طلال سلمان

هل يمكن التغيير من دون اميركا وايران؟

إلى أين؟

الجواب بديهي: إلى الهاوية. للتأكيد نحن فيها، ونحفر في القعر كي لا نصل إلى الخاتمة. أي، يمكن العيش والتعايش مع الإنهيار، أكثر مما ينبغي. لأننا في حالة المستحيل.

لماذا؟

الجواب أسهل: ليس أمامنا إلا إشارات مرور، تدل إلى المسار النهائي. للنهايات جاذبية الإنتحار. الخيارات معدومة. القراصنة أحياء يرزقون وينشطون، ليس من رادع لهم. الداخل ملكهم، والخارج لا يترك فيهم أثراً. التعويل على التغيير، مطلوب بإلحاح، ولكنه خرافة سياسية. مسكين إيمانويل ماكرون: “فات بالحيط”. صح ما قاله الرئيس ميشال عون: إلى الجحيم. وها نحن فيها مندفعون بقوة لتغذيتها بوقود الطائفية.

هل من خيارات أخرى؟ هل هناك بصيص بحجم رأس الإبرة؟

عبث. لا رهان على غدٍ مختلف قليلاً. الأدلة كثيرة: حالة لبنان أنه ميت قليلاً، وحالته تزداد موتاً. الكورونا السياسية والمالية والاقتصادية والقضائية ومئة واو أخرى، تؤكد لنا، أن لبنان مستعد لأن يموت أكثر، وأن يقتل كل أمل وليد، ينبثق ضعيفاً، من حراك يراهن على المستحيل القليل.

17 تشرين أشعل الآمال، ثم.. هدأت نيران الغضب وتضاءل حجم القبضات وتعددت التركيبات وتذررت. يكاد 17 تشرين أن يصير ذكرى فـ”قفا نبكِ”.

الزلزال الذي دمر ثلث العاصمة، ولوَع اللبنانيين وأوغل في أجسادهم ودمائهم وأبنائهم وبناتهم وحجارة جدرانهم وزجاج نوافذهم وآمال حبيبة على ندرتها… هذا الزلزال، كأنه ماضٍ مضى. فيما المطلوب أن لا يمضي أبداً. الخلاصة، بعد أهوال الزلزال، متروك لنوافل القضاء المطعون بأساساته ورجالاته، ولعناية السياسيين والإداريين، لإيجاد أجوبة، لتحديد المسؤوليات… الزلزال ودعوه. لقد بات ملفاً من الملفات العفنة، بسبب إقامتها المديدة، في الأدراج العفنة والضمائر المباعة.

فصلان حاسمان، قادا القيادات الآثمة إلى حتفنا. تم تسليم الثورة إلى النسيان. استطاع المرتكبون أن يقفزوا بخفة وجرأة، فوق ما اصيب به لبنان، وما أوجع به اللبنانيون،(جوعاً، وعوزا، وبطالة، ومرضاً، وقرفاً، وغضباً، و..) إذ لا يجوز أن تمس “المقدسات ” السياسية، وهي بعهدة زبانية الطائفية والمحافظ المالية ودفاتر التزوير، إلى جانب الإمساك بإذن “جماهيرها الغبية”، لتغطية السياسة بالخطر الدائم والداهم، فقدان التوازن الطائفي، والمداورة، والمحاصصة.

فعلاً، كأن شيئاً لم يكن.

لذا، فلنجرؤ على محاسبة النفس. حفظنا عن ظهر قلب الأسماء والصفات والنعوت والاتهامات. كفى إصراراً على رفع الصوت فقط. المطلوب التسلح بالسوط لا بالصوت – والمطلوب تعميم هذا العنف النوعي، على الجميع وهم معروفون. وهم نافذون ولا يكفون عن نسج التحالفات الزانية، او تعهيرها من أجل تحالف شرير رخيض جداً… يلزم أن تكف أقلامنا وأقوالنا وأفعالنا عن التعرض للطغمة السياسية. جلدها سميك، ولا تشعر بسوء أو بمذلة. لأنهم، أخلاقيا، هم في مستوى الأحذية الملتصقة بالحضيض، لقد “انطوشنا”. وعبثاً نفعل ما لم نقطع حبل السرة بين الطائفية، وأعداد غفيرة من المنتفضين، بخلفية طائفية، تهاجم خصومها الطائفيين، وتدافع عن موقعها الطائفي وقادته.

هذه، كما هي، ليست ثورة. إنها ركوب موجة.

هذا يعني أن الإنتفاضة ليست بريئة من الطائفية، علماً، أن اللاطائفيين والديموقراطيين والنقديين، كانوا الصوت الصارخ. ولكنهم أصوات وليسوا أفعالاً. الأفعال هي التي تحدد المسيرة وتحدد المصائر.

لنوضح أكثر. يلزم أن يكون الحراك الطائفي ضد الطغمة الحاكمة، مستقلاً عن الحراك المدني. 17 تشرين ضم النخبة الشعبية. انخرطت فيها الجماعات الحزبية الطائفية، من رأسها إلى كعبها، لأنها على خلاف مع منظومة طائفية حاكمة. وليس غائباً أبداً، أن هذه العراضات الحزبية الطائفية، مسؤولة عما مضى، ولا تجيب عن سؤال، “من أين لكم هذا”؟ أي من يدعمكم؟ من يزودكم بالمال والنفوذ؟

لبنان مكشوف يا جماعة. لكل حزب طائفي منابع خارجية تغذيه. هذه الينابيع متعددة ومختلفة وملونة. ولذا، يصعد صوت “الحراك” الطائفي، ويبرمج بسخاء، لكن مفتاحه بزنار السفارات. وهذا التداخل، بين “الحراك الطائفي”، لغايات سلطوية قادمة، وبين الانتفاضة الشعبية، التي لا تؤمن الا بمرجعية الألم الذي اصاب اللبنانيين، فالفساد والسرقة والبلطجة والطائفية، أصابت اللبنانيين الطالقين من طوائفهم، فيما لم تصب الطائفيين الذين ربطوا حبل صرتهم بالهبات الخارجية المشروطة.

لا يمكن بناء وطن من مواطفين.

لا يمكن بناء وطن إلا من مواطنين.

وعليه لا بد من الفرز الحاسم. فليخض الطائفيون معاركهم في ساحاتهم ووفق برنامجهم. وهؤلاء ليسوا معيناً للانتفاضة، بل هم جحيم الإنتفاضة. الملتزمون بأحزابهم الطائفية لهم ساحاتهم، ونحن المتحررين من طوائفنا وزبانيتها لنا ساحاتنا، ونعرف من هم الخصوم ومن هم الأصدقاء. كما نعرف أن أخذ الإنتفاضة إلى قلب الصراع الأميركي -الإيراني في لبنان، يأخذنا إلى الخسران.

هل يعني أن معركتنا فقط داخلية؟

لا يجوز، مرحلياً، أن تُخاض كل المعارك دفعة واحدة. إننا، إن فعلناها، لخاسرون. إننا ندرك أن لبنان، ذا طبيعة ملازمة له، منذ ما قبل التأسيس. لبنان ممر ومقر للقوى الإقليمية والدولية. لبنان دولة بلا حدود. دولة بلا سيادة. دولة تستدعي الخارج ليقيم في الداخل. تاريخ لبنان هو تاريخ القوى الإقليمية والدولية فوق أرضه. سنوات استقلاله معدودة أو معدومة.

إنطلاقاً من هذا الواقع الذي يضعفنا جميعاً، ما العمل؟ هل نخوض معارك الخارج فوق أرضنا؟ هل باستطاعتنا التأثير والحسم، في الصراع السني-الشيعي الذي يشرخ الخريطة العربية إلى منطقتي عداء إعلاماً، وديناً، وطوائف، ومالاً، وقضايا، وتحالفات؟ لسنا دولة عظمى. ولكننا ننتمي، من بنيتنا إلى مرتبة المتورطين الفعليين في القضايا الدولية الساخنة، والنارية، والنازفة.

هل يتصور أحد عاقل، أنه يستطيع أن يحسم الخلاف بين الحلف الإيراني الممانع، وبين الحلف الأميركي – الإسرائيلي- السعودي- الإماراتي المطبع؟ هذان قطبان، ولبنان نقطة في بحر هذا الصراع الصاخب.

أميركا تريد رأس المقاومة؟ من سيتبرع من اللبنانيين لهذا الفعل؟ هل هو عاقل أم منتحر؟ ماذا يبقى للبنان من لبنان؟ لذا، لا مفر من خوض معركة الإصلاح الداخلية، عبر التغيير لبلوغ الدولة الحديثة الديموقراطية العادلة، على أمل، أن يصان لبنان في الصراع الإقليمي الدائر حالياً.

من يريد أن يكون له مكان في الصراع الإقليمي الدولي، يخوض معركة طواحين الهواء.

الموضوع صعب وشائك. ولكن لا بد من وضع الإصبع على الجرح. المواجهة بعناوين داخلية موضوعي. الذهاب إلى الخنادق الدولية والإقليمية إنتحار.

Exit mobile version