لا يطمئن اللبناني إلى غده. أرباب العائلات يفضلون الهجرة على البقاء. يطمعون بالحد الأدنى او دونه. يتحملون الحاضر بهدف مستقبل ما. لبنان، بلد بلا مستقبل. محكوم عليه أن يتعكز على ماضيه، كلما انتابت جماعاته الحاكمة، حُمى الطائفية.
ازمة حكومية مزمنة ومتكررة. غلط. الأزمة طائفية بحت. المسيحيون عادوا بقيادة جبران باسيل إلى البدايات. يريدون رئيساً قوياً، ولقد انتهى زمن “الرئيس القوي” مع خسارة الصلاحيات بعد سقوطها في حروب “الاشقياء اللبنانيين”. الطائف سحب من الطائفة المارونية، ما كان لها من نظام رئاسي بشبهة ملكية. حاكم غير محكوم. حاكم وغير مسؤول. تم توزيع صلاحيات الرئاسة لفتات مجلس الوزراء، الذي يحتاج إلى معجزة لتأليفه، او إلى امر خارجي كي يستعيد نصابه.
نعم. خسر المسيحيون في اتفاق الطائف، ومحاولة “الرئيس القوي”، هي لاستعادة ما خسروه بالنص والحرف. كيف؟ الرئيس ميشال عون هو بالاسم رئيس الجمهورية اللبنانية، ولكنه بالفعل رئيس “التيار” اولاً، والرئاسة ثانيا… الرئيس القوي، هو الرئيس المتحكم بكتلة وزارية وازنة، وكتلة نيابية قوية. وهذا ما افرزته الانتخابات الأخيرة. كي يكون الرئيس قوياً عليه أن يتحكم بالتأليف الماروني ويؤثر في التكليف السني، ويمون على التكليف الدرزي، الشيعة استثناء. برافو. طائفة مبرمة ومغلقة.
من يقبل من القوى الطائفية أن يتنازل عن ذرة من قواه في الحكومة والمجلس النيابي. شهر “التيار” سلاح الصلاحيات القوية، عبر امتداداتها في الوزارات والمجالس والادارات. استعيدت حقبة الاستئثار السوري والمنافع السنية والشيعية والدرزية. التوازن الطائفي الجديد، لترجيح كفة الرئاسة، يقتضي أن يتمثل الاقوياء وفق الترتيب التالي: المسيحيون اولاً، الشيعة ثانياً، السنة ثالثاً الدروز رابعاً، والبقية تابعون فقط.
صيغة يعود فيها لبنان الى ما قبل الطائف. الرئيس القوي ليس بصلاحياته، بل باحتساب حصصه المستجدة، على حساب السنة والدروز.. الشيعة محصنون. هم كموارنة الماضي، زمن الحلف الثلاثي: شمعون، الجميل وإده.
لن يقبل السنة ذلك. فما أُخذ من الرئيس القوي، لا يُعاد اليه بطريقة التفافية. مسألة الاحجام لعبة خطيرة. بدأت الاصوات تعلو: اسألوا الديموغرافيا. ما حجم المسيحيين. 25 او 30%، لا غير. هذا السؤال تمهيد للإطاحة بالمناصفة المسيحية الاسلامية، ويوقظ شهوة المثالثة. لم لا؟ في الطائفية، كل ممنوع مشروع. التوظيف في الادارات الرسمية متوقف بسبب عجز المسيحي عن تزويد الادارة بالنسبة المحجوزة له… يظلم المسلمون في هذه المساواة. الامتحانات ليست معياراً. مجلس الخدمة المدنية ليس من اختصاصه المناصفة. من يقفز بالامتحان يعتبر مؤهلاً للوظيفة. أيا كان مذهبه. باسيل يرفض ذلك. ثم أن طائفية الوظيفة حكر على الفئة الأولى.
لا خلاص للازمة الراهنة بشكل طبيعي. عون اللبناني، هو ماروني مسيحي اولاً. اعلامه يتخندق في الماضي السابق للطائف. فاته أن يكون رئيساً قوياً. الرئيس القوي هو الرئيس المتصالح مع الطوائف الأخرى. بشارة الخوري كان قوياً بطوائف لبنانية تنتسب إلى صفه. كميل شمعون كذلك نوابه من كل الطوائف. فؤاد شهاب لم تمنعه مارونيته من أن يكون مقبولاً جداً من السنة والشيعة والدروز. الجنرال عون، كان واعداً أن يكون متعدداً، ابان موجة التسونامي، التي كسبت لبنانيين من معظم الطوائف. اسقطهم الجنرال في ما بعد، عندما قرر أن يكون بشير الثاني، ولكن بلا اسرائيل.
طائفياً، من حق الرئيس عون أن لا يتهاون مارونيا، وان يتحالف مع موجبات كونه رئيساً قوياً. وهذا امر صعب المنال. فلا السنة يقبلون ولا الدروز يطيعون والشيعة يتوجسون.
طائفياً، من حق الرئيس سعد الحريري أن يعض على صلاحياته بالأسنان ويدافع عنها بالأظافر. ومن حق الشيعة أن يضمروا المثالثة، وعندها: وداعاً لبنان.
الأزمة، أن الحكم الطائفي، هذا هو، هكذا كان، وهكذا سيكون. لا قيمة للبنان واللبنانيين ولا اهتمام بمشاكلهم ومصائبهم وكوارثهم. الازمة، أن ما حصل سابقاً، وما يحصل الآن، وما قد يحدث في ما بعد، هو برهان على عجز النظام الطائفي في ارضاء الطوائف اللبنانية المتمسكة به.
البطريرك بشارة الراعي الماروني كان واضحاً جداً. تبنى ما يقوله الذين قاطعوا الانتخابات. فالج لا تعالج. المسيحيون بحاجة إلى من ينقذهم من جبران باسيل وطروحات “التيار”. الصوت العالي، لا يقنع احداً، بل يستدرج الصوت الاعلى، والعمل من تحت لتحت. لن يسلم الحريري ولا بري ولا جنبلاط ولا جعجع، لجبران باسيل و”للعهد”. هؤلاء، لهم لبنانهم الضعيف، وطوائفهم المطيعة. وهم بذلك مكتفون. لا مصلحة لهم بوطن، وليس بمستطاعهم انشاء دولة، ولو ارادوا ذلك بصدق النوايا والعمل.
هذا هو لبنانكم فخذوه.
“بتستاهلو”!