طلال سلمان

من لبنان مقاومة الى »حماس« فلسطين ديموقراطية ولا وطن

هَزُلَتْ!..
فمن لبنان إلى فلسطين تكشّف نفاق ما يسمى »المجتمع الدولي« ممثلاً بدولته العظمى ومن والاها + إسرائيل، وتحولت تلبية مطالبته الشعبين بالتزام الديموقراطية، تحت الرقابة الدولية الصارمة، إلى جريمة تستدعي أشد العقوبات..
… وها هي الحكومة اللبنانية التي استولدتها الديموقراطية التي فُرض تطبيقها بالأمر، مشلولة، لا هي قادرة على الاستقالة لتعذر تشكيل حكومة أخرى، ولا هي قادرة على الالتزام بأبسط مبادئ التوافق لترسيخ الوحدة الوطنية، فضلاً عن بديهيات القيم الإنسانية ممثلة باحترام دماء المجاهدين من أجل تحرير التراب الوطني.
والسر في جملة من ثلاث كلمات: »المقاومة ليست ميليشيا«.. وهي بديهية لم يكن يناقشها أحد في لبنان، لا قبل الانتخابات ولا بعد نتائجها التي أعطت المقاومة عبر حزبها منفرداً أكبر كتلة نيابية في المجلس الذي استُولد بقانون أعرج وتحت رقابة أعتى الديموقراطيات في الكون!
أما في فلسطين فإن »المجتمع الدولي« قد هبّ مذعوراً، وشهر أسلحته جميعاً ولا سيما المالية والاقتصادية منها لمعاقبة الشعب الفلسطيني كونه قد أقدم على ارتكاب فعلة الديموقراطية فانتخب تحت رقابة دولية صارمة مجلسه التشريعي الجديد معطياً أكثريته المطلقة لحركة »حماس«، التي تقول بالمقاومة ولا تعترف بدولة إسرائيل التي لم تنفذ أياً من قرارات »المجتمع الدولي«، وما نفذته من اتفاقات »سرية« إنما تمّ بطريقة شوهاء تلغي مفاعيلها على الحاضر فكيف بالمستقبل… وقد أسقط التطرف الإسرائيلي ما كان بوشر تنفيذه، مجتزأً، منها.
في لبنان يريد المجتمع الدولي، بقيادته الأميركية، أن يفرض معادلة محددة: إذا أردتم النجدة الاقتصادية ممثلة بمؤتمر بيروت واحد، الذي عقدت له الإدارة الأميركية مؤتمراً دولياً في واشنطن حضره رئيس حكومة لبنان التي تتمثل فيها المقاومة، فعليكم أن تتخلصوا من »حزب الله« كشريك، وأن ترفضوا مطلبه المستحيل بأن »المقاومة ليست ميليشيا«.
أما في فلسطين فإن العقوبة تقدم على تشكيل حكومة السلطة: لن يصلكم فلس واحد لا من الولايات المتحدة ولا من الاتحاد الأوروبي ولا من أي جهة في الكون، وحتى عائدات الجمارك التي تحصّلها إسرائيل على البضائع (ومعظمها إسرائيلي) لحساب السلطة لن تدفع لها!
وفي الحالتين تبدو المعادلة واضحة: الجوع مقابل الديموقراطية..
وفي الحالتين فإن »المجتمع الدولي« يهيئ بوعي لمسلسل من الفتن قد تصل إلى حد الحرب الأهلية، عقاباً للشعبين الفقيرين اللذين التزما بنصيحته الأمر: تحقيق الديموقراطية وإنشاء السلطة عبر صناديق الاقتراع!
في لبنان: ممنوع على الأشقاء العرب أن يبادروا للمساعدة في حل الأزمة، بتغليب الحوار والمنطق ومحاولة فتح الباب أمام نوع من »تطبيع« العلاقات اللبنانية السورية، بعدما أجبرت القوات السورية على مغادرة لبنان بطريقة أقل ما توصف به أنها »مهينة«..
… فكيف إذا ما تجرأ بعض حكام العرب على إظهار الاستعداد لمساعدة لبنان بعد فوزه في امتحان الديموقراطية ببعض الهبات أو القروض أو التسهيلات التي تخفف من وطأة الدين العام الذي يتهدد مستقبل أجياله الآتية..
وفي فلسطين فإن التهديد بالعقوبات قد سبق تشكيل الحكومة، لعله يمنع الأكثرية من تجرع هذه الكأس المرة، فتصبح »حماس« القادمة بشعارات القضاء على الفساد والنهب المنظم والفوضى المسلحة وإعادة الاعتبار إلى نضالات شعبها، هي التي تتحمّل مسؤولية تجويعه بما يؤدي إلى فتنة تستغلها إسرائيل فتصب زيتها على نارها بحيث تسقط فلسطين كلها في المستنقع الدموي وليس »حماس« و»فتح« فحسب..
وفي الحالين، لا يكفي أن نلقي اللوم على المجتمع الدولي بقيادته الأميركية لأنه خان مبادئه!! وابتلع وعوده وغدر بنا، وبالديموقراطية.
بل إن المسؤولية تقع بالأساس على القيادة السياسية، وهي تتمثل، في حالة لبنان، بالأكثرية النيابية التي لها أكثرية الحكومة، بينما تتمثل في حالة فلسطين برئيس السلطة الذي تسلم به »حماس« ومن يواليه من القوى المحلية، وعلى رأسها »فتح«، والذي يحاول »المجتمع الدولي« الآن أن يوقع بينه وبين »حماس«.
لا عذر لأي مسؤول في ترك بلاده تؤخذ بالقهر أو بالخديعة إلى الحرب الأهلية، لأنه لا يقدر على مواجهة »المجتمع الدولي« بقيادته الأميركية + إسرائيل.
بين مجتمعك والمجتمع الدولي لا مجال للحيرة ولا فرصة للخيار… ولن يغفر الشعب لمن يضحي بوحدته أو بسلامته من أجل سلطة لا يمكن أن تقوم لها قائمة في قلب الفتنة.

Exit mobile version