طلال سلمان

هوامش عن قمة بعد اسقاط العباءات الحاجبة!

عن قمة… بعد إسقاط العباءات الحاجبة!
جلسنا في مقاعد الجمهور نتفرج على »القمة« وأبطالها القلائل وأصحاب الأدوار الثانوية وهم بعدد حبات الرمل على شاطئ صحراوي.
للأمن السماوات والطرقات، المداخل والمخارج وما بينها، النوافذ والفضاء والعصافير التي تجرؤ على اجتيازه، الجدران والأبواب، السيارات وأجهزة الاتصال التي تصادر الهواء وتحصي الأنفاس.
للأمن البر والبحر والجو، السطوح والشرفات، المقاعد والظنون، السمع والبصر وحركات الشفاه ونظرات العيون المشبوهة.
كل ما يتحرك خطر او مصدر للخطر: عدسة تصوير، قلم يجري على ورقة، فكرة عابرة لوقار السادة اصحاب الألقاب السامية والمعظمة والمعهود بأصحابها الى من انتُدب ليحفظها.
إذا قمتَ صرخوا بك ان »اجلس«! وان جلست فأطلت غمغموا من خلال أسنانهم ان »قم«! ان مشيت صاحوا بك »قف!«، وان وقفت تدافعوا نحوك ليجبروك على المشي بغير اتجاه معلوم… المهم ان تختفي حتى لا يعتكر مزاج السادة الذين يتوقف على صفاء مزاجهم مصير هذا الذي يتحكم بمسارك ومسيرك وربما بمصيرك أيضاً!
هي »القمة« إذاً… والقمة لا تعني، عربيا، غير تفاقم الخلافات بين »الاخوة« بما يستدعي استدراج الوساطة الاجنبية وإغراق »المواطنين« القلقين على أسباب حياتهم بطوفان من مظاهر التصافي أبسطها العناق الذي يمتد من قمة الرأس حتى ظاهر اليد اليمنى، مرورا بالخشم والخد والكتفين بحسب الأعمار والمرتبة الاجتماعية!
هي القمة إذاً، فالصمت هو السيد، والامن بالمرصاد لمن يتنحنح او يسعل او، معاذ الله.. يقهقه او يتحرك فيصدر مقعده ذلك الأنين المزعج: صه، فالعظماء يفكرون!
وحين يجيء موعد التصوير، تُطمر خناجر الخلاف، وتخفى النوايا الشريرة، وتُرسم على الوجوه تلك الابتسامات التي تخدع البلهاء ممن يفترضون أنها بلهاء!
ثم يصدر البيان الختامي بعد تأخير متعمد من أجل الإثارة والتشويق، فينشغل الناس بأسباب الارجاء عن صياغته الركيكة والمفرغة لأسباب تتصل بالمصلحة العليا من اي مضمون!
* * *
الفرحة بالعيد ليلية،
تسيل الكهرباء على الطرقات، وتزركش العتمة بألوان قوس قزح، وتنير الكلمات المغلقة على السر بالأحمر والأزرق والأخضر والأصفر حتى يضيع المعنى!
الليل صامت. البحر صامت. المقر الرئاسي صامت. النور صامت. وثرثرة المذيع تظل اوهى من ان تغتال الصمت، والصحافيون يحاولون استنطاق الصمت بكلمات خرساء فتخرج مقالاتهم بكماء!
القمة بعيدة، فوق،
والناس مشغولون عنها، تحت؛
لا رابط ولا اتصال: لكل ما يشغله!
القمة هي البعد؟! القمة هي العزلة؟! القمة إعلان للعجز عن القرار بإحالة ما كان يجب إقراره الى القمة التي تلي القمة…
* * *
يتأفف السفير الوسيم، البادي الأناقة، والذي يفضل الحديث بالانكليزية لعلها تطمس او تخفف من وطأة أصله البدوي:
كيف يمكن ان يفكر رجل يثقل على رأسه بثلاثة أغطية، فهناك الطاقية ثم الكوفية وبعدها العقال!!
ينتبه الى عباءته فيضيف ساخطا:
وهذا »البشت« اللعين! انه يعرقل الحركة، ويربك، وقد يتسبب لك في كارثة اذا ما داس أحد خطأ على طرفه!
* * *
تتراصف العباءات متعددة الألوان والتي باتت تنتجها الآن أغلى دور الأزياء في فرنسا وإيطاليا، وتتدخل في تفصيلها وزركشتها.
البروتوكول البدوي أعظم دقة من ذلك المعتمد في أعرق بلاط ملكي في أوروبا: لا أحد يتجاوز مقامه فيتحدث، ولو همساً، حيث الكلام للكبير، ولا أحد يخطئ فيقدم نفسه على من هو أكبر سنا بيوم، او أعظم وجاهة بسبب خؤولته.
ويغمغم جاري من بين أسنانه: كل هذه مظاهر! مساكين نحن أهل النفط! اننا، فعلا، كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ والنفط تحت أقدامها مخزون!.
أتحاشى التعليق فيضيف كمن يقرأ في تقرير رسمي: كل هؤلاء لا يملكون ان يقرروا في أي أمر! المهم ذلك الذي يتحكم بالعجلة عند حقول النفط العظمى! ان الاميركان يتعاملون في اليابان مثلا مع من هم فوق الأرض، أي مع البشر، لأنهم هم المنتجون، وهم المنافسون الخطرون، وهم الذين صنعوا ويصنعون مصادر دخلهم. هناك يتعاطون مع أصحاب العقول. أما هنا فهم ليسوا بحاجة لأصحاب الحقول! انهم يتعاطون مع ما هو في باطن الارض… أما من فوقها فلا يهتمون لأمرهم. يكفيهم حارس الحقول، وبغضّ النظر عن اسمه. لماذا النقاش والجدل والخلاف مع البشر، أي من هم فوق الارض هنا… ان حياتهم نفطهم، من تحكم بالنفط حكمهم بغير تعب!
* * *
في زاوية اخرى، وخلال دهر الانتظار الطويل توقعاً لقرارات خطيرة لن تصدر، كان النقاش محتدما حول الديموقراطية والمشاركة في الحكم.
قال »العقال« الاول: في بلاد الناس تُحتسب أهمية القمة وخطورتها بالساعات. يصل الجميع في الاوقات المحددة بالثانية. يجلسون الى مقاعدهم في الموعد بالضبط. يبتون ما كان حضره الوزراء، بعدما أشبعوه درساً، ومعهم الخبراء، فيحسمون ما أشكل على أولئك ويحتاج الى توقيع المفوضين من الشعب بقوة الاصوات التي نالوها في الاستفتاءات والانتخابات.
قال »العقال« الثاني:
اما نحن هنا، وحيث لا قيمة للوقت، فان القادة يهدرون أياما في المجاملات، ثم يضيعون أياما في التهرب من مواجهة الموضوعات الحساسة، ثم يرجئون القرار الى قمة أخرى.
أين نحن؛ الشعب؟! لا وجود لنا في القمة، ولا وجود لنا في القرار!
قال »العقال« الثالث:
اننا ما زلنا نخاف أن نسمح للمرأة بقيادة السيارة، مع أننا نهدي أي مومس تعجب واحدنا قصراً يتسع مرآبه لسيارات عدة فنملأه بأحدث الموديلات وأغلى الماركات!
القرار؟! وكيف نكون شركاء في قرار ونحن لا رأي لنا لا في نظام الحكم، ولا في الحاكم، ولا في طريقة »بناء« الدولة، ولا في تحديد مصدر القرار، عدا عن مضمون هذا القرار وانعكاساته على حياة الناس!
انهم لا يطيقون »مجلس الأمة« في الكويت، وهم يتآمرون عليه، في الداخل والخارج، لحلّه… وهم ثائرون الآن على قرار قطر إجراء انتخابات بلدية ستشارك فيها النساء لأول مرة في تاريخ الخليج!
القمة فوق، الناس تحت، ولا ارتباط.
القمة فوق، معزولة عمن حولها.
القمة مخيفة. القمة هي الوحدة، والوحدة هي الوحشة.
القمة فوق. الناس تحت. وما بينهما الخوف.. كثير من الخوف!
لا وقت لإسرائيل. لا وقت للخطر الاميركي.
الكل مشغول بخوفه، وبعض الأعداء قد يطمئنون.
من العدو تجيء الطمأنينة أحيانا! والمشكلة أنها قد تجيء، الآن، الى الطرفين!
والعرب ليسوا واحدا، حتى لو غطت رؤوسهم جميعا الكفافي او الغطرات و»العقل«، واتشحوا جميعا بالعباءات التي لم تعد تستر شيئا!

وردة الليل..
من قلب العتمة جاءت، وردة الليل، فانزاح غيم الضجر الرمادي وانفجرت المتعة فأصاب كل نصيبه من شظاياها.
حين جاءت جاء الرجال.
كانوا قبلها أشكالاً وأطيافاً وأكياس لحم تلتهم اللحم ولا تشبع.
كانت »الشوارب« تقتعد الوجوه كأنها إعلان عن بضاعة كاسدة، فلما حضرت صار كل شاربين رجلا! وصارت النساء جميعا.
قبلكِ كانت النساء كثيرات ولا امرأة، معك صارت كل النساء امرأة..
(قبلكِ كنت واحدا في زحمة الرجال، ومعك صرت الرجال جميعا)..
صدحت الموسيقى بلحن الشبق الخمري، فاذا الرجال أطفال يلعبون في الفسحة بين عينيك وأطراف الأنامل الممدودة كالرجاء.
تتجول العين في أمدائك، تتغلغل في شعرك فيأخذها العطر الى التيه، ثم تتراقص مع عنقك وهو يتطاول فيلامس أعقاب الآلهة… والمكان لا يتسع للآه! والخارجون من إيمانهم اليك يتدافعون ليختطفوا نظرة واحدة او فتات ابتسامة فتهشين عليهم بالعصا.
تتطلع إليك النساء عبر غيرتهن المتوحشة. يسحبن رجالهن من ظلالك الوارفة الى لزوجتهن العارية، وحين يخمد النبض في جثة الزوج تبتسم الزوجة: ها قد قتلت بهاء حضورك!
خطوة خطوة بين صفوف الثيران المهتاجة فتسيل الشهوة أنهارا ويمرق زورقك فيها مطوي الشراع.
وحين يتوقف الإيقاع ترفرف أطياف التمني ثم تطير عائدة الى أعشاش الحسرة والتباهي بفتات الفتات الذي استقر في قعور الاقداح الفارغة.

من أقوال »نسمة«
قال لي »نسمة« الذي لم تُعرف له مهنة إلا الحب:
لا يعيش الحب في السفوح، ولكنه ليس مصعداً تركبه الى القمة. يمدك الحب بالعزم ولكنه ليس بساط الريح. انه يعطيك قوة الإرادة، ولكنه لا ينجز أعمالك وأنت نائم.
لا يحتاج الحب الى التفرغ، ولا يعيش في الفراغ.
يعطيك الحب »أنت« الثاني، وينتظر ان تردا له الجميل بنجاحكما معا.. فاعمل بقدر ما تحب لتكون حيث يحملك الحب فيوصلك.
طلال سلمان

Exit mobile version