طلال سلمان

مواجهة ممكنة

ذهب البعبع، جاء الغول…
سقط الرهان البائس على »التحول نحو السلام في المجتمع الإسرائيلي« الذي أسعد »المهرولين« العرب عندما انتصر إيهود باراك على بنيامين نتنياهو، قبل أقل من سنتين، وعاد الواقع يفرض نفسه ببشاعته المطلقة: أرييل شارون وبرنامجه المعلن برفض أي مشروع للتسوية، بدءاً باتفاق أوسلو وانتهاءً بما يطلق عليه مشروع الحل الدائم للقضية الفلسطينية.
قال الإسرائيليون، مرة أخرى: نعم للحرب المفتوحة، ضد الفلسطينيين بالمطلق، ضد وجودهم وحلم الدولة، وليس فقط ضد حقوقهم »المدنية«. وهي، وبغير تمويه، حرب ضد العرب جميعا، بمن فيهم من سبق له التوقيع على اتفاقات تبدو الآن وكأنها في مهب الريح، إذا ما استذكرنا تهديد »الشارونيين« بتدمير السد العالي، أو بالنفخ في نار حرب أهلية أردنية فلسطينية في الأردن، فضلاً عن كل الاتفاقات الكلية أو الجزئية الموقعة مع »السلطة الفلسطينية« خلال السنوات السبع الماضية.
ذهب البعبع، جاء الغول… لكن حلول سفاح عجوز محل سفاح كهل لا يمكن أن يكون نهاية الصراع، وليس سببا لإلقاء السلاح والاستسلام لنتائج »الديموقراطية الإسرائيلية« التي اصطنعها المستوطنون الاستعماريون والمتدينون الدمويون والعنصريون بأشكالهم كافة.
المواجهة هي المواجهة، وإن اختلفت الأساليب وزادت الكلفة شهداء وتضحيات وحصارا تجويعيا وتخريبا وتدميرا ومحاولة قهر إرادة التحرر والاستقلال.
المواجهة هي المواجهة، ولا مفر أو مهرب منها، و»التسوية« تتبدى الآن مستحيلة مهما تعاظمت التنازلات، ومهما تفنن المساومون في أساليب المناورة ومحاولة اللعب على التناقضات الإسرائيلية، والتي كثيرا ما شكلت مصدر خطر على الانتفاضة، تارة بالسعي لتحجيمها حتى لا تفلت، وطوراً بتوظيفها لأهداف تكتيكية غالبا ما انتهت باتفاقات أمنية جديدة على حساب المطالب السياسية المشروعة.
والمواجهة اليوم كما بالأمس تعني العرب جميعا وليس الفلسطينيين منهم على وجه الحصر.
إن الإسرائيليين قد أعلنوا بأعلى الصوت تحديهم للعالم أجمع، والعرب منهم أولاً وبالتحديد.
وهم بخيارهم التحدي أعطوا الفلسطينيين خصوصا والعرب عموما فرصة ممتازة لكي يكسبوا مزيدا من التأييد لموقفهم »المسالم« بأكثر مما يجب.
بين قمتين عربيتين، سالت في المسافة بينهما دماء غزيرة، رفع الإسرائيليون التحدي إلى الذروة، فردوا على الانتفاضة بمزيد من القتل والتدمير، وعلى الإجماع العربي، ومن ثم الإسلامي باستهانة مخجلة وحاولوا طمس »النموذج اللبناني« أو تجاوزه حتى لا يكون »القدوة«.
وفي انتظار جواب عربي بمستوى التحدي لا بد من التذكير بأن المواجهة ممكنة، وقد تحظى الآن بمزيد من التفهم والتعاطف وربما التأييد دوليا.
لقد كشفت انتفاضة الأقصى، مرة أخرى، حقيقة التكوين الإسرائيلي، حقيقة العنصرية الصهيونية،
كذلك فإن موقف »عرب 1948«، أو »فلسطينيي الداخل« يستحق التحية مرتين: الأولى لأنهم أكدوا أن المواجهة ممكنة، وهم قد لعبوا ويمكنهم أن يلعبوا أكثر دور الكاشف بل الفاضح لحقيقة التكوين الإسرائيلي والمخطط الصهيوني الذي لما يطو والذي يهدف إلى مسح الفلسطينيين عن خارطة فلسطين كلها، والثانية أنهم يستطيعون أيضا أن يقاوموا بلحمهم الحي، كما بوعيهم السياسي، وأن يكملوا صورة الانتفاضة وأن يعطوها أبعادها الكاملة كحركة تحرير مطلبها الاستقلال، وأن يظهروا العنصرية الإسرائيلية بأكمل تجلياتها.
ذهب البعبع، جاء الغول… لكن فلسطين تستطيع أن تقاوم وأن تواجه، فكيف إذا »تحرر« العرب الآخرون من رعبهم وساندوها من أجل أنفسهم وليس حباً بالفلسطينيين أو تقديساً للمسجد الأقصى.
إنه طور جديد في الصراع، قد يكون أكثر دموية ووحشية،
لكن »ملك إسرائيل« الجديد لن يستطيع أن يلغي الحقائق الأساسية المكتوبة بالدم على امتداد أرض فلسطين مرورا بلبنان وسوريا ومصر والأردن والأقطار البعيدة.
إنه طور جديد في الصراع يفرض علينا أن نكون بمستواه، وألا يأخذ التعب أو الرعب من »السفاح« الجديد إلى الاستسلام بغير قتال.

Exit mobile version