامة بن لادن و»طالبان« ناسفة التماثيل الجميلة ذات القيمة الحضارية الاستثنائية، وذات القداسة بالنسبة للبوذيين.
في هكذا مناخ تسهل المهمة أمام إسرائيل لكي تنسب نضال الشعب الفلسطيني إلى هذه »الموجة الإسلامية« المعادية للغرب كله، وللحضارة الإنسانية جميعاً.
… ويسهل اقتناص جملة من خطاب أو تصريح للرئيس السوري بشار الأسد لتوكيد ما لا يحتاج إلى دليل من عداء العرب (الساميين أصلاً وفصلاً) للسامية.
أليس من باب »الذكاء« أن واشنطن قد كلفت المخابرات المركزية الأميركية بالانتفاضة الفلسطينية؟!
هل من عقوبة سياسية بلغت مثل هذا المستوى من الذكاء بحيث يُكلَّف جهاز المخابرات الأسوأ سمعة في العالم، والأعظم وحشية، بمعالجة أقدس قضية عربية (وإسلامية؟!) معاصرة؟!
أما الباقي فتتكفل به إسرائيل بجيشها الذي لا يُقهر، ومستوطنيها المستقدمين من شتى أنحاء الأرض والذين قيل لهم: اقتلعوا هذه الأرض من أهلها وخذوها فارغة فاملأوها بنسلكم المبارك!
هل بقي أحد خارج العقوبات الأميركية؟!
الكويت… التي يُرهقها »محرِّرها« بطلباته التي تستنزف موازنتها؟!
الإمارات العربية المتحدة التي يفرض عليها »حليفها« الكبير ما لا طاقة لها به من مشتريات السلاح الذي لن يُستخدم لأن لا حاجة بها إليه، ولأنه سيكون مجرد مصدر لاستفزاز الجيران وتغذية روح التنافس بل العداء بين الأخوة؟!
إذا كان هذا هو الصديق (الذكي) فكيف يكون العدو (الغبي)؟
ومتى يتضامن المعاقَبون لرد العقوبات عنهم… ما يتخطى ذكاءهم منها وما هو دون »غبائهم« ووعيهم بمصالحهم التي هي عملياً مصالح أميركية وإسرائيلية بمجملها، إذا ما تم التدقيق فيها؟!

شامة على الريشة
حين توغلت في القراءة داهمها الشعور بأنها هي المقصودة بكل كلمة، بكل حرف.
نخزتها علامات التعجب وكأنها دبابيس تشك في مفاصلها، وكادت تنتفض غضبا أمام بعض المقاطع المثيرة، في حين اخذتها مقاطع اخرى الى الخدر، بل هي لم تتورع في لحظات عن التوقف عن القراءة لتغرق في تأملات مبهجة… ولعلها انتبهت، فجأة، الى انها تقارن تقاسيم وجهها، وتقاطيع جسدها بالتوصيف ، وكأن كاتبه يقف على كتفيها يتأملها ليرسمها بعينيه قبل قلمه.
في نهاية الصفحة السبعين وجدت نفسها تترك الرواية لتقف أمام المرآة مصعوقة: كيف عرف بهذه الشامة تحت إبطها الأيسر؟! ثم من أين له هذه القدرة على الوصف التفصيلي لبعض مواطن الجمال الخفية التي كانت تدخرها للحبيب الذي لا بد آت، حتى لو تأخر او تاه لبعض الوقت عن طريقها؟!
اما حين انتهت من الصفحة الاخيرة فكانت قد حزمت أمرها: ستكتب الى هذا اللعين الذي اقتحم عليها دنياها السرية فكشفها لكل الناس، واشتط مع مخيلته احيانا، فأخذها الى مغامرات ليست لها الجرأة للإقدام عليها ، مع انها شديدة الرغبة في تذوق ملذاتها.
ولكن، بأي صفة تكتب لمن لا تعرفه، وتعاتب من لم يعرفها.
أخيرا كتبت. لم تعاتب، ولم تنتقد، ولم تظهر اعتراضا، بل وجدت نفسها تقارب الشعر وهي ترصد »تحولات« الشامة السمراء عندما يترقرق فوقها ماء الاستحمام نازلا الى مثاوي الظلال في الجسد العاجي الذي يعرفه البعيد بالتشهي ، بينما هو يتشهى لمسات تلك الأنامل التي تفضل مداعبة القلم البارد على الغرق في مكامن اللذة.
»لن تحيي موات الريشة فتعال نمنح الشامة مداها الخصيب«.

تهويمات
… وحين غادرت لغتي انحطمت الكلمات.
صارت الحروف مجرد قطع خشبية، أجمعها كطفل يحاول بناء لعبته بالقطع الموسومة بالعلامات، والتي قد ترسم شكلا ولكنها لا تمنح الجماد الروح، وتظل تفتقد النبض والدفء والمعنى.
لكأنك مهجع الشعر. كل كلام من خارجك لغو، أما داخلك فنعيم مرصود الباب لا تفتحه الا كلمة السر الممتدة بمدى العمر بين الحرفين المسحورين لاسمك المقدس.
يتحجر القلم إلا عند مرور طيفك فيوشحه الوجع ويطلقه التمني ويروح ينثر ألوان الطيف على الريح وتنتقل الفراشات والنحل بملامحك حتى يمتلئ بك الفضاء، وتستعيد اللغة روحها المفتقدة.
تقولين: أتعشق اللغة لأنها مثوى الجمال.
وأنا أعشق مبتدأ اللغة والمنتهى.
* * *
هل وصلتُ مبكرا أم وصلتِ متأخرة، أم ان الطريق ضاع منا فأضاعنا؟ ليس الافتراق ضياعا، انه مساحة اضافية لحب لا تُعرف له بداية.
لا يخضع الحب لأنظمة الحساب ولا للأمزجة. به يؤرخ.
أسعد الناس من تماهى مولده مع الحكاية التي تجعله أغنية وواحة ظل يأتيها المتعطشون الى الرواء فينالون فرصة لقراءة أسمائهم فوق ماء الحياة.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة الا الحب:
يربكني حبي لأنني أحس دائما بأنه أعظم مني وأوسع من ان يتسع له صدري. أما نبع سعادتي فهو إحساسي بأنني في امتحان مفتوح مع حبيبي، كلما ظننت انني بلغت قمة العطاء جاء فيّ عطاؤه أرق وأشمل وأبهى.
إنه الامتحان الوحيد الذي لا فشل فيه، ولكن درجة النجاح تشكل امتيازا للروح.

Exit mobile version