طلال سلمان

من فلسطين الى عراق مرورا بلبنان حرب اميركية اسرائيلية على قمة تقارب عربي

ملاحظة من خارج النص: لم يُعرف عن السفير الأميركي في بيروت ديفيد ساترفيلد حس النكتة، لذا جاءت مفاجأة مبهجة أن يهددنا سعادته بعقوبة تمّ توقيعها على لبنان فعلاً، وهي سارية عملياً منذ سنوات طويلة، برغم خلو لبنان من »الطاعون« الذي رمانا به وزير الخارجية الأسبق جورج شولتز، والذي على أساسه دعا إلى الحجر علينا في »كرنتينا« حتى لا ينتشر الوباء…
وهي حرب على سوريا كما هي على لبنان، وإن تبدت علنية في بيروت وخفية وإن دائمة في دمشق.
فلا مؤتمر الطائف، ولا وثيقة الإصلاحات الدستورية، ولا دخول لبنان عصر السلم الأهلي، ولا الزيارات الودية، ولا الرسائل المؤكدة للصداقة التقليدية والحرص على الرخاء والسيادة، ولا حتى »مؤتمر أصدقاء لبنان في واشنطن« بكل الجهد الذي بذل لعقده ولم ينجح في إنجاحه… لا شيء من ذلك كله أقنع المستثمرين بالقدوم وتوظيف أموالهم في بلادنا!
كذلك فلا التزام اللبنانيين بالتوقف عن زراعة الأفيون وحشيشة الكيف، ولا انعدام خطف الرعايا الأميركيين أو تهديدهم أو إبلاغهم الرأي الشعبي بسياسة واشنطن، ولا الود الذي يحيط اللبنانيون به الدبلوماسيين والرعايا الأميركيين… لا شيء من ذلك كله أفاد في أن يحظى لبنان الخارج من الحرب الأهلية الطويلة (والتي كان الأميركيون طرفا فيها) ببعض الرعاية الخاصة، أو بعض المساعدة الجدية،
علماً بأن ذلك كله يتم بضمانة سوريا وبإشرافها المباشر.
لا في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ القرار 425 لقي لبنان دعما أميركيا جديا، ولا في إزالة آثار العدوان لقي تعاطفا لتمكين شعبه في المناطق التي كانت محتلة من العودة والاستقرار في أرضه، إذ لم تصل أية معونة، كما لم توظف أية استثمارات لا من مصدر أميركي ولا بإيعاز أميركي، بينما تكفلت واشنطن بدفع »كلفة« الجلاء الإسرائيلي وإعادة تموضع قوات الاحتلال وراء »الخط الأزرق« الذي لا يشمل للمناسبة مزارع شبعا… فالأميركيون مثل الإسرائيليين يرفضون حتى هذه اللحظة اعتبارها أرضا لبنانية، ولو تحت الاحتلال!
* * *
بعد هذه الملاحظة »المحلية« وانطلاقا منها يمكن الحديث عن الحرب الأميركية الإسرائيلية المفتوحة، على العرب منفردين ومجتمعين.
وهي حرب بكل أنواع السلاح، من الابتزاز السياسي إلى الحصار الاقتصادي وصولاً إلى القصف بمدافع الدبابات أو بصواريخ الطائرات وتدمير البيوت وقتل الأطفال.
لذا فهم العرب تجدد القصف الأميركي البريطاني لبغداد على أنه استئناف لهذه الحرب التي لم تتوقف فعليا، وإن كانت حدتها تتراجع أحيانا لأسباب تكتيكية.
ولعل الإسرائيليين قد فهموها أكثر فحددوا جبهاتها المستهدفة: لبنان، سوريا، العراق وصولاً إلى إيران، مع إشارات غير ودية إلى مصر التي يجهرون الآن بتحميلها مسؤولية رعاية الانتفاضة.
وحسب الفهم العربي: فإن واشنطن قد أغارت بطائراتها فقصفت بصواريخها القمة العربية (العادية، الأولى) المقرر انعقادها في عمان بعد خمسة أسابيع، استباقا لاحتمالات نجاحها في استعادة الحد الأدنى من الوفاق العربي حول ما لا يمكن الجهر بالخلاف حوله، مثل »هوية« المسجد الأقصى، إذا ما كان ممكنا »التساهل« في أمر الاختلاف على فلسطين أرضا ولاجئين ومشروع دولة منزوعة السلاح ترسم حدودها المدافع الإسرائيلية.
لم يكن قصف الطائرات الأميركية البريطانية، ليل الجمعة الماضي، على بغداد بذريعة »تعزيز« بطاريات الصواريخ المضادة ومراكز الرادار فحسب، بل كانت غارة استباقية لاحتمال التفاهم على جدول أعمال تلك القمة التي يفرض عليها التحدي الإسرائيلي المفتوح عنواناً فلسطينياً، ويفرض عليها الغضب الشعبي العربي العارم قدراً من وحدة الصف الاضطرارية في مواجهة ارتفاع التعصب العنصري الصهيوني إلى ذروته القصوى بانتخاب أرييل شارون، مما أشعر »المصالحين« أنفسهم بأن الهجوم لا يستثنيهم ولا يراعي حراجة أوضاعهم… خصوصا أن الإدارة الأميركية الجديدة قد طالبتهم بمنحه الفرصة وفتح الباب لتقبله »حاكما«!
* * *
هو التوجه نحو التلاقي عربيا، الهدف الفعلي للغارات الأميركية البريطانية، كما لتجديد الهجوم الإسرائيلي الشامل بقيادة أرييل شارون.
كأنما المقصود إبقاء العرب في ظلال حرب الخليج: جبهتين مقتتلتين، وقطيعة تتجاوز الحكومات إلى الشعوب فتزرع الحقد والكراهية بين الأخوة وتقرِّب الحامي الأجنبي وتفتح له البلاد والقلوب وحقول النفط.
ضمن هذا المناخ الذي عززه الضغط الشعبي العربي لرفع حصار التجويع والموت المفروض على العراقيين، كانت مبادرة دمشق إلى إعادة فتح الحدود مع العراق، وتنشيط حركة التجارة معها وصولا إلى توقيع اتفاقات مناطق التجارة الحرة.
وضمن هذا المناخ كان تحرك الرئيس المصري حسني مبارك، عشية القمة، لإقناع عرب الجزيرة والخليج بضرورة التنبه إلى خطورة الاستمرار في محاصرة العراق وتحمل المسؤولية عما يصيب العراقيين.
وبمصادفة قدرية جاء ترشيح عمرو موسى لمنصب الأمين العام لجامعة الدول العربية، مع انتهاء ولاية أمينها العام الحالي الدكتور عصمت عبد المجيد.
تبدى وكأن ثمة ملامح لمرحلة عربية جديدة، تُخرج العرب من مناخ »عاصفة الصحراء« لتقرّب بينهم، خصوصا أن خمسة شهور طويلة من الانتفاضة الفلسطينية بأكلافها البشرية والمادية الباهظة لمّا تقنع الإسرائيليين باستحالة الحل الحربي لقضية حق الشعب الفلسطيني في أرضه، بل ردوا عليها بالاندفاع إلى أقصى التطرف العنصري رافعين السفّاح المرفوض عالميا، أرييل شارون، إلى سدة السلطة في إسرائيل.
* * *
يستحق اختيار عمرو موسى أمينا عاما لجامعة الدول العربية وقفة خاصة، ليس فقط لما تميز به من كفاءة خلال إدارته الدبلوماسية المصرية، بل أساسا بسبب شجاعته الأدبية وجرأته في إعلان الموقف الذي يراه الصح، متخطيا الالتباسات وأحيانا »الحدود المرسومة« لنهج نظام الرئيس مبارك في التعامل مع إسرائيل، المحكوم باتفاقات كامب ديفيد وقيودها الصارمة والتي كثيرا ما تتبدى وكأنها كابحة للوطنية.
ومع الوعي المسبق بأن عمرو موسى سيجد نفسه محكوما بضوابط وقيود واعتبارات دقيقة في موقعه الجديد، حيث »القرار« رهينة إجماع نادراً ما يتحقق، وإذا ما تحقق فعلى قاعدة »سيروا بخطى أضعفكم«، إلا أن موجة الارتياح العربي العام التي واكبت خبر الترشيح، توحي وكأن العرب قد اعتبروا أن ثمة قرارا بالإفراج عن جامعتهم التي كادت صورتها في أذهانهم تبهت وتصير عنوانا للعجز العام.
لم يكن العيب طبعا في شخص أمينها العام المخضرم والمجرّب عصمت عبد المجيد.
ربما لهذا ثمة من يخاف أن يكون اختيار عمرو موسى وسيلة للخلاص منه في الخارجية المصرية أكثر منه محاولة لتجديد شباب الجامعة العربية.
وفي كل حال فإن المهمة الجديدة لعمرو موسى ستكون أصعب بما لا يقاس من مهمته السهلة نسبيا في الخارجية المصرية، التي تميزت دائما ومعها جهاز المخابرات العامة بأنها بين القلاع التي استعصت على الوقوع في فخ الخوف من إسرائيل أو الانبهار بها، أو الاستسلام للضغوط القاسية التي مورست وتمارَس عليها.
وكلنا يذكر أن الخارجية المصرية خاضت واحدة من معاركها المشرفة ضد نهج السادات في كامب ديفيد، وأن وزيرها الأصيل قد استقال هناك، ثم لحقه البديل.
* * *
سيصل »أبو حازم« إلى موقعه الجديد بعد ثلاثة شهور والمنطقة تعيش في ظل الحرب الأميركية الإسرائيلية المفتوحة…
وسيصل ليتسلم موقعا ليس له سلطة القرار.. فالجامعة تعكس حال دولها، وهي بالتالي مركز توافق في الشكل لمختلفين في المناهج والأهداف والسياسات.
وسيصل مسبوقا »بملاحظات« أميركية بعضها كان قاسيا ومباشرا.
وثمة من يقول إن ترحيب الإسرائيليين (والأميركيين؟) بخلاصهم منه في الخارجية المصرية سيكون أكثر من انزعاجهم من تسميته أمينا عاما للجامعة.
سيصل وسلاحه هو الموقف..
وهو بهذا الموقف والقدرة المميزة في التعبير عما يعتقده الصح بكفاءة، قد أعطى نظام الرئيس مبارك تزكية واسعة، داخل مصر وعلى امتداد الوطن العربي.
* * *
إنها الحرب الأميركية الإسرائيلية على العرب منفردين ومجتمعين.
ولا مجال للهرب من المواجهة، ولا حتى للهدنة.
ولعل القمة لا تكون ساحة لتراجع جديد يرسخ الهزيمة بدافع الخوف مما لن ينفع الخوف في منعه أو التخفيف منه.

Exit mobile version